أول الاشارات على حالة الارتباك الحاصل في دائرة الرئيس المصري محمد مرسي اعلان المكتب الرئاسي أن قرارات مرسي الذي فرض قبضته على كل السلطات في البلاد ذات طبيعة مؤقتة، وهو ما قد يعني بداية تراجع الرئيس المصري عن الاعلان الدستوري الذي اعتبر في نظر أغلب الملاحظين انقلابا على الشرعية وتكريسا لدكتاتورية توشك أن تدفع بالبلاد الى الانقسام والتفكك وربما السقوط في متاهات الصراع الدموي. أما الاشارة التي سبقت ذلك فهي من المضحكات المبكيات وقد ارتبطت بتصريحات أحد مستشاري مرسي بأن الرئيس سيصوم ثلاثة أيام كفارة لليمين الدستورية التي أقسم بها في بداية حكمه ولم يستطع الالتزام بها عندما انقلب على خيارات الشارع المصري وانفرد بجمع كل السلطات في قبضته الى درجة أن بعض ردود الفعل المحذرة من صلاحيات مرسي ذهبت الى حد التفكير في اللامعقول والترويج عبر المواقع الاجتماعية بأنها صلاحيات قد تمنح مرسي حق بيع الاهرامات وتأجير قناة السويس أو هدم السد العالي وهي طبعا ردود أفعال مبالغ فيها تعكس في الواقع درجة انعدام الرضا نتيجة قرارات مرسي التي فاجأت الداخل والخارج وأججت المخاوف بشأن مستقبل الديمقراطية الناشئة في مصر. وفي انتظار ما يمكن أن تحمله الساعات القليلة القادمة بشأن مصيرالاعلان الدستوري، يبقى الرئيس مرسي في وضع لا يحسد عليه بسبب الارتجال والتذبذب وانعدام الوضوح في الرؤى وغياب القدرة على استقراء الاحداث. فلا هو بإمكانه تجاهل كل الاصوات المعارضة له والمضي قدما في التمسك بقراراته، ولا هو قادر على التراجع. في كل الحالات فالاصرار على الاعلان الدستوري سيفاقم الشكوك في نوايا مرسي ويعززالقناعة في الداخل والخارج بما ذهب اليه الاعلام المصري عندما صور مرسي بأنه فرعون مصرالجديد وأنه رمز للدكتاتورية الزاحفة على البلاد تحت غطاء ديني مكشوف لم يتجرأ عليه مبارك طوال ثلاثة عقود من الحكم. وأما التراجع فربما سيكلف مرسي شعبيته لدى أنصاره الذين يستعدون للنزول إلى الشارع اليوم للرد على المعتصمين في الخيام التي عادت لاكتساح الميدان كما في الايام التي سبقت ثورة 25 يناير. على أن التراجع ستكون له رسالة مختلفة لدى معارضي قرار مرسي الذين قد يرون في ذلك اعترافا بالخطإ وبداية تصحيح المسار قبل انفلات الامور وتضاعف أعداد الضحايا.. ولعله من المهم الاشارة الى أن قرار مرسي جاء في اعقاب دور الوساطة الذي توصلت بمقتضاه مصر الى جانب أطراف دولية وإقليمية إلى إرساء هدنة هشة بين حماس وإسرائيل وربما يكون مرسي قد رأى في الدور المصري ما جعله يخطئ في حساباته عندما توهم بأن دور مصر في تحقيق الهدنة يمكن أن يمنحه الضوء الاخضر لتمرير الاعلان الدستوري أو يمنحه الحصانة المطلقة ويجنبه معارضة بقية مكونات الساحة السياسية المصرية. والأرجح أن مرسي كان على درجة من الثقة في حجم التأييد الذي يحظى به بين الاسلاميين كما أنه لم يتوقع في أيّة لحظة أن ينفرط عقد المستشارين المحيطين به والذين حرص ومنذ فوزه في الانتخابات على أن يكونوا من مختلف العرقيات والانتماءات القائمة في مصر، وكان أول المنسحبين احتجاجا على الاعلان الدستوري، المسيحي سمير مرقص وتلاه فاروق جويدة وقد تمتد القائمة في حال تفاقمت أكبر أزمة في مصر منذ انتخاب مرسي.. طبعا لن يكون بإمكان من اختار السلطة المطلقة التي اعتبرها ابن خلدون مفسدة مطلقة، أن يقنع خصومه بأنه يهدف من وراء ذلك الى تحقيق طموحات الشعب المصري وحماية الديمقراطية، بل الواقع أن الخيارات المتبقية أمام الرئيس المصري تكاد تكون منعدمة وهو الذي استعدى رجال القضاء والاعلام والحقوقيين وتحصن بمواقف أنصاره ممن يعتبرون أنه من الطبيعي أن يمتلك الرئيس كل السلطات الى حين انتخاب مجلس الشعب وأنه يكفيه أن يصوم ثلاثة أيام تكفيرا عن ذنبه أمام الخالق الذي استخلفه في الأرض...