موروث لغوي وموسيقي متفرد للفنان لطفي بوشناق كان وراء خلق مسار فني زاخر، جمع بين المالوف والابتهالات الدينية والموسيقى التونسية الأصيلة فضلا عن أعمال أخرى تغنت بالقضايا العربية والعالمية. الأمر الذي جعل العديد من أحبّاء الفن الرّاقي يقرّون بأنّ برمجة لطفي بوشناق في مهرجان المدينة في دورته الثلاثين هذه الصائفة -على غرار الدورات الأخرى- أصبحت أساسية لإثراء المحتوى الفني للمهرجان. وهو ما أكّده ابن الرشيدية ليلة السبت الماضي بالمسرح البلدي بالعاصمة حيث أهدى الجمهور باقة من أروع ما غنى خلال مسيرته الفنية. غنى للحب وبكى العروبة المغتصبة وسط موجة من الآهات والمواويل ولم يبخل عن اقتراحات الجمهور الذي أصر على سماع بعض الأعمال القديمة مثل"نسّايا" و"العينين الي ماتشوفكشي" و"انت الشمس انت".. بين الحب و السياسة برنامج السهرة راوح بين ايقاع الأغاني الجديدة والقديمة فانتشى الجمهور وردد مع لطفي بوشناق جل الأغاني. ولئن استهل العرض بسماعيات ووصلات في المالوف شارك في عزفها أبرز العازفين التونسيين، فإن بوشناق سرعان ما عمد إلى إضفاء نفس مغاير لبقية العروض من خلال توظيف أعماله الجديدة على غرار "خدعني الزمان خدعني ..ضربني الزمان وجعني"..كلمات تسللت إلى القلوب ودغدغت نغماتها النفوس فتأثر بها الحضور وهاجت المشاعر لترتحل القلوب بين ثنايا هذا الزمن الصعب وأوجاعه، حتى أن الأغنية رغم ايقاعها الجميل فإن الحضور لم يحرك له ساكن وظل يستمتع بأحلى الكلام إلى أن انتهت الأغنية وشحن الفضاء بالهتافات والتصفيق المتواصل. كما وجه بوشناق رسالة إلى أهل السياسة وهو يغني "الكراسي" التي تقول "..السياسة يا بني ..في عالم الأنوار حرية وأمل..والسياسة تعرف تكون وطن..وتعلم الناس العمل وتفتح أبواب التحاور بين أوجاع المواطن والرئاسة.." فكان للكلام وقع كبير على الحضور سيما أنها تحيل إلى فترة ما قبل الثورة وما عاشه الشعب التونسي من جور وطغيان كما اللحظة الراهنة التي نعيشها من ضبابية وعدم استقرار.. وقد صال بوشناق وجال خلال سهرة السبت الماضي بين عالم القصيدة والصور الاستعارية بلغة الضاد والكلمة التونسية البسيطة العميقة في دلالاتها وايحاءاتها مثل كلمات أغنية "لمتاش نحبك ونخبي" و"أنا تونسي" ..كلمات ليست بالغريبة عن بوشناق الذي لطالما سعى الى انتهاج رؤى جديدة في الأغنية التونسية رفقة آدم فتحي وحرص على توظيف مفردات وجمل موسيقية تحمل الكثير من المعاني الهادفة.. تجدر الإشارة الى أن العرض نظرا لقيمته الفنية النبيلة كان على بوشناق أن يتذكر الشعب السوري الذي يعاني الويلات ولا يزال من خلال أغنية "يا سوريا" التي غناها في العديد من المسارح وأبدع في آدائها.تقول "يا سوريا يا حق الفدا ..والنصر موعده غدا..الشعب لا يخشى الرصاص وليس يثنيه الردى."