سعيد للوزير الاول الجزائري.. العمل المشترك وحده يمكننا من مواجهة كافة التحديات    أخبار النادي الافريقي ...مَساع لتأهيل حسن رمضان وتصعيد في قضية «الدربي»    شرف الدين الزيدي (المدير الفني المساعد في فرع الشبان بالنادي البنزرتي)...الاهتمام ينصبّ على الأكابر والشبان خارج الاهتمامات    هيئة الصيادلة تراسل رئيسة الحكومة للتدخّل العاجل: تحذيرات من تهديد يطال المنظومة الدوائية وحقّ المرضى في العلاج    بنزرت... التصدّي للتهريب وحماية قطيع الأغنام من المخاطر ضروري    ستوفّر 1729 موطن شغل: توقيع 3 اتفاقيات لتمويل مشاريع في تونس    من أجل جرائم صرفية وديوانية .. 33 سنة سجنا لرجل الأعمال يوسف الميموني    لتحسين التزوّد بالماء في أرياف نابل... مشاريع كبرى تدخل حيّز التنفيذ    بنقردان.. العثور على جثتي شابين مفقودين منذ اكثر من شهر تحملان اثار عنف    أيام قرطاج السينمائية: عندما تستعيد الأفلام «نجوميتها»    خطبة الجمعة.. أعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    عاجل/ نشرة متابعة للوضع الجوي خلال هذه الليلة وصباح الغد    عَنّفَ إمرأة من اجل معلوم ركن سيارتها.. الحكم بالسجن ضد حارس مأوى عشوائي بالبحيرة    عاجل/ كأس العرب: أسود الأطلس يقصون سوريا ويعبرون الى نصف النهائي    في أولى جلسات ملتقى تونس للرواية العربية : تأصيل مفاهيمي لعلاقة الحلم بالرواية وتأكيد على أن النص المنتج بالذكاء الاصطناعي لا هوية له    الصحة العالمية تحسمها بشأن علاقة التلاقيح بمرض التوحّد    ليبرتا ومصرف الزيتونة: تمويل العمرة متاح للجميع وبشروط سهلة    بطولة القسم الوطني "أ" للكرة الطائرة: برنامج مباريات الجولة الخامسة    الليلة: أجواء باردة وضباب كثيف بأغلب المناطق    تونس تسجل نموًا ملحوظًا في أعداد السياح الصينيين بنهاية نوفمبر 2025    قبل الصلاة: المسح على الجوارب في البرد الشديد...كل التفاصيل لي يلزمك تعرفها    تونس... تحصد لقب عاصمة السياحة العربية    طبيب أنف وحنجرة يفسّر للتوانسة الفرق بين ''الأونجين'' و الفيروس    صدر بالمغرب وتضمن حضورا للشعراء التونسيين: "الانطلوجيا الدولية الكبرى لشعراء المحبة والسلام"    توزر: ضبط كافة المواعيد المتعلقة بإتمام إجراءات الحج    هيئة الصيادلة تدعو رئيسة الحكومة الى التدخّل العاجل    عاجل/ وفد حكومي جزائري يصل الى تونس..    هل الحكومة تنجّم تفرض نفس نسبة الزيادة على القطاع الخاص؟ الإجابة تنجّم تفاجّئك!    شركة تونس للطرقات السيارة تواصل أشغال التشوير لضمان أعلى مستويات السلامة    طبرقة وعين دراهم تولّي قبلة الجزائريين: أكثر من مليون زائر في 2025!    عاجل/ قائمة المنتخب الوطني المدعوة لكان المغرب 2025..    عاجل - ترامب في تصريح صادم : يختار هؤلاء ويطرد ملايين من دول العالم الثالث    زوجين طاحوا في فخ دار وهمية: و1500 دينار ضاعوا..شنيا الحكاية؟    اختراق هاتفك بات أسهل مما تتوقع.. خبراء يحذرون..#خبر_عاجل    عاجل/ اسرائيل تحسمها بخصوص سلاح "حماس"..    تونس تسجل "الكحل العربي" على قائمة اليونسكو للتراث العالمي    نشط ضمن تنظيم انصار الشريعة وكان الناطق الرسمي باسم السلفية. الجهادية : 55 سنة سجنا في حق بلال الشواشي    لحاملي ''الباسبور التونسي'' : شوفوا كفاش تتحصلوا على فيزا أمريكا خطوة بخطوة    خولة سليماني تكشف حقيقة طلاقها من عادل الشاذلي بهذه الرسالة المؤثرة    عاجل : عائلة عبد الحليم حافظ غاضبة و تدعو هؤلاء بالتدخل    صادم: يعتدي على زوجته وعائلتها..