تونس الصباح: غريب امر الساحة الفنية في بلادنا فهي بقدر ما تبدو نشيطة و«صاخبة» بفعل تعدد الاصوات والمجموعات و«التوجهات» وايضا بفعل صدى «المعارك» الاعلامية والاحتجاجات التي تبلغ ذروتها مع قرب انتظام كل دورة جديدة من دورات هذه التظاهرة الموسيقية الوطنية او تلك او هذا المهرجان الصيفي او ذاك.. بقدر ما هي في الواقع راكدة في الغالب وبلا جديد لافت على مستوى الانتاج الغنائي والموسيقي.. اذ يمر الموسم تلو الموسم ولا انتاج موسيقي أو غنائي يظهر ليصنع «الحدث» الفني وطنيا على الاقل أو ليؤشر لمشروع «تحول» أو تجديد» في مسار الخطاب الغنائي والموسيقي على الساحة يقوده اما فنان شاب أو مجموعة موسيقية شابة تمتلك «مشروعا» فنيا مختلفا.. طاحونة الشيء المعتاد! وحتى لا نهضم حق بعض الاجتهادات الفردية التي يحاول اصحابها بالفعل ومن حين لاخر تطعيم الساحة الفنية بشكل جديد من اشكال الخطاب الغنائي فيه من الاجتهاد والبحث بقدر ما فيه من الحرفية و«الصنعة» (تجربة الفنانتين ليلى حجيج ودرصاف الحمداني) فان الاعم الاغلب من الانتاجات الغنائية بقيت تدور في مدار طاحونة الشيء المعتاد! فجديد المطرب زياد غرسة مثلا هو على اهميته وقيمته الفنية مجرد اضافة كمية في رصيد هذا الفنان النجم الذي عرف كيف يستثمر ثقافته الموسيقية الواسعة والاصيلة لنحت توجه غنائي فني خاص به فيه من الاصالة ومن مراعاة طبيعة الذائقة الفنية للجمهور التونسي القدر الكبير.. كذلك الشأن بالنسبة للفنان لطفي بوشناق الذي يبدو بدوره وكأنه اطمأن بالكامل بما حققه من نجومية ولم يعد يكلف نفسه المزيد من الاجتهاد من اجل اثراء رصيده الغنائي التونسي وتنويعه.. تحدثنا عن زياد غرسة ولطفي بوشناق لكي لا نخوض في امر اولئك الذين «تمشرقوا» فنيا وبالكامل من «فنانينا» و«فناناتنا» أو هم يحاولون ذلك بكل حماس!.. فهؤلاء هم في رأينا ليسوا من نجوم الاغنية التونسية.. فنجوم الاغنية التونسية هم اولئك التي تنتجهم محافل ومهرجانات وتظاهرات الاغنية التونسية وليس شركات الانتاج العربية المشرقية والخليجية!!! ومهرجان الموسيقى التونسية؟! بدوره، يبدو مهرجان الموسيقى التونسية وكأنه لم يعد «قادرا» على انتاج نجومه.. فحتى الاغاني المتوجة خلال السنوات القليلة الماضية في اطار هذه التظاهرة الموسيقية الوطنية الهامة تبدو وكأنها لفها وأصحابها النسيان.. في حين كانت الاغنية المتوجة في اطار مهرجان الاغنية التونسية قبل ان يتحول الى «مهرجان الموسيقى التونسية» تتحول مباشرة بعد اختتام المهرجان الى قطعة يرددها الجميع.. ولنا هنا ان نذكر على سبيل المثال اغنية الفنان الشاذلي الحاجي غدار حاجب عينك» التي توجت منذ اكثر من عقدين في اطار مهرجان الاغنية التونسية وصنعت نجومية صاحبها.. هذه الاغنية الجميلة والشهيرة التي كتب كلماتها الشاعر الغنائي الجليدي العويني ولحنها الموسيقار عبد الكريم صحابو تبدو الى اليوم حية في ذاكرة الجمهور التونسي اكثر ربما حتى من اغنية المطرب الشاب فؤاد بالشيخ المتوجة خلال الدورة الماضية من مهرجان الموسيقى التونسية!!! من أجل جيل جديد طبعا، هذا الكلام لا يعني التقليل من جهود القائمين على الشأن الموسيقي مبدعين وفنانين ومؤسسات وانما هو فقط مجرد اشارة الى ضرورة ان يعمل الجميع ويساعدوا من اجل اتاحة الفرصة لجيل جديد من الموسيقيين والفنانين يكون قادرا على تقديم الاضافة بابداعاته وانتاجاته الفنية وذلك من اجل ظهور نجوم جدد للاغنية التونسية يكونون من ابناء المرحلة ومستوعبين بدقة لطبيعة الذائقة الفنية للجمهور التونسي.. نجوم يكون همهم الاول الاجتهاد والاضافة للمخزون الموسيقي والغنائي التونسي وليس مجرد «الانتشار عربيا» وتحقيق «نجاحات» و«نجومية» وقتية وغير مؤصلة.. حتى لا نقول زائفة!