ما كان يعتبر بالأمس من المسائل المحظور تداولها إعلاميا وعلنيا باعتبارها تمس من هيبة وصورة المدرسة ومن شأنها فضح زاوية الفشل المخفي في مقاومة الظاهرة داخل محيطها واعتراف بإفلاس وعجز المؤسسة التربوية عن النأي بالمدرسة عن آفة المخدرات والكحول يتم اليوم تناوله بكل شفافية في إطار محاولات تتحسس طريقها لكشف الغبار عن حجم ظاهرة رواج تعاطي هذه السلوكيات التي انغمس فيها جانب من الشباب التلمذي.ولتباحث سبل معالجتها للحد من تفشيها في صفوف التلاميذ. طبعا في غياب إحصائيات حديثة وبيانات رقمية علمية تضبط بدقة تفشي الظاهرة وتشخص أسبابها وتستشرف حلولها وقنوات معالجتها قد لا ييسر رسم الصورة الحقيقية للظاهرة كما لا ييسر طرح المقاربة الأفضل والأنجع ل "فرملة" نزيف انتشارها وبث ثقافة تقوي المناعة ضد سرعة عدوى فيروس هذه الآفات..لكن مع ذلك يبقى تناولها وتخصيصها بيوم دراسي في إطار فعاليات أسبوع وطني أول من نوعه لمكافحة هذه السلوكيات بمبادرة من الوزارة المشرفة على الشأن التربوي والتي تمثل فضاءاتها مسرحا لهذه الظواهر نقطة إيجابية من حيث التنبه لخطر الإنذار والانطلاق في دراسة الموضوع فهل استوفته فعاليات الأسبوع التحسيسي حقه؟ إذا ما استندنا لإفادات عديد التلاميذ كنا استمعنا إلى أرائهم خارج المقر الحاضن لليوم الدراسي حول مبادرة الوزارة يبدو أن الرسالة لم تصل فما بالك بمضمونها باعتبار أنهم كانوا آخر من يعلم بتنظيم هذا الأسبوع ولم يقع تداول الحوار حول نقاطه داخل المعاهد التي ينتمون إليها. وحتى النزر القليل جدا من الشباب التلمذي الذي واكب الندوة أبدى امتعاضا لعدم الترويج الجيد للموضوع نظرا لخطورته البالغة على مستقبل أجيال. في هذا السياق يعتبرأنور السافي أنه باستثناء مجموعة قليلة من أنداده من المنتمين لأحد النوادي لم يكن معظم تلاميذ معهده على علم بفعاليات هذا الأسبوع رغم إدراكهم لحدة الظاهرة وضرورة التصدي لها عبر الحوار و لغة الإقناع بعيدا عن المعالجة الأمنية التي لا تمثل الحل الرادع من السقوط ثانية في أتون هذه الآفة خاصة في الوسط التلمذي. ولئن تختفي إلى حد الآن في نظر أنور أنواع تعاطي المخدرات الثقيلة داخل المؤسسة التربوية فقد حذّر من تجلياتها الأولى المعروفة وهي "التحربيش والزطلة" والتي يتعين معالجتها وتطويقها قبل تطورها إلى أشكال تستعصي مكافحتها لاحقا. مشددا على دور الأسرة التي يعتبرها المسؤولة الأولى على حماية أبنائها من الوقوع في براثن هذه الآفات. وبسؤاله عن مدى فشل المدرسة في تطويق ظاهرة تعاطي المخدرات رد على الفور " قد تكون فعلا فشلت في هذاالمسعى وهذا في رأيي خلل وجب تقويمه لكن ما أخشاه هو ان لا تكون على غير دراية ووعي بالظاهرة وهذا أخطر." ناقوس انذار الحديث عن خلل في دور المدرسة كان تعرض له أيضا رئيس الجمهورية محمد المنصف المروزقي لدى افتتاحه أشغال اليوم الدراسي بمقر دار الكتب الوطنية حيث يرى في ظاهرة المخدرات والتدخين والكحول في الوسط المدرسي وفي الوسط المجتمعي عموما انذارا بوجود خلل في المنظومة التربوية وفي العلاقات الإنسانية في المجتمع وجب معالجته وتطويقه بجهد جماعي عبر مختلف الهياكل الوزارية وبمشاركة المجتمع المدني وفي مقدمتهم الأولياء. وأكد على أهمية أن تكون معالجة أسباب الظاهرة في المقدمة باعتبارها الطريق الأنجع للتقليص من انتشارها دون ان يغفل عن الإشارة إلى أن طريق السيطرة على هذه السلوكيات طويلة وشاقة لكنها غير عصية. تطوير المنظومة التشريعية لأن المعالجة جماعية أو لا تكون فقد تحدث وزير الصحة عبد الطيف المكي عن الجهود المشتركة الرامية إلى وضع استراتيجية وطنية لمكافحة ظاهرة تعاطي المخدرات وغيرها من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر،في إطار عمل أفقي ينطلق من الأسرة إلى التربية والصحة والداخلية والثقافة والمجتمع المدني لتفعيل آليات تطويق الظاهرة التي لا تزال هشة ويمكن بالتالي التقليص منها. وبخصوص البعد العلاجي ألح المكي على ضرورة تطوير المنظومة التشريعية التي قال إنه يتعين تقييمها للتفريق والتمييز بين المدمن المتعنت والمدرك لفعله والمدمن الضحية." وأشار إلى أهمية التكثيف من عدد مراكز معالجة الإدمان. وفي رده عن سؤال "الصباح "حول اللخبطة التي أثارتها الأرقام المقدمة من وزارة الصحة حول تفاقم ظاهرة المخدرات بالوسط المدرسي وتكذيبها من قبل وزارة التربية بيّن الوزير أن الدراسة الأولية لتقصي تفشي المخدرات تمت فعلا في نسخة تجريبية أولية لكن نتائجه تعلقت أساسا بإقرار مجموعة هامة من التلاميذ بمصادر التزود بالمخدرات وليس تعاطيها وهذا ما وجب التنويه له. ناقوس الخطر على هامش اللقاء الدراسي صرح وزير الثقافة المهدي المبروك ل"الصباح" بأن الحضور المسجل في الندوة يعكس أهمية الظاهرة ووجوب دق جرس إنذارها.