ويختطف ابنه..!!    هام/ هذا موعد الانتهاء من أشغال المدخل الجنوبي للعاصمة..#خبر_عاجل    كأس العرب: مدرب المغرب ينشد العبور لنصف النهائي.. ومدرب سوريا يؤكد صعوبة المهمة    بدأ العد التنازلي لرمضان: هذا موعد غرة شهر رجب فلكياً..#خبر_عاجل    النوم الثقيل: حاجة باهية ولا خايبة؟    جوائز جولدن جلوب تحتفي بالتونسية هند صبري    الدورة الخامسة لمعرض الكتاب العلمي والرقمي يومي 27 و28 ديسمبر 2025 بمدينة العلوم    حذاري: 5 أدوية تستعملها يوميًا وتضر بالقلب    رابطة أبطال أوروبا : فوز بنفيكا على نابولي 2-صفر    عاجل: توقف حركة القطارات على خط أحواز الساحل    عاجل:تونس على موعد مع أمطار قوية..التفاصيل الكاملة..وين ووقتاش؟!    واشنطن تطلق تأشيرة "بطاقة ترامب الذهبية" للأثرياء الأجانب    فتح الحسابات بالعملة الأجنبية: من له الحق؟.. توضيح رئيس لجنة المالية بمجلس النوّاب    الموعد والقنوات الناقلة لمباراة المغرب وسوريا في ربع نهائي كأس العرب    هيئة أسطول الصمود التونسية لكسر الحصار عن القطاع تقدم تقريرها المالي حول حجم التبرعات وكيفية صرفها    مادورو.. مستعدون لكسر أنياب الإمبراطورية الأمريكية إذا لزم الأمر    عاجل: دولة عربية تعلن تقديم موعد صلاة الجمعة بداية من جانفي 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابتزاز الدستور باسم الإسلام 2-2
نشر في الصباح يوم 15 - 01 - 2013

- في الجزء الاول من مقاله ختم الكاتب بسؤال: من سيتولى عملية تأويل المقدس وتقدير مستوى حمايته في ظل عدالة نسعى أن تكون متناغمة مع المعايير الدولية؟
وفي الجزء الثاني يقول:
"إن ذاتية تعريف مقدس مفتوح على كل التأويلات هو مكمن الخطربالنسبة لحرية التعبير والإبداع والاعتقاد".
أما الإشكال الثاني في هذا الفصل يتعلق في حصر حياد المساجد في مستوى الدعاية الحزبية؛ مما يعني أنه بالإمكان الدعاية السياسية فيها في إطار جمعيات مثلا أو حتى بشكل فردي ولكن ليس في إطار الأحزاب وهذا ما يحصل اليوم في مساجد بدأ يهجرها المصلون العاديون نتيجة إغراق خطب الجمعة بالدعاية السياسية التي وصلت حد الدعوة إلى العنف. وكلما ثار تحفظ ضد هذا التهرب من الحيادية الفعلية للمساجد إلا وقام نواب حركة النهضة بالرد على منتقديهم بالقول إن للمساجد نفس الوظيفة في التاريخ الإسلامي وهي تتعلق بالشأن العام وبما أن السياسة من الشأن العام فلا يمكن تحييدها من هذا الجانب . وقد ذهب البعض منهم أكثر من ذلك عند القول بضرورة تحييد كل الجمعيات والنقابات في حال تحييد المساجد؛ مثل هذه التبريرات تحمل كذلك العديد من المغالطات.
أولا: إن تعويض "الدعاية الحزبية" ب "الدعاية السياسية" لا يمنع الأئمة من الحديث في الشأن العام لكن دون الدعاية السياسية التي تصب في مصلحة طرف سياسي بعينه. المشكل هو في قدرة الأئمة على الحديث في هذه المواضيع دون السقوط في دعاية سياسية وحزبية. وبإمكان الإمام أن يتكلم عن التنمية وعن الأمن وعن الديون مثلا بما يخدم قلب المؤمن لا بما يخدم طرفا سياسيا بعينه.
