تراجع خدمات الدين الخارجي المتراكمة ب13,8 بالمائة إلى غاية 20 ديسمبر 2025    عاجل/ كأس أمم افريقيا: التشكيلة الأساسية للمنتخب التونسي ضد نيجيريا..    الرصد الجوي: درجات حرارة أعلى من المعدلات الموسمية متوقعة خلال الثلاثي الأوّل من سنة 2026..    رأس السنة: ما فمّاش إضراب في البنوك لكنه يبقى فرضية واردة في وقت لاحق    مسرحية "كحلة الأهذاب"... إنتاج جديد لفرقة مدينة تونس للمسرح احتفالا بذكراها السبعين    مجموعة الخطوط التونسية: تراجع طفيف في العجز ليناهز 220،8 مليون دينار خلال سنة 2022    الليلة: الحرارة في انخفاض مع أمطار غزيرة بهذه الجهات    كاس امم افريقيا 2025: السنيغال يتعادل مع الكونغو الديمقراطية 1-1    سفيان الداهش للتونسيين: تُشاهدون ''صاحبك راجل 2" في رمضان    المستشفى الجامعي شارل نيكول يحقق أول عمليات ناجحة بالفيمتو ليزك بتونس!    متابعة مدى تقدم رقمنة مختلف العمليات الإدارية والمينائية المؤمنة بالشباك الموحد بميناء رادس محور جلسة عمل    حامة الجريد: انطلاق مهرجان رجال الحامة في دورته الثانية    نجاح جراحة عالية الدقة لأول مرة وطنيًا بالمستشفى الجامعي بقابس    مدرب الكاميرون: "دربي إفريقي قوي بين الكاميرون وكوت ديفوار سيحسم على جزئيات"    محرز الغنوشي: طقس ممطر أثناء مباراة تونس ونيجيريا...هذا فال خير    عاجل/ حجز يخوت ودرجات نارية فاخرة: تفاصيل تفكيك وفاق دولي لترويج المخدرات يقوده تونسي..    كأس أمم إفريقيا 2025: السودان وغينيا الاستوائية في اختبار حاسم لإنعاش آمال التأهل    عاجل/ مسجون على ذمة قضية مالية: هذه الشخصية تقوم باجراءات الصلح..    وزارة النقل: شحن الدفعة الأولى من صفقة اقتناء 461 حافلة من الصين قريبا    مداهمة مصنع عشوائي بهذه الجهة وحجز مواد غذائية وتجميلية مقلدة..#خبر_عاجل    الكاف: ورشات فنية ومعارض وعروض موسيقية وندوات علمية في اليوم الثاني من مهرجان صليحة    إيقافات جديدة في فضيحة مراهنات كرة القدم    جريمة مروعة: وسط غموض كبير.. يقتل زوجته وبناته الثلاث ثم ينتحر..#خبر_عاجل    اللجنة الوطنية الأولمبية التونسية: محرز بوصيان يواصل رئاسة اللجنة    وليد الركراكي: التعادل أمام مالي "محبط"    مصادر دبلوماسية: اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية غدا بعد اعتراف إسرائيل بأرض الصومال    عاجل/ بعد اعتراف الكيان بأرض الصومال: حماس تصدر هذا البيان وتفجرها..    الرياض تحتضن الدورة 12 للجنة المشتركة التونسية السعودية    رئيس الجمعية التونسية لمرض الابطن: لا علاج دوائي للمرض والحمية الغذائية ضرورة مدى الحياة    كميات الأمطار المسجّلة خلال ال24 ساعة الماضية    مستخدمو التواصل الاجتماعي مجبرون على كشف أسمائهم الحقيقية    عاجل/ تنبيه: انقطاع التيار الكهربائي غدا بهذه المناطق..    عروض مسرحية وغنائية وندوات ومسابقات في الدورة العاشرة لمهرجان زيت الزيتون بتبرسق    حصيلة لأهمّ الأحداث الوطنية للثلاثي الثالث من سنة 2025    المسرح الوطني التونسي ضيف شرف الدورة 18 من المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر    السكك الحديدية تنتدب 575 عونا    مواعيد امتحانات باكالوريا 2026    حجز 5 أطنان من البطاطا بهذه الجهة ،وتحرير 10 محاضر اقتصادية..    عاجل/ تعطّل أكثر من ألف رحلة جوية بسبب عاصفة ثلجية..    