يا بني آدم «لا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفترُوا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون» (النحل آية 116) هؤلاء «يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم» (آل عمران آية 167) إنهم «يقولون ما لا يفعلون» (الشعراء آية 226) وكذلك أيضا:« يقولون على الله الكذب وهم يعلمون» (آل عمران آية 75) كأني بهؤلاء لم يدركوا قول خالقهم» «كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا» (الكهف آية 5) ألم يكفهم خطاب ربّ العالمين للمؤمنين حين قال تعالى لهم «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» (الصف آيتان 2 - 3) عجبا كأني بهم لم يقرؤا أو يسمعوا حديث صاحب معجزة القرآن عليه الصلاة والسلام «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان»؟ وحديثه:« كبرت خيانة أن تحدث أخاك، هو لك مصدّق ، وأنت له به كاذب» والأحسن برهان على ذلك حين ينظر الإنسان العاقل . هذا المشهد الساطع، الذي يغيّر سلوك الإنسان من الغيّ الى الرشد، ومن الباطل الى الحق، ومن الشر الى الخير، ومن العنف الى الرفق ومن الغلظة الى اللين، ومن الكذب الى الصدق. حين جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلن اسلامه فنطق بالشهادتين، ثم قال:« إني أقترف من الذنوب يا رسول الله ما لا أستطيع تركه» فقال صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل «هل تعاهدني عل ترك الكذب؟» قال:«نعم» وعاهده على ذلك وانصرف وهو يقول «ما أهوان ما طلب مني هذا الرسول الكريم» فلما أراد أن يسرق قال في نفسه «لئن سرقت وسألني رسول الله فماذا أجيبه؟ إن قلت سرقت وجب عليّ الحد، وإن قلت لا فقد كذبت، وقد عاهدته على ترك الكذب فخير لي أن أترك السرقة» فتركها ثم أراد أن يشرب الخمر، فقال مثل ذلك وتركه وهكذا كلما حدثته نفسه بشيء، وأصبح من خيار المسلمين العاملين على نصرة الدين المتمسكين بفضائله ومحامده» ألم يكن هذا المشهد درسا ممتازا لأطفالنا، وشبابنا وكهولنا ومسنينا؟ لو حقّا فقه بنو آدم مخاطر الكذب وأضراره لفرّوا منه، وقاطعوه ولكن النبغاء يستخدمونه فيما ينفع الناس كما أوضح ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم «لم يكذب من نمى بين اثنين ليصلح» وأضاف «ليس الكذّاب بالذي يصلح بين الناس فينمي خيرا، ويقول خيرا» لأن «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا» . وأن يكون المقصد نابعا من قلب سليم، وإرادة مخصلة، وفكر سديد، وعقل حكيم، ولكن «الخير كثير وقليل فاعله» وصدق خاتم المرسلين في وقوله «خيركم من يرجى خيره. ويؤمن شرّه، وشركم من لا يرجى خيره، ولا يؤمن شرّه» وصدق الله العظيم في قوله «إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» (الرعد آية 11) وفي قوله تعالى:« وأن ليس للانسان إلا ما سعى» (النجم آية 39) وختاما لن يفلح قوم ينكثون العهد. ولا يفون بالوعد. ويفترون على الله الكذب، أولئك هم الخاسرون.