«حارزات النهضة»، «طرطور»، «الزقزوقي» وغيرها من المصطلحات الأخرى التي يتداولها المواطن باتت سمة المشهد السياسي في تونس. فالمشاركة السياسية لدى التونسي على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات لا تخلو من عبارات النقد اللاذع الذي قد يتخذ أحيانا أشكالا عنيفة ويصل إلى حدّ التجريح أو التهديد. وقد يرى البعض في هذه العبارات انعكاسا لحرية التعبير وحقا لكل مواطن في المشاركة السياسية على طريقته، في حين يرى فيها البعض الآخر غيابا للمسؤولية. الطريف في ما يتعلق بهذه المصطلحات هو إخراجها من معناها التقليدي وإضفاء دلالة سياسية جديدة عليها، بعض العبارات تماهى فيها النعت مع المنعوت، فمثلا عندما وصف رئيس الجمهورية المؤقت ب»الطرطور» على خلفية تسليم البغدادي المحمودي إلى السلطات الليبية، اتسعت دلالة هذا النعت وأصبح مرتبطا في ذهن المواطن بالرئيس حتى ولو استخدم في سياقات أخرى. تواصل ل«الانفجار» بالنسبة إلى المختص في علم النفس الاجتماعي سليم قلال -الذي قدم لنا قراءة للظاهرة- فإن الأمر يندرج في إطار موجة «الانفجار» التي أعقبت الثورة. فسقوط النظام أدى إلى تكسير أصنام السلطة والقيود السياسية والأمنية والاجتماعية التي كانت موجودة. وهذه مرحلة أساسية ومهمة برأي سليم قلال حتى يحطم المواطن كل ما هو مقدس لذا سجلنا بعد الثورة عديد الظواهر مثل عدم احترام القانون والتمرد على كل ما كان يفرض على المواطن الخضوع في السابق. ومثلما سجلنا ذلك في السلوك نسجله اليوم في اللغة. فإذا كانت هذه الظواهر قد مست بسلوكيات عدة فإنها انعكست أيضا على اللغة التي يعدها الخبير الأمريكي ريتشارد نوردكيسي «المعنى الأوسع»، فاللغة تعكس ممارسات اجتماعية جديدة. ويرى قلال أنّ هذه المصطلحات الجديدة هي أيضا انعكاس للصراع السياسي، فالشتم والعمل على تقزيم الآخر باتا ظاهرة لدى السياسيين أيضا، وهذا ما يجعل المسؤولية كبيرة على عاتق القادة السياسيين الذين من المفترض أن يكونوا قدوة ومن المفترض أن يرتقوا بمستوى الحوار فيما بينهم.. شكل من أشكال التجديد وفي هذه المصطلحات رسائل عدة، فالمواطن يريد أن يقول أنا أقوى من السلطة وأنا أتجرأ على السلطة، لكنه ايضا نوع من أنواع «التجديد» و»الإبداع» والتنفيس وإعادة إنتاج العلاقة بين المواطن والسلطة. إلا أنّ المشكل الجوهري برأي قلال هو أن تتحول هذه المسألة إلى القاعدة المعمول بها بدل أن تكون مجرد ظاهرة مرحلية. فغياب الميثاق الاجتماعي الضامن لوضعية مرجعية مشتركة يسودها الوفاق يمكن أن يؤدي إلى استمرار الاختلاف وإقصاء الآخر وتقزيمه والشتم والعلاقات المشحونة التي قد تتحول إلى القاعدة بدل أن تكون مجرد انعكاس للأوضاع الحالية.