تايلاند وكمبوديا توقعان اتفاقا بشأن وقف فوري لإطلاق النار    تنفيذا لقرار قضائي.. إخلاء القصر السياحي بمدنين    رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن عودة الناشط علاء عبد الفتاح    ألمانيا.. الأمن يطلق النار على مريض بالمستشفى هددهم بمقص    فرنسا.. تفكيك شبكة متخصصة في سرقة الأسلحة والسيارات الفارهة عبر الحدود مع سويسرا    المجلس الجهوي لهيئة الصيادلة بتونس ينظم الدورة 13 للايام الصيدلانية يومي 16 و17 جانفي 2026 بتونس    استراحة الويكاند    صفاقس: الدورة الأولى لمعرض الصناعات التقليدية القرقنية تثمّن الحرف التقليدية ودورها في حفظ الذاكرة الجماعية للجزيرة    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    موضة ألوان 2026 مناسبة لكل الفصول..اعرفي أبرز 5 تريندات    4 أعراض ما تتجاهلهمش! الي تتطلب استشارة طبية فورية    بداية من شهر جانفي 2026.. اعتماد منظومة E-FOPPRODEX    إنطلاق أشغال المسلك السياحي الحصن الجنوي بطبرقة    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    أمطار غزيرة متوقعة آخر النهار في هذه المناطق    البحث عن الذات والإيمان.. اللغة بوابة الحقيقة    نابل: حجز وإتلاف 11طنا و133 كغ من المنتجات الغذائية    روسيا تبدأ أولى التجارب للقاح مضادّ للسّرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلفية جسم واحد لا ينفصم بقلم: عامر عياد
نشر في الفجر نيوز يوم 30 - 01 - 2012

شكلت المسالة السلفية في تونس مسالة مؤرقة للنظام السابق الذي عمل على تجفيف منابع الحركة الإسلامية في تونس من خلال محاصرة المساجد و تغيير المناهج التعليمية و غلق جامع الزيتونة و محاربة كل المظاهر الإسلامية في المجتمع مع محاصرة كل نفس إسلامي عبر استصدار القوانين الزجرية مثل قانون
الإرهاب سيء الذكر المعروف بقانون 10 ديسمبر و الذي يتزامن استصداره مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان في تحدى صارخ للمنظومة العالمية لحقوق الإنسان حيث أجمعت كل المنظمات الحقوقية و الدولية على عدم انسجامه مع القانون الدولي و طالبوا بإلغائه.
الظاهرة السلفية بدأت تأخذ شكلا عنيفا خصوصا مع تواتر أنباء من خارج البلاد تدين تونسيين في أعمال مرتبطة بتنظيم القاعدة مثل تورط تونسيين في قتل الزعيم الأفغاني احمد شاه مسعود و تفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء إلى جانب تورط العديد في محاولات تخريب في عدد من الدول الغربية
و كان شهر ديسمبر 2006 موعدا دقت فيه السلطة النوفمبرية ناقوس الخطر حيث شكلت المواجهات بين قوات الأمن و الجيش من جهة و مجموعة من السلفيين من جهة أخرى صدمة كبيرة للمجتمع التونسي الذي لم يتعود مثل هذه الاشتباكات العسكرية خلال الأربعين سنة الأخيرة و ابرز خطورة المجموعات السلفية و تهديدها لما يعتبر طبيعة المجتمع التونسي المسالم.
فما المقصود من السلفية ؟ و ما هي الظروف التي حفت بنشأة التيار السلفي في تونس؟ و ما هو واقع التيار السلفي بعد الثورة خصوصا بعد تواتر عديد الأحداث التي جعلت من السلفية ظاهرة مخيفة؟
من الناحية التاريخية و المفاهيمية هل وجود لسلفية؟
في اللغة العربية: السَّلَف -بفتح السين واللام- يكشف عنها في مادة (س ل ف) وهو ما مضى وانقضى، والقوم السُّلاَّف: المتقدمون، وسلف الرجل: آباؤه المتقدمون. جمع سالف وهو كل مَن تقدمك من آبائك وذوي قرابتك في السن أو الفضل، وقالوا: إنَّه كل عمل صالح قدمته.
