دون مبالغة أو تضخيم يُعتبر الناشر العربي الذي رحل منذ قرابة الأسبوعين الكاتب سهيل ادريس أهم ناشر عربي عرفته الثقافة العربية خلال القرن المنصرم. وأتذكر أني تعرفت عليه بشكل مباشر في عام 1994 فلمست فيه الناشر، الذي يُطارد المواهب ويحرضها على انتهاك المسكوت عنه والكتابة بأعلى درجة ممكنة من الحرية والجرأة والبوح. وكان سهيل ادريس يمارس هذا التحريض بشكل مضاعف مع الكاتبات طالبا منهن كتابة يحضر فيها الجسد بقوة لغة ورموزا وأسرارا. وكان الراحل سهيل ادريس لا يستطيع أن يتطرق الى أي موضوع دون أن يتحدث عن دار «الآداب» وتاريخها ومنجزها الذي لا يُعد ولا يُحد. وبالفعل فان قيمة سهيل ادريس تتجاوز كونه كاتبا روائيا صاحب الرواية الشهيرة «الحي اللاتيني» وأنه معد قاموس «المنهل» صحبة فريق عمل، فهو كاتب آمن بفعل الكتابة وراهن عليها كمهنة يحترفها من خلال تأسيس دار نشر في الخمسينيات من القرن الماضي سماها دار «الآداب» ونجح بواسطة ذكائه وحاسة الشم الأدبية العالية التي يمتلكها في أن يتبنى مواهب اصبحت مع مرور الأيام من أهم رموز الشعر والسرد العربيين المعاصرين. ونقصد بذلك أسماء على غرار بدر شاكر السياب ونزار قباني وحنا مينة وعبد الوهاب البياتي وسعدي يوسف ومحمد علي شمس الدين وعبد الرحمان منيف.. وقائمة طويلة من الشعر والروائيين بالاضافة الى تبني كاتبات اظهرن موهبة على غرار أحلام مستغانمي وهدى بركان ومن تونس نشر رواية «نخب الحياة» لآمال مختار. لذلك فهو مكتشف أٌغلب الأسماء الكبيرة والواعدة وقلما راهن على موهبة فخذلته سواء في مشروعها الأدبي أو في نفسها الجمالي الطويل والعالي. ولأنه صاحب مشروع ثقافي راهن على الاختلاف والابداع اولا وأساسا فأصدر مجلة الآداب كي تحتضن النصوص الابداعية المنشورة وتُؤمن لها الدعاية والنقد المدافع عن المضامين المختارة. وبحكم المصداقية الكبيرة التي نحتها بدقة وصبر، أصبح مجرد نشر عمل في دار «الآداب» تزكية هامة على قيمة العمل، وتعززت مع الجهد والأيام مكانة دار «الآداب» عند الكُتاب والقراء وحققت مصداقية وهيبة، قلما تتمتع بهما أي دار نشر عربية اليوم. لقد مارس سهيل ادريس مهنة النشر على أصولها كما يقال: كان يبحث عن المواهب ويحتضنها ويراهن على الأجود منها وكان لا يأخذ من الكتاب المال لطباعة اعمالهم. كان الكاتب والناشر القريب جدا من الأقلام الني تبنى نصوصها ونشر لها. فهو رجل متعدد الأدوار اذ أغنى المكتبة الروائية بثلاثيته المشهورة ولعب دورا مهما كمترجم محترف وأطلق في سماء الأدب العربية نجوما أبدية اللمعان، الشيء الذي جعل كاتبا مثل جمال الغيطاني يصف ما آنجزه بأنه يفوق ما تقدمه وزارة عربية للثقافة. فهل سيسير سماح ادريس على خطى والده وهل أورثه حاسة الشعر الأدبية العالية التي ميزته؟