في غياب لافت لأغلب نواب المعارضة ولجل النواب المستقلّين، وللمدعويين من ممثلي المجتمع المدني الذين خيروا مقاطعة الجلسة الممتازة المنتظمة صباح أمس بقصر باردو ببادرة من المجلس الوطني التأسيسي احتفاء بالذكرى الأولى لانتخابات 23 أكتوبر، ألقى الرؤساء الثلاثة خطابات احتوت عبارات مطمئنة للشعب. أكدوا فيها خاصة على أهمية التوافق في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة التي تمر بها تونس، وقالوا إن هذا التوافق مهم للغاية من أجل كتابة دستور للبلاد وإنشاء هيئة مستقلة للانتخابات وهيئة المستقلة للقضاء وهيئة مستقلة للإعلام وسن قانون انتخابي تجرى بمقتضاه الانتخابات القادمة، إضافة إلى انعكاساته الايجابية على الوضعين الأمني والاقتصادي للبلاد. ولدى حديثه عن أهمية الوفاق، بين الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي أن المرحلة الحالية التي تتسم بصعوباتهما جمة وبمواجهات مع جيوب الردة وأصحاب المصالح من القوى القديمة، تبقى في حاجة لتوافق وطني واسع.. وقال:"أمامنا مسؤولية تاريخية.. ولا بد من الوفاق والتعايش معا رغم الاختلاف في السياسات وتقدير الأولويات وتعدد الرؤى الفكرية".. وطمأن بن جعفر الشعب بأن كل القوى السياسية والنقابية ستتغلب على النوازع:" إنني أأكد على هذا التفاؤل، فاشتدي أزمة تنفرجي، وهذا ليس انطباعا خاصا بل نتيجة التوافقات التي تم التوصل إليها، أي من خلال توافقات الترويكا، وتوافقات الطيف الواسع في مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل".. واعتبر رئيس المجلس الوطني التأسيسي أن تصاعد مظاهر العنف والأحداث الأخيرة التي شهدتها تونس، هي الخط الأحمر الذي يجب الوقوف عنده، وذكر أن المرحلة تستدعي عدم الانسياق وراء العنف السياسي والعمل على إزاحة الاحتقان والتجاذب. اللعبة الديمقراطية
وفي نفس الصدد قال الدكتور المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية المؤقت متوجها بكلامه لأعضاء المجلس:"إن مصلحة الوطن تطلب منكم تكثيف المشاورات الجانبية بين كل القوى السياسية الممثلة في هذا المجلس وأن تصلوا إلى أوسع وفاق ممكن وأن تسرّعوا بإنشاء وتفعيل المؤسسات المستقلة الثلاث أي الانتخابات والقضاء والإعلام وأن تبلوروا بالتراضي القانون الانتخابي المنظم لانتخابات رئاسية وتشريعية قبل دخول الصيف وخاصة أن تقدموا أجمل هدية للشعب التونسي بمناسبة الذكرى الثانية لثورته: دستورا لدولة مدنية ومجتمع تعددي ونظام سياسي يقي تونس عودة الاستبداد سواء كان استبداد شخص أو استبداد حزب، دستورا للأجيال لا للانتخابات المقبلة". وفسر الرئيس المؤقت أن التوافق الذي حصل داخل "الترويكا" وفي جزء كبير بين مختلف الأحزاب على تباعدها، دليل على حيوية الطبقة السياسية ونضجها. وذكر أن الشعب تنفس الصعداء عندما رأى قدرة أحزاب "الترويكا" على الوصول إلى صيغة وفاقية حول النظام السياسي والمؤسسات الثلاثة المستقلة (القضاء والإعلام والانتخابات) ويبقى الآن استكمال بقية الشوط بأسرع ما يمكن بالتأليف بين مبادرة الترويكا ومبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل وبقية قوى المجتمع المدني. وقال الدكتور المرزوقي إن مصلحة الوطن تقتضي في هذا الظرف الدقيق إعلان "وقف إطلاق النار" الإعلامية بين الأطراف السياسية فالتخوين والشيطنة - لأي طرف كان - والتحريض والقدح في الأشخاص أكبر عوامل الاحتقان في تونس اليوم. وبالرغم من أن السجال السياسي إذا بقي في حدود معقولة هو جزء من اللعبة الديمقراطية، إلا أن تجاوز تلك الحدود قد يجعله مدخلا للعنف الجسدي. ولاحظ أن حادثة تطاوين وغيرها من الأحداث التي أريق فيها الدم التونسي بأيادي تونسية، يجب أن تعلم الجميع عند أية حدود يتوقفوا، وهي درس لا يجب السقوط فيه مجددا مهما كانت الدواعي والتبريرات. وعبر عن رفض تقسيم التونسيين لأخيار وأشرار، لمفسدين ومصلحين، لثوريين ورجعيين، لعلمانيين وإسلاميين، لحداثيين وسلفيين أي في آخر المطاف لتونسيين من درجة أولى وأخرين من درجة ثانية وأكد على أن الوحدة الوطنية هي المكسب الرئيسي الذي يجب المحافظة عليه. المسار السياسي وفي نفس الإطار قال حمادي الجبالي رئيس الحكومة المؤقتة:"إننا انتهجنا أسلوبا