اما اصطلاحا فالسلف عند الشيخ الألباني رحمه الله هم أهل القرون الثلاثة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية،
في الحديث الصحيح المتواتر المخرّج في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم "
و هنا تطرح إشكالية التسمية حسب الدكتور علي العشي معتبرا انه لا وجود لسلفية على اعتبار أن الاتفاق حاصل اليوم بين مختلف الأطراف السلفية و غيرها من ان السلف المقصود ينتهي في القرن الثالث الهجري .و عرفه احد الباحثين بأنه إتباع ما جاء به الرسول صلي الله عليه و سلم و الصحابة و التابعين و تابعي التابعين و يقصد بهم الصحابة رضوان الله عليهم و الأئمة الأربعة و السفيانين : سفيان الثوري و سفيان بن عينية و ليث بن سعد و ابن تيمية و ابن قيم الجوزية.وقال انه من الأصح أن نقول أنهم من أتباع السلف الصالح .
و يثير هذا التعريف إشكال آخر حسب الدكتور على العشي الذي كان ضيفا على راديو كلمة في احد الحلقات التي تناولت موضوع السلفية يتمثل في أن كل المسلمين هم من السلفيين حسب هذا التعريف اذ ان كل المسلمين هم من اتباع السلف الصالح الذي هو أولى بالإتباع او حسب قول احدهم " الخير في إتباع من سلف و الشر في ابتداع من خلف"
ما هي الفروق بين عامة المسلمين و أتباع السلفية
يعتمد أتباع السلفية أو من يطلقون على أنفسهم السلفية على إتباع ما جاء به القران الكريم وهو المصدر الرئيسي للتلقي عند السلفية. ويستعينون على فهمه وتفسيره بالعلوم المساعدة على ذلك، كعلوم اللغة العربية، والعلم بالناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، وبيان مكيه ومدنيه، ونحو ذلك من العلوم. كما يعتمدون على السنة الصحيحة وهي عندهم كل ما صححه علماء الحديث عن النبي من الأقوال والأفعال والصفات الخَلْقية أوالخُلُقية والتقريرات. والسنة منها الثابت الصحيح، ومنها الضعيف؛ والصحة شرط لقبول الحديث والعمل به عندهم بحسب قواعد التصحيح والتضعيف. ولا يشترطون أن يكون الحديث متواتراً، بل هم يعملون بالمتواتر والآحاد على السواء.
ثم يعتمدون على المبدأ الثالث وهو الإجماع باعتباره اتفاقا بين جميع رجال الدين المجتهدين من المسلمين في عصر من العصور على حكم شرعي، فإذا اتفقوا سواء كانوا في عصر الصحابة أو بعدهم على حكم من الأحكام الشرعية كان اتفاقهم هذا إجماعاً يعتد به كمصدر من مصادر التشريع.
وهذه الأصول الثلاثة هي المصادر الرئيسية في التلقي، والسلفية لا يقرون قولاً ولا يقبلون اجتهادا إلا بعد عرضه على تلك الأصول. ولا يخالفونها برأي ولا بعقل ولا بقياس. بل يجتهدون بآرائهم في ضوء تلك المصادر من دون أن يخالفوها.
كما يعتمد جمهورهم على مبدأ رابع هو القياس و هو حجة سواء كان قياساً جلياً أو خفياً. وخالفت الظاهرية فأخذوا بالقياس الجلي دون الخفي.
يعتقد السلفية ألا تعارض بين نقل صحيح وعقل صريح. وأن النقل مقدم على العقل. فلا يجوز معارضة الأدلة الصحيحة من كتاب وسنة وإجماع بحجج عقلية أو كلامية.
