تمزيق استدعاء امتحان الباكالوريا: بطاقة إيداع بالسجن في حق المعتدي ونداءات لإنصاف التلميذة    عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    الأستاذ عامر بحببة يحذّر: تلوّث خطير في سواحل المنستير ووزارة البيئة مطالبة بالتدخل العاجل    صاروخ إيراني يضرب بئر السبع وفشل تام للقبة الحديدية...''شنو صار''؟    روسيا تحذّر أمريكا: "لا تعبثوا بالنار النووية"    عاجل/ طهران ترفض التفاوض مع واشنطن    إسرائيل – إيران: أسبوع من الحرب ومئات القتلى… والحصيلة البشرية في تصاعد    بطولة برلين للتنس: أنس جابر توانجه اليوم التشيكية "فوندروسوفا"    من هو فريق لوس أنجلوس الذي سيواجه الترجي اليوم؟    إنتقالات: بارما الإيطالي يكشف عن هوية مدربه الجديد    ميسي يقود إنتر ميامي لفوز مثير على بورتو في كأس العالم للأندية    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    طقس اليوم: أمطار بهذه المناطق والحرارة في ارتفاع طفيف    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    ما تستهينش ''بالذبانة''... أنواع تلدغ وتنقل جراثيم خطيرة    عبد المجيد العبدلي : الصواريخ الإيرانية أربكت إسرائيل وحيّرت أمريكا.. وما يحدث ليس حربًا بل عدوان مسلح    100 يوم توريد... احتياطي تونس من العملة الصعبة ( 19 جوان)    اتحاد الشغل يدعو إلى فتح جولة مفاوضات جديدة في القطاع العام والوظيفة العمومية    خامنئي: "العدو الصهيوني يتلقى عقابه الآن"    منظمة الأطباء الشبان تؤكد نجاح إضرابها الوطني ب5 أيام وتلوّح بالتصعيد    استقبال شعبي كبير في شارع بورقيبة لقافلة الصمود    بالفيديو: رئيس الجمهورية يشرف على اجتماع مجلس الوزراء...التفاصيل    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    إيران: هاجمنا عاصمة إسرائيل السيبرانية    أول فريق يحجز بطاقة التأهل في كأس العالم للأندية    كأس العالم للأندية: أتليتيكو مدريد يلتحق بكوكبة الصدارة..ترتيب المجموعة    إيران تحبط مؤامرة اسرائيلية لاستهداف وزير الخارجية عباس عراقجي    خطبة الجمعة... ذكر الله في السراء والضراء    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    موسم الحبوب: تجميع4.572 مليون قنطار إلى غاية 18 جوان 2025    شارع القناص ...فسحة العين والأذن يؤمّنها الهادي السنوسي .. الثقافة وهواة اللقمة الباردة : دعم ومدعوم وما بينهما معدوم.. وأهل الجود والكرم غارقون في «سابع نوم»!    رابع سبب للموت في العالم الخمول البدني يصيب 83 ٪ من التونسيين!    وفاة أول مذيعة طقس في العالم عن عمر يناهز 76 عاما    بطولة العالم لكرة اليد الشاطئية لأقل من 17 سنة: فوز للذكور وهزيمة للفتيات في مواجهة الأوروغواي    الاستثمارات الاجنبية المباشرة تزيد ب21 بالمائة في 2024 في تونس (تقرير أممي)    راج أن السبب لدغة حشرة: فتح بحث تحقيقي في وفاة فتاة في جندوبة    أمطار أحيانا غزيرة ليل الخميس    الدولار يتخطّى حاجز 3 دنانير والدينار التونسي يواصل الصمود    إسناد المتحف العسكري الوطني