تبادل الدروع بين وزير حقوق الإنسان وقناة الجزيرة الوثائقية استقبلت وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية أمس وفي حدود العاشرة صباحا تظاهرة فنية جمعت المسرح بالسينما الوثائقية وذلك - وحسب ما جاء في بيان لها - من منطلق حرصها على أن يكون لها دور فعّال وناجع في مسار الكشف عن الحقيقة وإرساء مقومات العدالة الاجتماعية وخاصة فيما يتعلق برد الاعتبار لضحايا انتهاكات الماضي، حيث تم بمقر هذه الوزارة تشخيص عذابات السجناء السياسين من خلال عرض فرجوي أمنه عدد من المسرحيين كما حضر الفنان الأمين النهدي بالمناسبة إلى جانب وجوه فنية عديدة. وعرف الافتتاح حوار مطولا بين النخبة الفنية ووزير الثقافة مهدي مبروك الذي كان من بين الحاضرين ومن المنوهين بهذا العرض في وزارة حقوق الإنسان بكل ما يحمله من دلالة كما شدد على ضرورة التوثيق لمثل هذه الأحداث فنيا ودعمه الكامل لهذه الأنشطة الفنية والثقافية. الحدث كان عرض شريط "المختفون" لإيمان بن حسين وإنتاج قناة الجزيرة الوثائقية وهو عمل تسجيلي يرصد الانتهاكات والممارسات القمعية، التي تعرض لها المناضلون السياسيون في العهد البائد وسنوات الحكم البورقيبي الأخيرة في بلادنا من خلال شهادات لأربعة مواطنين رفضوا ظلم الحاكم واضطروا للاختباء من بطشه كل على طريقته وانعكاسات هذا العذاب على حالتهم الصحية والعائلية والاجتماعية. الفيلم تناول تفاصيل من الحياة اليومية لهؤلاء المواطنين والمشاعر التي انتابتهم في فترة مطاردتهم فتحدثوا عن خوفهم الممزوج بالرغبة في الحياة ولكن المقابل كان ترك الوطن لبطش بن علي فخيروا مواصلة محاربة الفساد ممّا أثر على عائلاتهم وهدد أمنها.. حكايات بسيطة في أحداثها عميقة في الامها فعائلة النجار حملت هذا الظلم لسنوات تناقلته لأجيال ثلاث... فالأم "فاطمة"سكنها الرعب من فرضية موت ابنيها والزوجة "ذكرى" تعيش خوف الحياة مع هذا الحمل الثقيل وهي ترى زوجها مختف في جحر تحت منزلهما ولا يمكنها العيش معه بأمان فيما تكبر الطفلة الصغيرة "كفاح" في مدينة ساحلية تسأل عن والدها وهي ترفض البوح.. وتكبر معها المأساة.. إلى يوم اعتقال فاروق وجمال النجار.. حدث وصفته الزوجة بالأفضل لأنه راحة للمناضل وعائلته بعد فترة من الفرار والمجهول وانتظار للموت.. أمّا عائلة البجاوي فالحياة كانت قاسية على مختلف أفراد عائلتها وأدت سنوات نضال الهادي وعبد القادر إلى عديد الأمراض والرصاصات في جسديهما كما مرت أخواتهن بفترة صعبة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي واضطر عبد القادر لبناء غرفة وجعل بابها مخفيا وراء خزانة حتى ينجو من المداهمات الليلية والبحث المتواصل عنه لسنوات من قبل بوليس بن علي فيما تنكر نبيل اللباسي بثياب نسائية حتى يغادر بيته المحاصر في الزهراء.. هذا المناضل الذي قبض عليه لأول مرة وهو طفل في الخامسة عشر من العمر وعاش لسنوات باسم مستعار هربا من الشرطة حتى مل الفرار وسلم نفسه في سنة 2008.
«مختفون» لا يحمل طابعا حزبيا
إيمان بن حسين أكدت ل"الصباح" أن هذا العمل أثر عليها كثيرا من الجانب الإنساني خاصة وأن كفاح العديد من التونسيين لا يعرفه الكثيرون وبالتالي هذا الشريط يعني الذاكرة الجماعية في بلادنا مشيرة إلى سعادتها بعرض الفيلم في تونس قبل تقديمه على قناة الجزيرة الوثائقية منتجة الشريط التسجيلي "المختفون". وعن إخراج فيلم توثيقي عن السجناء السياسيين أوضحت السينمائية الشابة إيمان بن حسين أن الاقتراح عرضته عليها قناة الجزيرة الوثائقية فقبلت خوض التجربة وبعد عمليات الإعداد والبحث استقر رأيها على الشهادات الأربعة لكل من الأخوين فاروق وجمال النجار وعبد القادر البجاوي ونبيل اللباسي ونفت محدثتنا في الآن نفسه مسألة التأثير على خياراتها أو انحيازها لطرف حزبي على حساب آخر وهو اتهام أدلى به بعض الحاضرين في عرض الفيلم ومنهم كريم عبد السلام رئيس جمعية "الكرامة ورد الاعتبار" الذي غادر القاعة غاضبا من مضامين وتوجهات الفيلم واتهمه بالتحيز وتهميش الذاكرة الجماعية للتونسيين. وصرحت لنا إيمان بن حسين بأن اختياراتها الفنية تنطلق دوما من إحساسها لافتة النظر إلى أنها لا تنتمي لأي تيار سياسي أو تحمل أجندات حزبية معينة وهمها تقديم عمل جيد على المستوى التقني والفني. أمّا أحمد محفوظ مدير قناة الجزيرة الوثائقية فعبّر عن فخره بعرض الشريط في تونس مهد الثورات العربية مشيرا إلى أنها المرة الثانية في تاريخ القناة التي تسمح فيها بتقديم شريط من إنتاجها- في عرضه الأول- في فضاء آخر غير القناة. من جهته، عبّر سمير ديلو وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية عن تشجيعه ومساندته للأعمال الفنية والثقافية، التي توثق للحقائق ولتاريخ شعبنا قائلا:"عشنا سنوات طويلة نرى دموع القهر والحسرة فتونس سرقت ثوراتها وأموالها وسرقت سنوات كثيرة من أعمار مناضلين، ذنبهم الوحيد أنهم حلموا بأيام كما التي نعيشها الآن في تونس بعد الثورة". وطلب سمير ديلو من المحتجين على الفيلم بالقدوم للمنصة وإبداء أرائهم ومنهم كريم عبد السلام رئيس جمعية "الكرامة ورد الاعتبار" غير أن هؤلاء المستائين فضلوا الانسحاب بعيدا عن الحدث.. وقدم وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية درع "الحقيقة والكرامة" لمخرجة الفيلم وأبطاله ولكل من مدير قناة الجزيرة الوثائقية أحمد محفوظ ومصور قناة الجزيرة السوداني سامي الحاج المعتقل السابق في غوانتانامو فيما خصت القناة المذكورة سمير ديلو وزير حقوق الإنسان بدرع الجزيرة في نهاية هذا الاحتفال الذي تواصل طيلة صباح الأمس بمقر الوزارة.
وتجدر الإشارة إلى أن عرض فيلم "المختفون" تم بحضور كل من رئيس الحكومة حمادي الجبالي ووزراء الثقافة والبيئة وتكنولوجيات الاتصال وعدد من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي وبعض ممثلي الهيئات والمنظمات والجمعيات الوطنية والأجنبية.