و يقدم السلفيون مبدأ النقل على العقل بل و يصل اغلبهم إلى تعطيل العقل و يعتبرون استعماله في العقيدة مثار فساد و يعتمدون في ذلك على قول الرسول صلي الله عليه و سلم:" اتقوا الحديث الا ما علمتم فانه من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار و من كذب على القران بغير علم فليتبوأ مقعده من النار و من قال في القران برأيه فأصاب فقد اخطأ" و يعود ذلك حسب قولهم الى انه إذا أصاب مرة فقد يخطئ مرات أخرى.
و يعتمدون أيضا على قول عمر بن الخطاب حيث يقول " إياكم و أصحاب الرأي فهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث ان يحفظوها و تكلفت منهم أن يعوها و استحيوا حين سئلوا فعارضوا السنن برأيهم فإياكم و إياهم.
كما يعتمدون على قول علي الذي صنف الناس إلى ثلاثة أصناف : عالم رباني و متعلم على سبيل النجاة و همج رعاع أتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور العلم.
و يعتبرون أن الصنفين الأولين من الناس هم الناجون فيما يصنف النوع الثالث من الهمج الرعاع لأنهم يتبعون أصحاب الرأي .
و يبرز الفرق واضحا بين أتباع المذهب السلفي و بين عموم المسلمين الذين يعطون مكانة اكبر للعقل باعتباره وسيلة إنسانية للإدراك والتمييز والحكم، فهو قوة إدراكية معيارية حمل على أساسها الإنسان أمانة الخلافة وخوطب على أساسها بالوحي ليتحمله فهما وتطبيقا وهو وسيلة بوسعها إدراك الحقيقة إذا التزمت بالموضوع والمنهج، وقد جعل الله إهماله موجبا للوم والتقريع "وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير " لذلك يعتبر لاجتهاد عند عموم المسلمون احد أصول التشريع عكس جمهور السلفية الذين لا يرون الاجتهاد أصلا و يتعفف اغلبهم عن الفتيا حيث يعتبرون أن الإمام احمد كان يتعفف عن القيام بها رغم غزارة علمه و كان يقول لمستفتيه اذهبوا فاستفتوا العلماء كما كان الإمام مالك يردد أمام سائليه " لا اعلم لا اعلم " خوفا من الفتيا و تحمل مسؤولياتها.
اسباب ظهور السلفية في تونس
يعود ظهور الفكر السلفي في تونس و بروزه كظاهرة أصبحت تشكل خطرا حسب اغلب المراقبين إلى فترة التسعينات من القرن الماضي و تعود أسباب ظهوره إلى العوامل التالية
*غياب حركة النهضة عن المشهد الإسلامي:
كانت حركة النهضة تقوم بتأطير رواد المساجد لاستقطابهم لحركة النهضة عبر رؤية أصولية معتدلة تعتمد المذهب الأشعري المؤمن بالعقل كأحد أهم أدوات الاستنباط للأحكام الشرعية . وترك غياب الاعتدال المجال رحبا للتفسيرات المنغلقة و التفسيرات الحرفية للقران و السنة النبوية الشريفة
* تصاعد وتيرة الاستبداد..
كان لمنهج الانغلاق و الحرب المعلنة على كل مظاهر التدين أثرهما في بروز جيل من الشباب متمسك بثوابت الدين دون تاطير معتبرا أن السلطة القائمة التي تحارب الدين و تقمع المحجبات هي سلطة كافرة لذلك كانت كتابات سيد قطب و أبو الأعلى المودودى و ابن قيم الجوزية و ابن تيمية تجد صداها في نفوس الناشئة الجديدة التي تربت على تكفير السلطة القائمة و المجتمع الساكت على الظلم و الكفر .
*التقدم التكنولوجي الهائل في أدوات الاتصال حيث كان انتشار القنوات السلفية و التي تبث على مدار الساعة أثرها العميق في تربية نوعية جديدة من الشباب في تونس متأثرا بالفكر السلفي الجهادى و خصوصا أمام الاعتداءات المتكررة التي تتعرض لها الأمة في العراق و فلسطين مما يجعل الجهاد فرض عين حسب ما ثبت من الأحاديث و الايات حسب بعض التفاسير.