بمنوبة علامة الجودة "مرحبا " لأول مرة في مجال المتاحف وقطاع الثقافة والتراث    صابر الرباعي في افتتاح الدورة 25 للمهرجان العربي للاذاعة والتلفزيون وكريم الثليبي في الاختتام وتنظيم معرض الاسبو للتكنولوجيا وندوات حوارية بالحمامات    بعد 9 سنوات.. شيرين تعود إلى لقاء جمهور "مهرجان موازين"    باجة: تسجيل اضطراب وانقطاع في توزيع الماء الصالح للشرب    الخطوط التونسية: تطور مؤشرات النشاط التجاري خلال أفريل وماي 2025    اتحاد الفلاحين ينظم، اليوم الخميس، النسخة الرابعة لسوق الفلاح التونسي    وفاة 5 أعوان في حادث مرور: الحرس الوطني يكشف التفاصيل.. #خبر_عاجل    وزارة التجارة للتونسيين: فاتورة الشراء حقّك... والعقوبات تصل إلى 20 ألف دينار    اطلاق بطاقات مسبقة الدفع بداية من 22 جوان 2025 لاستخلاص مآوي السيارات بمطار تونس قرطاج الدولي    عاجل/ الإطاحة بشبكة تستقطب القصّر عبر "تيك توك" وتقدّمهم للأجانب    لجنة الصحة تعقد جلسة استماع حول موضوع تسويق المنتجات الصحية عبر الانترنت    بداية من العاشرة صباحا: إنطلاق التسجيل للحصول على نتائج البكالوريا عبر الSMS    النوفيام 2025: أكثر من 33 ألف تلميذ في سباق نحو المعاهد النموذجية اليوم    عاجل: أمل جديد لمرضى البروستات في تونس: علاج دون جراحة في مستشفى عمومي    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    قافلة الصمود تُشعل الجدل: لماذا طُلب ترحيل هند صبري من مصر؟    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظواهر صوتية وفرجوية هناك.. وفي قلب الأحداث هنا!
تحليل سياسي: المجتمعات الديمقراطية و"سلفيوها"
نشر في الصباح يوم 13 - 11 - 2012

إن التيارات "السلفية" المتشددة موجودة في غالبية المجتمعات الديمقراطية وبعضها تقصي نفسها بنفسها مفضلة العيش على هامش المجتمع في مجموعات شبه مغلقة على نفسها ك"الطوائف" les sectes في المجمتعات الأوروبية وبعضها الآخر تسعى للمساهمة في الشأن السياسي على غرار "المورمون" في الولايات المتحدة وكندا
الذين يطبقون إلى اليوم تعدد الزوجات (العدد الأقصى أربع) وتصل تيارات عديدة منهم إلى درجة رفض كل "بدع العصر" من نور كهربائي وتليفزيون وثلاجة وسيارة وجرار فلاحي.
فولكلور وفرجة
إلا أن هذه "الجماعات" التي تجذف ضد تيار التاريخ وضد الحد الأدنى من معقول المنطق البشري وبديهياته تبقى في الديمقراطيات المستقرة محدودة التأثير وذات طابع فلكلوري فرجوي، تساهم في تنوع المشهد السياسي والاجتماعي وتمثل رغم كل شيء عنصر إثراء للحياة العامة واحدى المكونات التي تضفي عليها جانبا من الطرافة في ميدان يغلب عليه الجد وحتى التشنج أحيانا.
خصوصية تونسية !
بينما تحتل مثل هذه التيارات في مجتمعنا منذ وصول النهضة الى الحكم كل يوم مساحات أكبر في الحياة العامة وفي اهتمامات الرأي العام وفي الاعلام وأصبح يتوالد لها شيوخ ، نجوم جدد كل يوم متجاوزة طابعها الفولكلوري مهددة بأن تستقر في المشهد العام كاحد المكونات الرئيسية للطيف السياسي والفاعلين الأساسيين في المجتمع.
