تشهد العلاقات الإيرانية التركية توتراً على خلفية الأزمة السورية مما يوحي انها بداية اندلاع صراعات اقليمية ودولية مفتوحة على كل الإحتمالات بعد ان كشفت كل القوى عن كل الأوراق التي تمتلكها والتي بدأت باستخدامها دون مراعاة للمبادىء الدبلوماسية الهادئة التي درجت عليها القوى الفاعلة على الساحة الدولية . فالأزمة السورية بالنسبة لكل من طهران وأنقرة ليست مجرد ملف هامشي بل اساسيا وهاما وأستراتيجيا في أن، ولهذا تخلت كل منهما عن لهجتها الهادئة وبدأت تستعير تعابير التهديد والوعيد في محاولة لكي تثني كل منهما الأخرى عما اندفعت باتجاه سورياً.
فتركيا كانت منذ اندلاع الأزمة السورية من اكثر المتحمّسين للتغيير ظناً منها ان المسألة لن تطول اكثر من ثلاثة اشهر ويكون نظام بشار الأسد قد هوى وحل مكانه نظام جديد يتوافق ايديولوجياً مع هوية الأنظمة التي قامت في مصر وتونس . ولكن اكثر من سنة ونصف مضت والنظام السوري لا زال يتمتع بمناعة تسمح له بالإستمرار في المواجهة حتى سنوات عديدة مقبلة .
والأمور لم تتوقف عند هذا الحد بل ذهبت بدمشق الى الإنتقال الى موقع الهجوم مع تركيا من خلال اعطاء حرية الحركة لحزب العمال الكردستاني على طول الحدود التركية السورية وتسليحه ومده باحتياجاته الى حد ان تركيا التي كانت تفتش عن طرق لإقامة منطقة عازلة عند حدودها للمعارضة السورية باتت منشغلة الأن في كيفية مواجهة العمليات العسكرية لحزب العمال الكردستاني وحلفائه داخل الأراضي التركية . وبذلك بات المستقبل السياسي لوزير الخارجية احمد داوود اوغلو على المحك لأنه هو المهندس الإستراتيجي لحزب العدالة والتنمية ، وهو الذي اوقع رجب طيب اردوغان بما هو فيه من تخبط سياسي وتخبط اقتصادي لأن موقف انقرة من الأزمة السورية حرمها من سوق تجاري واسع في سوريا ، ومن ممر برّيّ مهمّ للبضائع التركية باتجاه لبنان والأردن ودول الخليج . ولم يعد باستطاعة تركيا التراجع عن مواقفها ، فهي التي تستيضف معظم اطياف المعارضة السورية على اراضيها ، وهي من ضمن الدول التي تكفلت بتمرير السلاح والرجال الى الداخل السوري ، وهي التي اعتبرت ان انتصارها في سوريا سيؤدي الى فتوحات لمصلحتها في كافة ارجاء العالم العربي والإسلامي بحيث تصبح القوة القادرة على مخاطبة العالم من خلال قيادتها لأهل السنة ، ومن خلال اطلالتها الأوروبية في جزء من اراضيها لتصبح حلقة وصل الزامية بين العالمين الإسلامي والغربي . اما عن ايران فإنها لا تزال تدافع عن حلف لطالما حلمت بتأسيسه يمتد من طهران مروراً بالعراق وسوريا وصولاً الى حزب الله في لبنان عسى ان يضم مستقبلاً قوى أخرى من العالم العربي ومن اسيا الوسطى .وإيران كما الولاياتالمتحدة الأميركية ، تخوض حروبها خارج اراضيها لمنع أي ضرر مباشر عنها ، ولهذا تعتبر انّ حماية ما تسمّيه «محور المقاومة « هو حماية في نفس الوقت لأمنها القومي . ولذلك لن تتخلّى عن النظام السوري ، ولن تتوقف عن دعمه ومدهّ بكل اشكال الصّمود . وتحقيقاً لذلك كان عليها ان تحرّك الورقة العراقية في مواجهة تركيا حيث تشهد العلاقات الأن بين بغداد وأنقرة توتراً كبيراً ترك انعكاسات سلبية على المبادلات التجارية بين البلدين ، كما حد من قدرة تركيا على استخدام العراق كممر برّيّ لبضائعها باتجاه الخليج والأردن كبديل عن الممرّ السوري . ولما وجدت طهران ان الرسالة العراقية لتركيا وصلت ضعيفة وغير ذات تأثير كبير عمدت الى استخدام ورقة علاقاتها المباشرة مع انقرة حيث دعا بعض كبار المسؤولين الإيرانيين انقرة الى التوقف عن التدخل في الملف السوري تحت طائلة وقف العلاقات الاقتصادية بين البلدين ، وتحت طائلة استخدام وسائل اخرى لمنع تركيا من التأثير على أي مشروع تغييري في سوريا. لقد حمّل أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني سعيد جليلي التحذيرات الإيرانية الى تركيا في زيارته الأخيرة لها قاصدا من وراء ذلك ليس ضم تركيا الى الاجتماع التشاوري الذي استضافته طهران يوم الخميس 9/8/2012 والذي حضرته نحو 30 دولة وإنما بهدف دفع تركيا لتحييد نفسها عما يجري في سوريا والاكتفاء بموقف المراقب . وعليه لم يعد الوضع الحالي في الشرق الأوسط اسير الأزمة السورية وإسقاط نظام بشار الأسد بل اصبح اسير الصراع الدولي والإقليمي بين مشروعين أحدهما تقوده اميركا والأخر تقوده روسيا وما بينهما من مصالح لدول اقليمية اقلها حتى الأن تركيا وإيران. ٭ رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي