في لقاء فكري ترأسه الدكتور كمال قحة ونظمته دار الكتب الوطنية يوم السبت 16 جوان الجاري حاضر الدكتور منصر الهذيلي في موضوع : «السؤال في الإسلام» أمام ثلة من الأساتذة الجامعيين وجمع من الطلبة والباحثين جاؤوا من اجل»السؤال « ولعل بعضهم خال انه سيستمع إلى حصة ضبط للمصطلحات بالنظر إلى صفة المحاضر ومكان المحاضرة وهو قاعة المحاضرات بدار الكتب الوطنية. ولكن د. منصر الهذيلي و رغم أن قضية «السؤال والإسلام» مبحث أكاديمي بالأساس حاول أن يرسم أفقا فكريا أكثر من أن يقعّد محاضرة ليضبط المصطلحات. فكان اللقاء حث على تخليص الإسلام من كل التكلّسات ومن القصور عن الإحساس برحابة الحياة وجمالها وعلى الانخراط فيها ودعوة لإسلام ذكي يرحب بالإبداع وبالسّؤال خاصة أننا نعيش لحظة انشغال خطيرة .. لحظة ثقافية وحضارية ومعرفية. إسلام لا يحرّم السؤال بل يشجع عليه. والمحاضر الداعية عرف نفسه قائلا : « أنا لست مفكرا وإنما أفكر ولست شيخا مكفّرا وإنما أسال عن كفري هل تخلصت منه وعن إيماني هل صدق وخلص، لي في الإسلام نصيب لا أتخلى عنه لا لعمامة ولا للحية ولا لجلباب اشهد أن لا الاه إلا الله بلساني لا بلسان غيري ..لي في السؤال نصيب لا أبيعه وإنما افتديه ولا أرى تعارضا بين الإسلام والسؤال كما لا أرى تعارضا بين الله والحرية وإذا خيرت بين الله والحرية لاخترت الحرية لأنها باب الله.»
رؤية مختلفة وغير عادية للعالم وفي تقديمه لحديثه عن « السؤال والإسلام « وهو حديث خطير وحساس لاحظ المحاضر أن الخطورة فيه لا تكمن في المفهومين وإنما في المنهج الذي يعتمده الباحث وقال : «الإسلام دين والدين يقتضي الإيمان والتسليم ويستقر جوابا أو هكذا نفهم أما السؤال فانه بما هو سؤال يرفض الجواب وان كان بما هو سؤال يطلب الجواب حثيثا ، على السطح والظاهر فان الإسلام والسؤال متضادان متنابذان متصارعان ولكن إذا نظرنا للمسالة بعين وصلية وبعين الرحمة ومنهجها فقد نتجاوز الأزمة ونصل إلى خلاصات تبقي على السؤال ولا تنفيه وتحفظ الإسلام وتستبقيه .» وأضاف بان الأزمة هنا تقع ضمن أزمة أوسع تضع الله مقابل الحرية. وأشار المحاضر كذلك إلى أن جيراننا الغربييّن هربوا إلى الحرية من الإلاه المسيحي «المكنسن» وتحرّروا من الله لا به وهذا قدرهم الثقافي والتاريخي وإن كان الجوهر أنهم تحرّروا من عبودية حضرت بينهم دينا .أما قدرنا الثقافي والتاريخي فمختلف والقول أنه لا سبيل إلى الحرية إلا بالتحرر من الله ففيه قسط من المبالغة بل إن الشائع بيننا هو أن التحرّر بالله لا منه والتمثل التونسي المتواصل والعام للإسلام لا يجعل منه خصما للحرية وإذا كان من الممكن تصور إكراه للسيناريو الثقافي الغربي في بلاد المسلمين فقد يكون ذلك في السعودية حيث تقيم الوهابية كنيسة غريبة عن روح الإسلام تلحق به ضررا فادحا ولا تنفعه في شيء وقال المحاضر :»إن الكارثة حلت بثقافتنا عندما وضعنا حدا قدسناه بين الإسلام والحرية لذا علينا أن ننخرط بالإسلام في الحرية .« وأكد الدكتور منتصر الهذيلي أن التونسيين أتقنوا مناهج عديدة لم يبدعوها وإنما استقدموها ولا عيب في ذلك ولكن سؤالهم عن الممكن الآخر ضعيف ممّا يمنع عنهم الإبداع وقال أن الباحث التونسي يحدّث عن مناهج الجدلية والحوارية والتواصلية وغير ذلك وفي هذا الحديث خير ولكن ماذا لو حدث إضافة وإثراء عن الرحمة والرحمية وصلة الرحم والوصليّة منهجا أو منهاجا وتساءل لماذا نقبل من المفكرين الغربيين مفاهيم يشحذونها وهم يدرسون مدونتهم الدينية والثقافية ولا نقبل ذلك من الباحث التونسي أو العربي إلا قليلا ..الرحمة من الرحم والرحم منها وجميل أن نتمثل الوجود بأسره رحما جامعة وان نفهم رسالة الإسلام انتصارا وتثبيتا للرحمة وان نفهم الله الرحمان الرحيم راعيا لها بالخلق واللطف وان نفهم الرسول بما هو رسول بالحركة الرحيمة وتجل للرحمة دالا إلى سبيلها وقال : « كم يمكن أن نستفيد من مثل هذه الرؤية ونبني منظومة في الفكر والفن والعلم والتنمية..؟