فكيف يمكن أن تفسر مثل هذه الخصوصية التونسية؟ وهل يمكن أن نحمل حداثة علاقتنا بالديمقراطية وحرية التعبير المسؤولية الكاملة عن هذا الوضع الشاذ؟ أم أن هناك أسبابا أخرى؟
الفصول الثلاثة للثورة التونسية
من المسلم به أن العقود الثلاثة الأخيرة للدكتاتورية في بلادنا اتسمت بعملية تحطيم ممنهجة للقيم والأخلاق الاجتماعية رافقتها عملية تجهيل للمجتمع متعددة الأبعاد صحفيا وثقافيا وتعليميا انجر عنها تصحر فكري وذهني وسياسي وتغذية قيم هابطة منحطة قوامها النفاق والأنانية المفرطة.
ولما حدثت الثورة على حين غرة وعلى ثلاث مراحل جلية لم تكن نتيجة حتمية لعملية تثقيفية تنويرية مهّد لها مثقفون ومصلحون كبار أو حتى نتيجة لنضالات أحزاب أو زعماء سياسيين حاملين ل"طروحات" ايديولوجية أو اجتماعية مغايرة لتلك القائمة حينها.
بل كانت في بداياتها عبارة عن انتفاضة "للجياع" أبناء المناطق المحرومة المهمشة أما مرحلتها الثانية فتولاها شباب المدن عبر الشبكات الاجتماعية وفي مقدمتها "الفايسبوك".
أما الفصل الثالث والحاسم فقد تولاه بعض أعوان الطاغية إذ خيّل لهم أن الفرصة قد سنحت لاقتناص ثمرة الحكم الطازجة فحاول كل واحد منهم أن "يجرب حظه" .
ذهب بن علي وترك وراءه زرعه
هذه المراحل الثلاث أنتجت الثورة التونسية فهرب بن علي وترك وراءه المجتمع الذي نحته وبالأحرى "مسخه" على امتداد أكثر من عقدين من الزمان.
لذا فبعد أن كان الشعار الرئيسي للثورة "خبز وماء وبن علي لا" انفجرت المطلبية المشطة لمن يملكون عملا ووضعا اجتماعيا واقتصاديا مستقرا بينما تحول الامر الى قطع للطرقات وعرقلة عجلة الاقتصاد للضغط (تراجع انتاج شركة فسفاط قفصة مثلا خلال السنة الماضية بنسبة %50) لمن لا يملكونه مما يؤشر حتما لانتشار مزيد من الفقر والتهميش.
إذ بعد أن تهاوت هيبة الدولة الزائفة المرتكزة على عسف البوليس، بشقيه العمومي والسياسي برز غول الاستعداء على القوانين وعلى الآخرين.
فقد ارتكزت السلطة طويلا على عنصر الترهيب والترويع ولما زال الخوف فجأة من النفوس برزت "حقيقة" الانسان الذي كيّفه ونحته ومسخه بن علي ببوليسه وصحافته وبالثقافة الهابطة التي كرسها. والانسان الذي تركه بن علي وراءه لما هرب هو المدعو اليوم لانجاح الثورة ولبناء مجتمع ديمقراطي وهي مفارقة وأيضا معادلة معقدة جدا.
السبيل الوحيدة
لنتفق أولا وقبل المضي قدما في هذا التحليل رفعا لكل لبس أن الديمقراطية الحقيقية في عالم اليوم المعولم الذي تنتقل فيه المعلومات في لحظات بين كل أصقاع الدنيا تقريبا تبقى السبيل الوحيدة لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية البشرية وضمان كرامة الانسان وحقوقه وأن كل التجارب التي اتبعت طريقا مغايرا فشلت فشلا ذريعا وسببت الويلات لشعوبها.
فعالم "القرية الصغيرة" الذي اصبحنا نعيش فيه اليوم جعل شعوب الارض على اختلاف مسيراتها التاريخية ودياناتها مقتنعة بأنه "ما فيش حد خير من حد" وتطالب بحقها في اختيار ساستها وقوادها وفي أن يكون لها "نظر" على كل ما يهم سير حياتها.