واقع السلفية في تونس
ينقسم التيار السلفي في تونس الى تيارات ثلاثة
أولا تيار السلفية المهادنة : و هو تيار يتكون أساسا من العناصر التي لا تؤمن أصلا بالعمل السياسي بل تهادن السلطة القائمة و تبرر أعمالها و هي تنتمي عادة للإسلام الرسمي أو تتربى في محاضنه و يعتبر تيار الدعوة و التبليغ احد ابرز ممثليه . و ينتشر هذا التيار عادة في المدن الساحلية مثل المنستير و سوسة و أيضا في العاصمة في إحياء باب الجديد ومدينة رادس و أيضا القيروان يمول من السعودية و من الباكستان حيث توجد القيادات العالمية لهذا التيار الذي يقيم دوريات ملتقيات عالمية للتدرب على فنون الدعوة و التبليغ خصوصا في بنغلاداش و الباكستان و الدول الخليجية .و يعتبر الشيخ المعروف بيونس التونسي احد ابرز متزعمي هذا التيار في تونس إضافة إلى وجوده في التنظيم الدولي لجماعة الدعوة و التبليغ حيث ترأس منتدى السنة الماضية في بنغلاداش.
ثانيا تيار السلفية العلمية و يضم جانبا كبيرا من إتباع النظام السلفي و هو في الظاهر لا يتدخل في المسائل السياسية و لا يؤمن في الوقت الراهن بالخروج عن الحاكم و يتجنب استعمال العنف. و يعمل المنتسبون إلى هذا التيار بتصحيح العقيدة و العبادة وتجنب الشرك على ضوء ما يحدده الشيوخ المتزعمين لهذا التيار.
يعتبر هذا التيار قريبا من الفكر الاخواني و المذهب الوهابي نسبة إلى المجدد محمد بن عبد الوهاب و يتأثر كثيرا بالدعاة المعاصرين أمثال عائض القرني و سليمان العودة و محمد حسان الخ و من ابرز شيوخ هذا التيار في تونس نذكر الخطيب الإدريسي و الشيخ سيف الله بن حسين المعروف بابي عياض و الشيخ ابو المهند و الشيخ البشير بن حسين و غيرهم .
و اغلب أنصار هذا التيار انسلخوا عن حركة النهضة لتحولها من حركة سلفية في السبعينات و الثمانينات إلى حركة سياسية حيث يعتبر المنسلخون أن حركة النهضة تخلت عن برنامجها الدعوي و التربوي لصالح طموحاتها السياسية كما يعتبرون أنها انساقت وراء مزايدات سياسية جعلتها تتخلى عن كثير من الثوابت الدينية. كما أن عددا من المتدينين يرون في النهضة حركة لا تنسجم و بعض الثوابت الدينية لذلك رفضوا تعبيراتها الدينية خصوصا بعد إمضاءها وعلى نصوص تحالف 18 اكتوبر و تبنيها لما تحمله من مضامين اعتبره بعض شيوخها خروجا صريحا عن بعض ثوابت الدين. و يتواجد أنصار هذا التيار خصوصا في رادس و المدينة الجديدة و ضواحي العاصمة و الملاسين و منزل بورقيبة و ماطر و بعض مدن الجنوب الشرقي مثل قابس و مدنين و سيدي بوزيد.
و يتهيكل هذا التيار بشكل دقيق حيث تنتشر خلاياه في اغلب الجوامع و المساجد لمحاولة استقطاب بعض العناصر التي تعرض فيما بعد على رئيس الخلية الذي يواصل تعليم و تدريس المتلقي دروس التدين و تصحيح العقيدة من شوائبها لتقدم في الأخير لشيخ المجموعة الذي يؤشر على انضمام العضو للجماعة ليصبح بذلك عضوا عاملا و ينظم إلى إحدى الخلايا الدعوية و يشارك في الدورات و المخيمات الدعوية.