في الحكم يقوم على التشارك داخل الحكومة وعلى التوافق مع من بقي خارجها من المجتمعين السياسي والمدني". وبين أن التركيز على القضايا الاقتصاديّة والاجتماعيّة والتوازنات العامّة للدولة، وإن كان متأكّدا في هذه المرحلة، إلا أنّه يجب تعزيزه بالتسريع بإنجاز المسار السياسي بدءا بكتابة الدستور الجديد وتركيز أهم الهيئات الضّامنة لإنجاز انتخابات نزيهة وشفّافة مثل الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات والهيئة المؤقّتة للقضاء وهيئة الإعلام بتفعيل المنشور ويقصد المرسوم 116 والاتّفاق على قانون انتخابي عادل. وعبر عن التزام الحكومة بالتّعاون مع المجلس التأسيسي والهيئات سابقة الذكر بإنجاز انتخابات حرّة نزيهة وشفّافة تتوّج المسار الحالي وتدخل بتونس في مرحلة البناء الديمقراطي. وجدد الجبالي الدعوة إلى ضرورة التسريع في مواعيد الاستحقاقات السياسيّة القادمة المتمثّلة أساسا في المصادقة على الدستور في مطلع السنة القادمة وفي إجراء انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة تراعي المعايير الدوليّة المتعارف عليها في مطلع الصيف على أن لا يتعدّى ذلك الثلاثين من جوان القادم، وهو على حد تعبيره أمر مقدور عليه اعتبارا لما يسود من وفاق وطني حول القضايا الجوهريّة ومن أهمّها النظام السياسي واعتبارا لما تحقّق من تراكم في التجربة السّابقة في تنظيم الانتخابات. ولاحظ الجبالي أنّ تأخير موعد الانتخابات القادمة بأيّ سبب من الأسباب لأبعد من التاريخ المقترح، سيعرّض على حد قوله البلاد إلى مخاطر ومنزلقات لا يمكن تحمّلها، وقال :"إنّني من منطلق الواجب والمسؤوليّة أنبّه منها وأدعو الجميع وعلى رأسهم المجلس التأسيسي وكذلك الأحزاب السياسيّة والأطراف الاجتماعيّة والإعلاميّة وكلّ مكوّنات المجتمع المدني لتحمّل مسؤوليتنا التاريخيّة من تباطؤ ودفع الأوضاع إلى التأزّم والتّناحر إلى حدّ العنف بتغليب الأجندات الحزبيّة والشخصيّة والفئويّة الضيّقة وتهييج النّعرات". وضع اقتصادي مطمئن خص الرؤساء الثلاث المؤقتون الوضع الاقتصادي لتونس بحيز هام من مداخلاتهم، وبين الدكتور بن جعفر أن الأوضاع في تحسّن مطّرد وتسير في الاتجاه الصحيح مع بداية انفراج الأزمة الاقتصادية لكن حجم التحديات الاجتماعية التي تواجهها تونس يحتاج الى انطلاقة اقتصادية حقيقية وهذا لن يحصل إلا بتعميم الأمن والإستقرار وخلق المناخ الملائم للاستثمار الوطني الخاص عبر رفع العراقيل التي تكبل جزء كبيرا من الكفاءات والطاقات وازاحة الريبة والشكوك. فمستقبل البلاد على حد تعبيره "في عقول بناتها وأبنائها وفي سواعدهم وصبرهم وتصميمهم على العمل الجاد.. فتونس تدعونا جميعا إلى العمل ثم العمل ثم العمل" أما الدكتور المرزوقي فأوضح أنه في هذا الظرف الدقيق الذي بدأ فيه الاقتصاد يخرج من منطقة الخطر ويدخل في النقاهة وذلك عبر عودة الاستثمار الخارجي والسياحة ونتيجة الغيث النافع، من واجب القوى الاجتماعية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل، إعطاء الوقت، للوقت، لتعود الآلة الاقتصادية للدوران وعندها ستكبر الكعكة ونجد ما نقتسم أما أن نطالب باقتسام كعكة هزيلة مانعين تطورها فهذه سياسة قد تعود علينا جميعا بالوبال. ومن جهته ذكر حمادي الجبالي:"إذ نسجّل بارتياح حذر وبشهادة المؤسّسات ذات الاختصاص في الداخل والخارج بداية انتعاش اقتصادنا الوطني في عدّة قطاعات واقترابنا من بلوغ نسبة نمو ب %3,5 ، فإنّ هذا الرقم الإيجابي لا ينبغي أن يحجب عنّا بعض مظاهر الضعف في قطاعات أخرى، ما تحقّق يجعلنا متفائلين بقدرة اقتصادنا على التعافي وتخطّي الصّعاب رغم وجود أوضاع اقليميّة ودوليّة غير مواتية واستمرار الركود خاصة في أوروبا شريكنا الاقتصادي الأكبر". وسجل رئيس الحكومة المؤقتة ارتياح الحكومة للعلاقة التشاوريّة الايجابيّة مع كل من الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة والاتحاد الوطني للفلاّحين رغم دقّة المرحلة وارتفاع سقف المطالب الاجتماعيّة وعبر عن أمله في أن يعزّز ذلك التّعاقد الاجتماعي كمكوّن من المكوّنات الرئيسيّة للتعاقد السياسي العام. وفي خاتمة اللقاء عبر الدكتور بن جعفر عن أسفه لمقاطعة عدد من النواب هذا الاحتفال.