إلا أن من أبرز المعوقات الحالية للبناء الديمقراطي هو أن النخبة التقليدية استبطنت منظومة التفكير التي غرسها فيها بن علي، اذ كيف يمكن أن نفسر أن تبقى بعد الثورة بعض الاحزاب كالمزارع العائلية وان يبقى "زعماؤها" متشبثين بزعامتها رغم هزيمتهم المدوية في الانتخابات الماضية، وكيف نفسر أيضا التكالب المحموم على الكراسي والمناصب الذي يظهره أشخاص يعتبرون أنفسهم مناضلين وكيف نفسر أن لا يمتثل أعضاء حكومة ثورة للقانون فيمتنعون عن الاعلان عن ممتلكاتهم؟ والامثلة من هذا النوع لا تعد ولا تحصى.
حلقة جهنمية
هذا الإرث الثقيل للدكتاتورية المتغلغل في الاذهان والعقول والمستبطن في اللاوعي برز للسطح لدى الشعب إثر الثورة مباشرة ولدى "النخبة" اثر انتخابات 23 اكتوبر 2012.
فالمطلبية المشطة والاستعداء على القوانين وخروج مارد الجهوية المقيتة وحتى والنعرات العروشية في الجهة الواحدة والمدينة الواحدة بل والحي الواحد في وقت ضعفت فيه سلطة الدولة وتلاشت هيبتها واكبته لدى الفائزين في الانتخابات نزعة نهم وجشع على السلطة وامتيازاتها ورغبة واضحة في التخطيط للمحافظة على هذا "المكسب" في قادم الانتخابات بشتى الوسائل وواكبه ايضا تكشير عن الأنياب للخاسرين فيها لعرقلة بل وشل كل محاولات الماسكين الجدد بالسلطة في استعادة سلطة الدولة وهيبتها وفرض علوية القانون وفي تحسين ظروف عيش المواطنين ولإظهارهم باي وسيلة متاحة في موقف المراهقين السياسيين والعاجزين عن تسيير الشأن العام وهكذا دخلنا في حلقة مفرغة من الكر والفر وكادت تضيع في هذه المعمعة المفتعلة مصلحة البلاد فلا عدالة انتقالية ولا محاسبة ولا آليات لاستبعاد الفاسدين وادانتهم على الاقل أخلاقيا ان لم تكن قد ضاعت بعد رغم دقة هذه المرحلة الانتقالية ورهاناتها الضخمة مما مكن وهذا خطر ثان وجسيم القوى "الضد ثورية" أي الفئات التي تمعشت من العهد البائد وترفض أي تغييرات جذرية في المجتمع من الصعود الى السطح مجددا وأن تحتل كل يوم مساحات أكبر من الحلبة السياسية والاعلامية.
تحالف بين... الجريمة والتطرف
وفي ظل مثل هذا الوضع كان من المتوقع أن تزداد الدولة ضعفا وهوانا وأن تتكرر الاستعداءات عليها ويتضخم حجمها من طرف المجموعات المنحرفة ثم من طرف "المجموعات السلفية" والأخطر من ذلك اليوم هو أن هناك مؤشرات على حصول نوع من "الامتزاج" fusion بين الطرفين.
ففي بداية شهر أوت الماضي صرح علي اللافي (مستشار بوزارة الشؤون الدينية): "الأمر الخطير هو ظهور السلفية المنحرفة وهي مجموعة من المنحرفين يتخفون وراء اللحي ويسيطرون على المساجد لتأمين تجارتهم في المخدرات والتهريب" بينما وصف "الداعية" البشير بن حسن اثر أحداث جندوبة هذه الجماعات بأنها من اصحاب السوابق وتملك عقلية اجرامية كما اعترف أحد شيوخهم بأن كثيرا من الشبان الذين انضموا الى تياره هم منحرفون ولكن هداهم الله" كما أظهرت عملية الهجوم على السفارة الامريكية حرصا على السرقة والنهب أكثر من الحرص على الاحتجاج والاستنكار!
