إن تقويض عرش الدكتاتورية بطرق سلمية او بالثورة والعنف ما هو إلا خطوة أولى على طريق التحرر والانعتاق يجب أن تتبعها خطوات قصد التخلص من منظومتها المتغلغلة في مفاصل المجتمع وفي الأذهان والمتمثلة أساسا في آليات تفكير وتصرف وفي ترسانة من القيم المغلوطة والقائمة على الأنانية والنفاق والرياء والخوف والتلون حسب الأوضاع والمستجدات وتغليب المصلحة الخاصة على العامة في كل المواقف والأحوال والتوجس من الآخرين والرقابة الذاتية للأفعال والأقوال. و للأسف هناك اليوم مؤشرات عديدة محيّرة على أن منظومة بن علي هي على درجة كبيرة من التغلغل في العقول والأذهان إلى درجة تثير مخاوف جدية حول مسار الثورة وامكانية تحقق استحقاقاتها في الحرية والكرامة، وهما دون شك الهدفان الأساسيان لها إلى جانب التشغيل وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للجهات المحرومة. فأن يصبح برنامج هزلي ك»القلابس» رمزا للازعاج في فترة ما بعد ثورية، مرحلة تنفس للحرية بملء الرئتين وفي مرحلة بناء لمؤسسات الديمقراطية وتقاليدها فذلك امر رهيب وفضيحة بكل المعايير. وأن يشدد وزير وزير الصحة في تصريح له «على ضرورة الالتزام باحترام الرموز الوطنية باعتبار أن كل منصب رسمي يمثل التونسيين... وان بعض المنوعات ذات التوجه النقدي الساخر تجاوزت حدود الاحترام» فذلك مدعاة حقا للحيرة والانشغال على مستقبل الحريات في بلادنا. فها هي «الرموز الوطنية» تطل بوجهها «المغلوط»علينا.. وها إن كل «منصب رسمي» يصبح خطا أحمر. إن هذا الأمر يذكر بطريقة لا لبس فيها ببعض فصول مجلة الصحافة القديمة، السارية المفعول إلى الآن بما انه لم يتم الغاؤها نظرا لعدم تفعيل المرسومين عدد 115 و116 التي تتبنى هذا المفهوم وتسمح باعتبار حتى رؤساء الشعب التجمعية المهنية والحجاب في الادارات موظفين عموميين محميين بحكم القانون من أي نقد او انتقاد. فلئن كانت بلادنا مهددة بالفوضى واهتراء صورة السلطة فليس ذلك بجريرة «القلابس» أو المساس ب»الرموز الوطنية» من قبل المنوعات ذات الوجه النقدي الساخر بل بجريرة ما أصبح يمثله الإرهاب الحقيقي لبعض الحركات السلفية ولا فائدة من تعداد الأحداث الخطيرة التي تقف وراءها للمواطنين وللمفكرين والمبدعين ولقطاع السياحة خصوصا وللاقتصاد الوطني عموما وبالتراخي الذي تتعامل به السلطة مع «تمظهراتها» العنيفة وايضا بجريرة «صحافة المجاري» التي خلق بعضا منها النظام البائد وموّلها بأموال المجموعة الوطنية بينما رأى الجزء الباقي النور بعد الثورة بالاموال المشبوهة لبقايا المافيات «البنعلية /الطرابلسية».