مبديا ثقة في التوصل إلى تشخيص خيوطها وأسبابها الموكولة أساسا إلى الخبراء والمختصين الذين حضر جانب منهم اللقاء.واعتبر أن التعامل المشترك هو السبيل الأوحد والأمثل لتطويق ظاهرة تعاطي المخدرات وغيرها من السلوكيات. ولئن تعد المؤسسة التربوية في الواجهة الأمامية باعتبارها المسرح الرئيسي للظاهرة فإنها ليست بمعزل عن محيطها.بل يواجه التلميذ في ساعات الفراغ وفي غياب قاعات المراجعة مخاطر كبرى في الشارع الذي يحتضنه على مدى الساعات الجوفاء. وعن الدور أو المساهمة التي يمكن أن تقدمها وزارة الثقافة للحد من مخاطر الشارع أورد المهدي المبروك أن المؤسسات الثقافية والشبابية يجب وضعها على ذمة الشباب التلمذي. كما أن التعبيرات الفنية بأشكالها الإبداعية المختلفة يمكن أن تكون مقاربة جيدة للتعاطي والتواصل مع الفئات المهمشة. تغير الأشخاص ولم تتغير المقاربة كان على وشك المغادرة عندما التقيناه وتبدو علامات الضجر والملل من الشكل التنظيمي للتظاهرة ومن التعاطي المنهجي والمضموني مع محاورها جلية من خلال تقييمه لليوم الدراسي المنتظم أمس. إذ يرى الباحث في علم الإجتماع التربوي طارق بالحاج محمد أن طرح الموضوع بهذا الشكل مغلوط من اساسه سيما أنه يستند إلى مقاربة قديمة وقع إعادة إحيائها،فقد تغير الأشخاص دون أن تتغير المقاربة التي أثبتت فشلها سابقا فما بالك اليوم في الظرف العام المتوتر والمحتقن."حتى الأرقام المقدمة للتدليل على ظاهرة انتشار المخدرات والمسكرات وغيرها قديمة ولا تعكس الواقع الحالي.." يقول الخبير البيداغوجي الذي يرى أن المطلوب بإلحاح اليوم هو الفعل في الواقع وتغييره وليس توصيفه لأن الجميع متفق على الظاهرة ولكن لا يوجد من يحدد سبل تغييرها. في إطارتشخيص حقيقيي علمي ومحايد يبتعد بالشأن التربوي عن الخطاب السياسي. وفي ذات السياق المنتقد لفعاليات اليوم الدراسي عرج المتحدث عن الغياب البارز للأطراف التربوية التي كان ينتظر حضورها في هذا اللقاء باعتبارها فاعلة بصفة مباشرة في إثراء الحوار والمعالجة لظاهرة الادمان في الوسط المدرسي من أساتذة ومربين ومرشدين في الإعلام والتوجيه..كما تعتبر الحلقة المحورية في اللقاء وهو التلميذ مفقودة ويتم الحديث عنه بصيغة الماضي والحال أنه -حسب ذات المتدخل- المعني والضحية. على صعيد آخر شجب بلحاج المقاربة الأمنية في التعاطي مع ظاهرة الإدمان بالوسط المدرسي قائلا إنها لا يمكن أن تكون إلا تأبيدا لتلك الحالة وبالتالي يصير العود أمرا شبه قدري خاصة إذا ما عجزت المؤسسة التربوية عن الفعل. لغة الرقام في غياب دراسات حديثة علمية تشخص حجم ظاهرة تناول المخدرات بأصنافها تم الاعتمادعلى أرقام وإحصائيات قديمة تعود دراساتهاإلى سنة 2000و2005 في انتظار تحيينها وإثرائها ببحوث ميدانية جديدة تعتزم الصحة والتربية التعاون على انجازها. فبخصوص تجربة الكحول تشير الإحصائيات المقدمة إلى أن 20بالمائة من الشباب المتمدرس يتعاطونها وتتضاعف فيها نسبة الذكور عن الإناث أربع مرات.ويتعاطى 6بالمائة من العينة المستجوبة حينها وتعد 4300شاب بين 12و18سنة الكحول باستمرار. اللافت أن هذه النسبة لا تختلف عما هي عليه خارج الوسط المدرسي وهو ما يبرز عجز المؤسسة التربوية عن التصدي للظاهرة. بالنسبة للمخدرات واستنادا إلى دراستين أنجزتا سنتي 1999و2005و تهم التكوين المهني فإن نسبة المتعاطين باستمرار للمخدرات تناهز 3,3بالمائة من الشباب التلمذي وهي نفس النسبة المسجلة لدى الشباب غير المدرسي. وتحتل "الزطلة" المرتبة الأولى في قائمة المخدرات المستهلكة تليها اللصاق "الكولا" ثم الحبوب "التحربيش". وتأتي المخدرات عموما في المرتبة الثالثة بعد التدخين والكحول. ملف أكيد على غاية من الأهمية وجب تجند كافة مكونات المجتمع لمعالجته وفي المقدمة الأسرة .