حرية رأي !؟
لقد بدأت التيارات السلفية في استعراض عضلاتها وفي التعدي على القوانين اثر انتخابات 23 اكتوبر 2011.
ففي بداية جانفي 2012 وأثناء استقبال اسماعيل هنية بمطار قرطاج استقبله حوالي الفي شخص كان من بين الشعارات التي رفعوها "قتل اليهود فرض علينا" كما رفعت لافتات تطالب "بذبح اليهود وحرقهم" وهي أفعال خطيرة تدخل تحت طائلة القانون الجنائي اذ انها تمثل تحريضا للسكان واليهود على حد علمي مواطنون كاملو الحقوق ومن سكان تونس على مهاجمة بعضهم البعض وعلى التقاتل.
وبما ان رد الفعل الرسمي كان رخوا جدا ويكاد يبلغ حدود التواطؤ رغم الضرر الكبير لمثل هذه الشعارات على المصالح العليا لبلادنا (سياسيا واقتصاديا) وعلى السياحة ومناخ الاستثمار فقد تكرر الامر ويوم 25 مارس خلال مسيرة سلفية اذ خطب "شيخ" في الجموع "هيئوا انفسكم للقتال.. القتال.. القتال.. اليهود.. اليهود.. يا شباب القتال في سبيل الله.."
وذلك في حضور الحبيب بوصرصار الموظف في ديوان وزير الشؤون الدينية الذي دعا هو "لقتل الباجي قايد السبسي والتجمعيين"
وقد اعتبرت "وزارته" الدعوة لقتال اليهود.. "رأيا شاذا" لا غير ! أي ان الحث على العصيان وعلى التقاتل بين ابناء الوطن الواحد وعلى قتل "الخصوم السياسيين" لا يخرج عن نطاق الرأي الغريب المستهجن !! ولما تعالت الدعوات لانفاذ القانون على كل من ينتهك قوانين البلاد بالقول أو الفعل اعتبر بعض اعضاء الحكومة من حزب النهضة ان الامر يدخل في نطاق الحرية التعبير لا اكثر ولا اقل التي أهدتها لنا الثورة وقال سمير ديلو "ان نتهم بالتراخي افضل من نتهم بالقمع" وقال الغنوشي ان السلفيين ابناء تونس ويذكرونه بشبابه وصرح رئيس الحكومة لقناة لبنانية انهم لم يأتوا من المريخ بل هم تونسيون."
بل ان الغنوشي ذهب الى حد القول ان الاعلام يريد ان يحدث وقيعة بين النهضة والسلفية واكد ان هذا لن يحدث ابدا.
فهل هي سذاجة فكرية حقا ام ان الحسابات الانتخابية تعمي البصيرة احيانا؟!
شهداء وزنادقة
وفي الاثناء جدت حادثة بير علي بن خليفة (غرة فيفري 2012) التي اسفرت عن قتيلين وعدد من الجرحى وبعدها في ماي سجلت احداث الروحية التي قتل فيها عسكريان و"ارهابي" وقد "تبنتهما" بعض التيارات السلفية في تونس تبنيا صريحا لا لبس فيه.
فعند احضار الموقوفين في قضية الاحداث المسلحة ببئر علي بن خليفة إلى محكمة صفاقس نظم السلفيون وقفة احتجاجية امامها لمساندتهم ورفعوا شعارات "لا قانون لا دستور قال الله قال الرسول" علما وانه عثر لدى المتهمين على 30 رشاش "كلاشينكوف ! واعتبر السلفيون من على منابر جامع الفتح بالعاصمة خلال شهر فيفري ان "قتلى المجموعات التي نعتتها وزارة الداخلية بالارهابية شهداء ماتوا لاعلاء كلمة الله وقطع دابر الكفر والكافرين والضالين، أي ان الضابطين التونسيين اللذين ماتا في الروحية هما كافران وزنديقان بما انه ما التقى مسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار وبما ان القتيل شهيد رضى الله عنه فقاتله كافرا !!
