ربما جاز القول أن ملايين الناخبين الجزائريين الذين تحولوا أمس الى مراكز الاقتراع انما تحولوا اليها من أجل "التوقيع" على "وثيقة عهد" من أجل تغيير سياسي سلمي وديمقراطي تدخل بمقتضاه الجزائر الشقيقة نادي "دول الربيع العربي" من غير أبواب الثورة والعنف والدماء.. أجل،،، فالانتخابات التشريعية الجزائرية التي جرت أمس لا تمثل فقط حدثا انتخابيا يقاس بمعايير كثافة الاقبال ونسب التصويت ومواعيد فتح مكاتب الاقتراع وغلقها... وانما هي أيضا عبارة عن موعد مثير لانطلاق "رحلة ذهاب" جماعية من قبل الجزائريين وبلا عودة هذه المرة الى جزائر جديدة بنظام سياسي مختلف وتعددي بالفعل يحترم ارادة الناخبين ومبدإ التداول على السلطة من خلال الاحتكام الى صناديق الاقتراع.. والواقع،، هناك أكثر من سبب يجعل الانتخابات التشريعية الجزائرية هذه تحظى باهتمام استثنائي من قبل المراقبين فهي من جهة تأتي في زمن وسياق يختلفان عن الزمن والسياق الذي جرت فيه سابقتها "تشريعيات" 2007.. وهي من جهة أخرى الانتخابات التي يراد بها بالفعل هذه المرة على ما يبدو محو اثار ومخلفات مأساة التجربة الديمقراطية المجهضة في تسعينات القرن المنقضي التي دخلت على اثرها الجزائر في وضع أمني خطير هو أقرب الى الحرب الأهلية.. صحيح أن المعلومات الأولية الواردة أمس من عدد من مكاتب الاقتراع أشارت الى ضعف نسبة الاقبال والمشاركة في بعض المناطق والولايات فيما اشارت معلومات أخرى الى أن نسبة الاقبال كانت "مرتفعة" في العاصمة الجزائر وفي بعض المناطق الأخرى للبلاد (المناطق الشمالية خاصة)... وسواء كان اقبال الجزائريين على هذه الانتخابات كثيفا أو متوسطا أو ضعيفا فان ما يبقى مطلوبا هو أن ترقى "تشريعيات" 2012 الجزائرية الى مستوى تحديات المرحلة اقليميا وعربيا.. فدول الجوار الجزائري شرقا وغربا تغيرت بالكامل وهي تتحول تدريجيا الى "ديمقراطيات ناشئة" ولا يعقل أن تكون الجزائر من يتخلف عن اللحاق بالركب "الديمقراطي المغاربي".. وما من شك أن العبرة من أية ممارسة انتخابية ديمقراطية لا تتمثل فقط في الاخذ بمستلزماتها الشكلية (لجنة اشراف مستقلة ومراقبين دوليين..) وانما أيضا في الذهاب بها الى نهاياتها الصحيحة والمنطقية وذلك لا يكون الا من خلال جعلها ممارسة نظيفة وشفافة والقبول بنتائجها الحقيقية بعيدا عن أي تزوير أو محاولة التفاف..