لا شك أن وضع فلسطينيي غزة اليوم شبيه بوضع «العصفور» الأليف الذي فتحوا أمامه القفص كي يحلق عاليا في الفضاء الآمن ولكن للأسف حتى الفضاء لم يعد آمنا لتحليق العصافير وحتى إن جنّ الليل وأراد هذا العصفور أن يعود الى قفصه... للأسف كذلك فحتى القفص لم يعد موجودا... تلك هي وضعية 1,4 مليون فلسطيني محاصرين في شريط ضيق من الأراضي يبلغ طوله 40 كلم وعرضه 10 كيلومترات. حصار غزة هو صورة أخرى للإرهاب الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة واجرام سافر في حق الابرياء والمدنيين والأطفال ومخالف لكل القيم الإنسانية والشرائع الدولية بتواطؤ أمريكي ودولي واضح مع الاحتلال الاسرائيلي، والمبرر... احتياجاته الأمنية وكأن الأمن سيصبح هذه المرّة مقابل الغذاء والوقود والدواء الذي نفد من المستشفيات الفلسطينية منه وأصبح الوضع يهدد بكارثة انسانية حقيقية لفقدان أبسط ضرورات العيش والصحة. وفيما تتواصل معاناة القطاع بفقدان الماء والغذاء والدواء تستبق الولاياتالمتحدة ككل مرة إلى ابطال أي قرار أممي يدين اسرائيل تأكيدا منها على التزامها الدائم والداعم للاحتلال ولجرائمه اليومية وتملصه المستمر من احلال السلام الحقيقي في خطوة لانسحابه من الأراضي المحتلة ليحقق الشعب الفلسطيني حلم دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدسالشرقية. في الواقع ان «السلام الاسرائيلي» ليس سوى تسويفا ومادة اخبارية لتلميع صورة الكيان الاسرائيلي أمام الرأي العام ولعب دور الضحية في تبادل مضحك لدور الجلاد والمجلودين أسطورة بأسطورة لا الأفق العالمي اليوم يسمح بذلك ولا الضمير الانساني يمكن أن تنطلي عليه مثل هذه الحيل الجديدة في ترويج واضح للوهم وتزييف للوقائع وتلوين للقبور بألوان الربيع. إن حل الدولتين من المنظور الامريكي الاسرائيلي ليس في الواقع سوى سرابا بينت الوقائع وتاريخ المؤتمرات من أوسلو إلى مدريد أن اسرائيل لا يمكن لها أن تلتزم بأشياء هي في الواقع خارج أجندتها السياسية والعسكرية لإيمانها الشديد أن السلام الحقيقي هو مواصلة الاحتلال ومواصلة التنكر لكل الاتفاقات والاستحقاقات الدولية بضوء أخضر أمريكي لمزيد تجويع الفلسطينيين وخنقهم في كنتونات وأسلاك شائكة. إن السلام الحقيقي يبدأ من غزة ويبدأ أيضا من الضفة لأن رفع الحصار وإجلاء المستوطنين هو رهين ارادة فلسطينية بالأساس دونما حاجة الى الولاياتالمتحدة أو اسرائيل ولن يتسنى ذلك إلا بتوحيد الصفوف بين الفلسطينيين أنفسهم ونبذ خلافاتهم لمواجهة هذه الهجمة الاسرائيلية المستمرة فرضا للذات وتأكيد حق الشعب المشروع في تحقيق دولته المستقلة ذات السيادة. ولكن يبقى الخوف كل الخوف أن تتواصل مثل هذه الانقسامات بين مكونات الشعب الفلسطيني بحيث لا تساهم إلا في مزيد من الاذلال له وتقزيم الموقف الرسمي لقيادته في مواجهة التحديات التي تنتظره.