أثار عرض عدد من القضايا التي لا تزال قيد التحقيق من قبل القضاء ردود فعل عديدة توزعت بين رافض لافتاك وسائل الإعلام خاصة القنوات التلفزية- لدور هو في الأصل من مشمولات القضاء وبين داع إلى ضرورة عرض قضايا اكتنفها الغموض، فيما ذهب الطرف الثالث إلى الدعوة إلى عمل القضاء والإعلام جنبا الى جنب لحل ما يمكن حله من قضايا. وبين هذا الرأي وذاك يبقى السؤال مطروحا هل في عرض قضايا ومناقشتها في المنابر الإعلامية والبرامج الحوارية مسا بهيبة المؤسسة القضائية وتشكيك في حياديتها؟ وهل للإعلام دور في تأليب الرأي العام نحو عدد من القضايا؟ وللإجابة عن هذين السؤالين وغيرهما اتصلت «الصباح الأسبوعي» بممثلين عن الهيكل القضائي ونقابة وجمعية القضاة ووزارة العدل لمعرفة موقفهم من مدى تأثير ذلك على استقلالية القضاء وعمل القاضي. ظاهرة خطيرة تقول كلثوم كنو (رئيسة جمعية القضاة):»اعتقد أن تحول وسائل الإعلام إلى قاعات للبت في قضايا لا تزال قيد التحقيق والخوض في تفاصيلها ظاهرة خطيرة لان مثل هذه المناقشات من شانها أن تمس من مصداقية القضاء. ولعل وصولنا إلى هذه المرحلة مرده غياب التغيير الذي انتظره الجميع في المؤسسة القضائية والذي سيؤدي بالمتابعين إلى التشكيك في القضاء برمته، وفي إطار حرية التعبير لوحظ وجود تجاوز للحدود في تناول قضايا إعلاميا عوض إبقائها في مكانها الأصلي في المحاكم. تتحمل وزارة العدل جزءا من المسؤولية في هذه الظاهرة وذلك عندما يجد المشاهد من يمثلها في البرامج التلفزية يتحدث عن قرار محكمة التعقيب (في قضية سامي الفهري) وفي ذلك مس من جوهر القضاء واستقلاليته. كما ان وجود عدد من المسؤولين السياسيين يشكك في قرارات قضاة ويعرج عن سن بعضهم مركزا على صغر سنهم يصب في ضرب القضاء لأننا في النهاية يبقى الحديث عن محكمة التعقيب كهيكل وليس على هذا القاضي او ذاك. عموما ما كانت وسائل الإعلام لتكون دارا للقضاء او محاكم للبت في القضايا او الحديث عنها وعن أدق تفاصيلها لو تم وضع هيئات كالهيئة الوقتية للقضاء العدلي او غيرها من الخطوات التي دعونا إليها مرارا لاتخاذها في طريق إصلاح المؤسسة القضائية». رفض.. من جهتها أكدت روضة العبيدي رئيسة نقابة القضاة لهذه الظاهرة مشددة على ضرورة احترام حقوق المواطن في ظل وجود عدالة انتقالية بالمفهوم الصحيح، حيث قالت:»يمكن أن تمثل وسائل الإعلام وسيلة للضغط على القضاء والقضاة في قضايا معينة لا تزال قيد التحقيق.كما أن طرح قضايا دون أخرى ونحن عبرنا عن رفضنا لطرح القضايا في البرامج التلفزية- وانتقالها من مقرات المحاكم إلى وسائل الإعلام يصب بدوره في باب عدم المساواة بين الملفات وبين هذه القضية وتلك. هذه الظاهرة تعد تجاوزا لا يخدم القضاء ومسار البحث عن قضاء مستقل الذي يبقى في حاجة لتنقيح القوانين وضمان نيابة عمومية مستقلة عن وزارة العدل والنأي به عن كل التجاذبات». تلازم بينهما.. في المقابل يؤكد نوفل الورتاني المنشط الإذاعي والتلفزي أن ما تم تداوله من إمكانية تأثير وسائل الإعلام على سير عدد من القضايا او الضغط في اتجاه معين حيث قال:» اعتبر ما طرح حول مدى تأثير البرامج الحوارية التي تطرح قضية معينة على القضاة او الضغط في كلام مغلوط، وقضية سامي الفهري التي كان النقاش بشأنها على أشده في الآونة الأخيرة كان التركيز فيه على عدم تنفيذ حكم قضائي وللتذكير فان قناة 'التونسية' لم تخصص اي برنامج للحديث عن قضية الفهري منذ إيقافه حيث كان تدخلها عندما لم يحترم القضاء. ولسائل ان يتساءل لماذا لم تحاسب قنوات أخرى مثل نسمة او حنبعل عندما خصصت ساعات لاتهام الفهري الم يكن في ذلك تدخلا في عمل القضاء؟ «. ويتابع محدثنا:»ليس لدى الإعلام اي تأثير على سير التحقيق او عمل القضاة عندما يطرح قضية من القضايا لانه في حال كان تناولها لها موضوعيا وحياديا فانه بإمكانها توجيه نظر القضاء وكشف تفاصيل غائبة عنه بخصوص عدد من القضاة وفي ذلك تلازم بين دور المؤسستين الإعلامية والقضائية وليس هناك اي تداخل بينهما». تتحدد العلاقة بين القضاء والإعلام من خلال أداء كل هيكل لكن القواسم المشتركة بينهما تبقى العمل بكل حيادية ونزاهة وفي إطار الاستقلالية لضمان قضاء عادل وإعلام حر ويعبر عن الشعب وبالتالي ضمان صيرورة الانتقال الديمقراطي.