نحرف القرآن إذا حرمناه من السؤال...؟ في باب التشجيع على السؤال أكد المحاضر على أن الله يريد من عبده أن يبحث عنه ويسال عن الأصل والسبب والغاية والحكمة وانه بالكدح يصل العبد إلى مبتغاه وقال : « نحن نحرف القرآن جوهريا إذا حرمناه من السؤال وسبب كبوة المسلمين هو حرمان أنفسهم من السؤال رحم الله شيوخ الصوفية الذين جعلوا الحيرة ارقى درجات الإيمان .» وأشار إلى أن الحل في ما يعيشه المسلمون من كبوات يكمن في بناء فكر إسلامي جديد والعودة إلى السؤال أي إلى الفلسفة وإتباع المنهج التحليلي والتفكير في الوجود بطرقة عقلانية بحتة. في بداية النقاش تساءل رئيس الجلسة الدكتور كمال قحة إن كنا فعلا في مستوى كل ما نطمح له وإن كنا قادرين على الإضافة لما أبدعه السلف وهل نقتصر على عقيدة نخلّصها من المنع والتحجير و قال : « كل عقيدة عند نشأتها ثورة ..ثورة تخلص الإنسان وتدافع عن حرمة الحياة وجمالها وعن ضعف البشر وعن رغبتهم الجموحة في الارتقاء «. وأضاف أننا عندما نخرج من زمن ثقافي وحضاري إلى زمن آخر نصبح فيه لا فقط عاكسي فعل لما يفعله الآخرون وإنما شركاء في هذا الفعل والحياة وعندما نصبح شريكا في الحياة نصبح شريكا في الإبداع . وتمحورت بقية الأسئلة والتعاليق حول تقديم الفقهاء للإجابات اليقينية المطلقة استباقا للسؤال وعن ما إذا كان الله داخل الوجود أو خارجه وعما إذا كان الله في النصوص المقدسة واحدا أم متعدد ا وعن ما تعنيه الحداثة وعلاقة السؤال بالتاريخ والمقدس ...
الإعلام يضخم التوجس في ردوده قال منصر الهذلي في خصوص سيطرة الفقهاء على المجال الديني أن العطش الديني يجعل العطشان يشرب من الماء المتوفر وتساءل عن محمد إقبال ومشروعه القائل بتجديد الفكر الديني وعن الطاهر والفاضل ابن عاشور ورأى أن الحل يكمن في أن تنشأ عندنا حركة تجديد فكر . وفي خصوص استشهاده بالفكر الصوفي قال : « ذكرت الصوفية رغم أنني لا انتصر إلى مدرسة أو لشيخ أو لنظام معين ولكن ما همّني منها هو المنهج الذي يمنع التكلس وإحساسي بأنه يقدم لنا فائدة ولكنني لا أرى اليوم انه هناك من يقدر على الانخراط في منظومة صوفية . وفي إجابته عن سؤال توجهت به «الصباح « بعد ما لاحظته من تعارض بين دعوته للتجديد في الفقه والفكر بما يتلاءم وروح العصر والواقع وما يدعو له الشيخ يوسف القرضاوي الذي يرى ان التجديد يكون بالعودة إلى الأصول والعصور الأولى للإسلام قال : « إن الذي أفكر فيه أوسع من قضية الفقه لأنه جزء من المسالة وإنما أتحدث عن تغيير الذهنية وكيف نتمثل الإسلام ولنفرض هذا النوع من التفكير أرى انه يجب أن ننتصر إلى السؤال أنا أتجاوز إشكالية القرضاوي لأنني أفكر في دائرة أوسع من الفقه والعبرة ليست في ما يفعله الآخرون وإنما في ما نفعله نحن والآخرون إذا كانوا سلبيين وفعلوا ونجحوا في الفعل فالنقص في ردنا على الفعل الموازي ؟ وإجابة عن سؤال ثان « للصباح «عن اتساع دائرة تحركات وسهولة نفاذ الفكر الداعي إلى الرجوع إلى الوراء في تونس بعد الثورة وتحريم السؤال والركون إلى الاطمئنان مقارنة مع الذين يتحركون للتنوير وتشريع السؤال وتحيينه في الفضاءات الأكاديمية والبحوث والدراسات والكتب قال منصر الهذيلي : « اعتبر ان ما تشهده البلاد من سياسة و تسييس هو تشويش على هذه اللحظة الثقافية البديعة التي انبثقت بعد 14 جانفي ..ولنترك السياسة لأهلها ..صحيح أن البلد يتفاعل ولكن نتمنى أن لا يزيد هذا التوجس وان لا يتجاوز حدودا معينة خاصة وانه لا خوف على تونس من أحد وحتى وان كان هناك ما يبرر هذا التوجس فنتمنى أن لا يتضخم وان يكف الإعلام عن هذا التوجس المضخم من كل شيء . أنا أيضا أتوجس لأن البلاد في ثورة ولكنني لا اهتم بالسياسة واقتصر على الاهتمام بالمسالتين الثقافية والفكرية.