بل ان سيف الدين بن حسين "أبو عياض" ذهب الى حد القول "ان شهداء بئر علي بن خليفة هم ابناء التيار" وان الجيش والشرطة "تلوثت ايديهم بدماء هذا الشباب الطاهر" واضاف "ونحسب ان الله سيستقبلهم شهداء وقاتلهم سيبقى جزاؤه عند الله في الدنيا والآخرة"
أبعد هذا الوضوح وضوح؟ ! من النقيض الى النقيض
ورغم كل ذلك فإن ما يمكن أن نعتبره (من منطلق قراءة حسن النية) سذاجة سياسية تواصل ضد الحد الادنى من المنطلق ما عدا تصريح يتيم لعلي العريض لصحيفة لوموند حاول فيه استعراض عضلاته ولكنه للاسف بقي حبرا على ورق فكانت الاحداث الخطيرة لجندوبة وسيدي بوزيد وقصر العبدلية لتختم مؤخرا بأحداث السفارة الامريكية التي ليس هنا مجال استعراض تبعاتها الثقيلة على بلادنا وشعبها والتي تلتها مباشرة الاحداث الخطيرة بدوار هيشر بمنوبة وقبلها حادثة مقتل القيادي في حركة نداء تونس لطفي نقض.
وآنذاك فحسب تغير خطاب النهضة 90 درجة واستشعرت حقا الخطر الداهم التي تمثله هذه الجماعات المارقة عن القانون لا أكثر ولا أقل والتي تعيش حالة انفصام قصوى، خارج العصر والتاريخ.
فلئن كان هذا حقها المشروع الذي لا ينازعها فيه احد، إلا أنها مطالبة كغيرها من مكونات المجتمع باحترام مقتضيات القانون وبالامتناع عن محاولة فرض مفاهيمها في الحياة وتصوراتها على الآخرين بالقوة علما وان ذلك ليس مستغربا البتة فمن يريد احياء التعليم الزيتوني كهربائي يتمتع بشهادة تقني ومن يترأس جمعية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر خضّار عاجز حتى عن كتابة اسمه الصغير بطريقة صحيحة بالعربية وقد كنت شاهدا على ذلك واحد "معالم السلفية" الكبار أصله ممرض الخ.. !!
ان تغير خطاب النهضة ازاء السلفيين (رغم انه جاء متأخرا بعد ان ضربت مصالح تونس في الصميم) يجسمه ما صرح به سمير ديلو صاحب نظرية أفضلية التراخي على القمع في فيفري الماضي وذلك في أعقاب احداث السفارة اذ قال: "ما حدث عمل اجرامي ومرتكبوه خارجون عن القانون وهذا الموضوع لا يحتمل انصاف الحلول.. وكان من المفروض ان يتم التعاطي مع هذه المسألة ومنذ البداية بأكثر قوة وحزم" أما الصادق شورو فقد قال في حديث لجريدة "الخبر" الجزائرية هناك أطراف خارجية تشجع المد السلفي في تونس وخاصة دول الخليج وبعض السلفيين ليسوا في الحقيقة كذلك بل هم من بقايا النظام البائد.