و يقوم تيار السلفية العلمية بجميع تفريعاته التنظيمية بدورات شهرية لتعلم أصول السلفية و تلقى الدروس قصد تمتين التكوين الدعوي و الديني و النظر في شؤون الدنيا و ذلك عبر استقدام عناصر من السعودية خاصة و من دول الخليج عموما و يعتبر جامع حي الخضراء احد ابرز جوامع هذا التيار حيث انتظمت الدورة الأخيرة لهم خلال الفترة الممتدة من 21 جانفي إلى 28 من الشهر نفسه بإشراف أساتذة و دعاة و دكاترة من السعودية .
كما يمول أنصار هذا التيار من بعض المدارس الخيرية السعودية و حتى من بعض الأوساط الرسمية الخليجية.
ثالثا: تيار السلفية الجهادية : نشا هذا التيار بعد إمضاء مصر الساداتية على اتفاقية كامب ديفد مع الكيان الإسرائيلي و ظهر تنظيميا مع مقتل أنور السادات حيث برزت عدة تنظيمات من السلفية الجهادية تؤمن بالفكر القطبي الذي يقسم المجتمع إلى قسمين قسم مؤمن و قسم كافر و يؤمن هذا التيار بضرورة محاربة السلط التي تعتبر كافرة و منحرفة و لا تحكم شرع الله حيث يستشهد أنصار هذا التيار بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"متفق عليه "وقوله:" إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلا، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) رواه أبو داود.
وبرز هذا التيار في تونس بعد دخول القوات الأمريكية لأفغانستان و العراق بعد ما يسمى بغزوة واشنطن و نيويورك في سبتمبر 2001 و لا يخفي أنصار هذا التيار مبايعتهم لأسامة بن لادن و تنظيم القاعدة و يرون "عينية الجهاد" كلما تعرضت أحد بلاد المسلمين إلى هجوم من " الكفار" كما يعتقدون بضرورة محاربة الكفر و الفجور في المجتمعات الإسلامية بناء على التقسيم القطبي للمجتمعات .
و كسب هذا التيار ألاف الأنصار في تونس حيث ينتشر في عدد من مدن ولاية بنزرت و الاحياء الشعبية بالعاصمة مثل التضامن و المروج و الزهور و نابل و تشير بعض التقارير ان هذا التيار رغم انه لا يخفي اعتماده القوة و العنف منهجا فانه يعتمد السرية و الكتمان عملا بقول الرسول صلى الله عليه و سلم :" اقضوا حوائجكم بالسر و الكتمان" و ينتظمون في تنظيم اقرب الى التنظيم العسكري حيث تشير بعض التقارير ان نخبتهم تتلقي تدريبات عسكرية في جبال بومرداس شرق الجزائر حيث تتمركز عدد من مجموعات القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي فيما تسعي بعض العناصر المنتمية لهذا التيار استغلال الانفلاتات الأمنية لتخزين كميات من الأسلحة المتسربة من ليبيا و التدرب عليه بصفة فردية أو في شكل أزواج في المناطق الجبلية البعيدة كما ينظم بين الحين و الأخر مهرجانات في بعض مناطق البلاد و إطلاق حملات تبرع لجمع الأموال لمساعدة " المجاهدين في العراق " أو في الصومال مثلما حدث مؤخرا في مدينة سيدي بوزيد.
خاتمة..
من خلال هذه القراءة السريعة تظهر السلفية العلمية كساحة تحضر المادة التي سيستعملها التيار الجهادي لاستقطاب مجاهديه و تدريبهم لساعة العسرة و المكره و استغلال مساحات الحرية المتاحة لتحقيق " الدعوة" من اجل "إحقاق الحق و إبطال الباطل" فيما تعتبر السلفية المهادنة أرضا خصبة لعمل تيار السلفية العلمية و بالتالي يظهر التكامل غير المنظم بين التيارات السلفية الثلاثة.
و يشكل غياب البعد التربوي للحركات الإسلامية المعتدلة و غياب دور حركة الدعوي الوسطي إضافة إلى عدم قدرة الدولة في القيام بدورها في نشر الإسلام المتسامح المستعد للتحاور مع " الأخر" في إطار الاحترام و التعايش ابرز الأسباب الثقافية في انتشار التيارات التي تعتمد العنف و الجهاد سبيلا للتغيير و إقامة حكم الله في الأرض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.