خلال زيارة أداها الى بلادنا بعد فترة قصيرة من انتخابات 23 أكتوبر 2011 دعا الرئيس الايطالي من أعلى منبر المجلس التأسيسي جميع مكونات الطيف السياسي في تونس والمنظمات المهنية إلى تبني "الحل الايطالي" في إدارة المرحلة الانتقالية لما بعد الدكتاتورية وذلك بالنسج على منوال الأحزاب والمنظمات المهنية الايطالية إثر سقوط النظام "الفاشي" لما تحلت بالحكمة وبعد النظر وطرحت جانبا اختلافاتها وخلافاتها الايديولوجية والعقائدية ومصالحها الفئوية لترسم خريطة طريق مكنتها من تجاوز المرحلة الانتقالية بأخف الأضرار وإبعاد شبح الفوضى والتمزق عن البلاد.. إلا أن دعوته هذه ذهبت للأسف أدراج الرياح وضاع صداها وسط جلبة الصراعات السياسوية وهرج ومرج فترة ما بعد الانتخابات حيث شمرت الأحزاب "الفائزة" عن سواعدها لافتكاك اكبر ما يمكن من كعكة الحكم المغرية في مشهد مزر من التنازع والجشع و"الصراعات العائلية" التي أشرفت ببعضها ك"لتكتل" و"المؤتمر من أجل الجمهورية" على الهلاك بينما هرعت الأحزاب "الخاسرة" إلى معاولها لهدم كل ما يمكن أن يحاول "الأوَلُ" بناءه والنتيجة هي ما نعيشه اليوم من أزمة خانقة تهدد المكاسب القليلة لما بعد الثورة وايضا مكاسب دولة الاستقلال وأمننا الاقتصادي والاجتماعي والتي تنذر بأنها آخذة في التطور والتعمق. وإن المؤتمر الوطني للحوار الذي ينطلق اليوم لتفعيل مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل يمثل قطعا الفرصة الأخيرة لتجاوز هذا الوضع "غير الصحي" إلا أن نجاحه مرتبط قطعا بمشاركة أكبر عدد ممكن من مكونات الطيف السياسي في البلاد وبتغليب عقلية الحوار والمصلحة الوطنية العليا وبتجاوز أزمة الثقة العميقة بين مختلف الفرقاء بل بين مكونات "الترويكا" الحاكمة نفسها والتي لم يزدها شريط فيديو راشد الغنوشي مؤخرا إلا عمقا. كما أن المشاركين في المؤتمر مدعوون ايضا لأن يقيموا الدليل على انهم ليسوا مناضلين حقوقيين وسياسيين فحسب بل يرتقون الى طينة "رجال الدولة" القادرين على تجاوز مصالحهم الآنية والأنانية والحزبية الضيقة وعلى قراءة الواقع وتحدياته قراءة سليمة واستنباط الحلول لها في رؤية تغلّب المصالح العليا للوطن على كل ما عداها مما من شأنه ان يعيد للسياسة بُعْدَها القيمي والأخلاقي المفقود خلال فترة الدكتاتورية والذي سجل غيابه أيضا وللأسف منذ انتخابات 23 أكتوبر الماضي.