استراتيجية "ضد ثورية"
في نفس الوقت الذي أخلت فيه حكومة النهضة مساحات هامة من الفضاء العام لمجموعات مارقة عن القانون وتسامحت فيه أيضا مع ما لا يمكن التسامح معه وهو افتكاك جزء من سلطة الدولة، إذ أن كل فعل مُسْتَعْدٍ على القانون يتم اغماض العينيين عنه من قبل الدولة هو عبارة عن تخل طوعي عن جزء من سلطتها لافراد او مجموعات غير مخولة لذلك، في نفس هذا الوقت تبنت المعارضات المختلفة في البلاد على اختلاف مشاربها وبكل مكوناتها تقريبا سواء كانت منظمات مهنية او الناشطين السياسيين خارج نطاق الأحزاب استراتيجية يمكن وصفها في نهاية المطاف بأنها ضد ثورية فمن خلال محاولات واضحة لا لبس فيها لإضعاف الحكومة الحالية، تسببت عن وعي او عن غير وعي في اضعاف الدولة ومختلف أجهزتها فعندما تصبح الاعتصامات العشوائية وقطع الطرقات ومهاجمة مقرات السيادة من قبل المحتجين من مختلف الأصناف وحتى من قبل المنحرفين والمطالبات المشطة "اعمالا مشروعة" ومقبولة لأنها تأتي نتيجة الفقر والتهميش وطول البطالة وعندما تصبح المطالبة باطلاق سراح الموقوفين في أعمال عنف ونهب وحرق او قطع طريق لا لبس فيها "رد فعل مشروع على تعنت الحكومة في تحقيق مطالب مشروعة" أو على "تباطؤها في تحقيق التنمية وانجاز المشاريع" وعندما يصبح التصدي لأعمال الشغب والعنف التي تهدد سلامة الأفراد والممتلكات العامة والخاصة "قمعا" وممارسات تذكر بالعهد البائد بل "تتجاوزه احيانا" فان المستهدف بالشرخ المفتوح والذي قد يصبح متعذرا في ما بعد إصلاحه ليس ربان المركب أي "الترويكا" بل المركب ذاته بمن فيه المركب فالربان يمكن تغييره أما المركب فعندما يغرق فانه يغرق دون عودة بالجميع.
شعبوية وحسابات
انه على السلطة والمعارضة معا ان تتخليا عن "الشعبوية" في حساباتهما ومواقفهما فالفترة الحالية لا تحتمل ذلك فالشعب في حاجة ملحة لا تحتمل التأخير إلى ان يتصالح مع جهازه الأمني.. وان يسعيا معا إلى تأهيله ليصبح جمهوريا بحق خارجا عن نطاق أي تأثيرات أو تجاذبات سياسية، أمن قوي بسلطة القانون لا بالترهيب او الترويع.
فبدون أمن فعلي حقيقي تتعطل العجلة الاقتصادية ويزداد الفقر والتهميش.
قادة طوائف لا مجتمعات
ان "التراخي" المشار اليه آنفا من قبل الحكومة في تطبيق القانون لا أكثر ولا اقل، الذي رافقته عملية هرسلتها مما جعلها تبذل اغلب طاقتها في "معامع" هامشية لا تهدأ الواحدة الا لتولد اخرى، انضاف إليه معطى ثالث كان له هو أيضا دور هام جدا في احتلال السلفية ومنذ عدة اشهر الواجهة وهو الاعلام الذي وفر لها منبرا لا يتناسب اطلاقا مع حجمها ومع أفكارها.
فلئن كانت تجاوزاتها وعنفها تمثل احيانا مواضيع صحفية "سخنة" تجلب اهتمام الرأي العام وتتعين تبعا لذلك تغطيتها فإن المساحة التي منحت وتمنح الى اليوم ل"زعمائها" أي "شيوخها.. اخرجتهم من دائرة الظل وخلقت منهم "نجوما" حقيقيين ومنحتهم "الاحترامية" la respectabilité ومثلت عامل استقطاب كبيرا لهم و"تهييج ايضا".
فقد ذكرنا آنفا لمحة عن المستويات التعليمية لبعض "الرموز الدينية في البلاد وأقدّر أن أغلبية الزعماء الآخرين هم كذلك وهي تخول لهم حتما أن يقودوا "طوائف" قد تثري في ظروف عادية المشهد العام بطرافتها إلا أنها لا تؤهلهم اطلاقا ليصبحوا أصحاب أفكار وحاملي مشاريع مجتمعات وتصورات ومفاهيم اخلاقية واجتماعية وسياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.