ثانيا: هل يتعارض تحييد المساجد عن الدعاية السياسية مع الإسلام كما يدعيه نواب النهضة؟ بالتأكيد لا يوجد أي تعارض والمرجعية القرآنية تؤكد ذلك. فالآيات الوحيدة التي ورد فيها دور المساجد هي التالية: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا..."(البقرة 114) "...وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا" (الحج 40) "وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا" (الجن 18) "قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ" (الأعراف 29) "لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ" (التوبة 108).
الأمر واضح من خلال جملة هذه الآيات والتي نرى فيها بدون أدنى لبس إشارة واضحة إلى أن للمساجد دورا لذكر الله،وللدعوة إليه، وللتقوى وللطهارة. فلماذا يتكئ نواب النهضة إذن على ما يسوغون أنه مرجعية إسلامية لموقفهم من المساجد في نص الدستور؟
المسألة وبوضوح هي سياسية وليست دينية وهو مثال واضح على ابتزاز الدستور باسم الإسلام بهدف احتكار تيار سياسي لفضاء عمومي يمكن توظيفه للدعاية له وضد خصومه.
ما نشهده اليوم من خلال تحول عديد المساجد من دورلله وللمسلمين إلى دور للإسلاميين يعطي صورة لفوضى دور العبادة إن لم تحيد المساجد عن الدعاية السياسية.
ثالثا: ومن وجهة نظر تاريخية كان للمسجد أدوار متعددة لكن كان ذلك في سياق تاريخي عام تميز بكليانية الدين في كل الثقافات. أي أن المجتمع كان هو الدين والدين هو المجتمع وكان من الطبيعي أن تمرعبر المسجد عديد المشاغل الحياتية المتداخلة مثل التعليم والاستراحة والدعوة لمسائل تتعلق بالحكم. أما مجتمع اليوم فيتميز بتعدد الأنشطة الاجتماعية وبتخصصها وباستقلاليتها وبتوزيعها في أطر وفي فضاءات ومؤسسات متخصصة وأكثر عقلانية.
إن السياسة التي كانت تعني في الزمن الغابر مسائل السلطان وتداول الأسر على الحكم أصبحت اليوم مرتبطة بتسيير الدولة في سياق نظرة وظيفية لها أطرها وفضاءاتها المخصصة لذلك وليس في إطار إشكالية السلطان الديني.
إن خروج السياسة باعتبارها نشاطا اجتماعيا أصبح نوعا من الحتمية التي يفرضها ما يسمى في علم اجتماع الأديان بالتمايزالوظيفي والذي نجده في كل المجتمعات في يومنا حيث تهتم النقابة أساسا بالمطلبية الاجتماعية للمؤجرين كما تهتم المدرسة بتربية النشء والأحزاب بالمنافسة على تسييرالشأن العام والمساجد كذلك بالتصرف الاجتماعي في المعتقد.
أما النقطة الأخيرة التي لا بد من الإشارة إليها في هذا السياق فتتعلق بما ورد في الفصل 148 من المسودة والذي يمنع تنقيح بعض الفصول ومن بينها "الإسلام باعتباره دين الدولة".
مثل هذه الصياغة تتجاوزالاتفاق الحاصل حول البند الأول من الدستور والذي يعتبرالإسلام دين تونس ككل وليس دين الدولة كجهازوكآلية لتسييرالشأن العام. لقد ترسخ هذا الفهم منذ النقاش في المجلس التأسيسي الأول عندما طرح النائب محمد الغول (عن الاتحاد العام التونسي للشغل) سؤالا حول مصيرالأقليات الدينية وحقها في الوظيفة العمومية إذا اعتبرنا جهاز الدولة مسلما (جلسة 28 جانفي 1958).
إن تفكيك خطاب حزب حركة النهضة، سواء من خلال السجال حول الدستورأومن خلال مواضيع أخرى، يبين أن المنحى الأصولي يبقى هو القائم في فكرها، أوفي فكر التيارالفاعل ضمنها، بالرغم من بعض المواقف السياسية الآنية هنا وهناك والتي قد توحي بنوع من الانفتاح. وفي هذا السياق أعتقد أن ادعاء حركة النهضة بأن فكرها هو امتداد للمدرسة المقاصدية هومن باب انتحال الصفة لا أكثر. وما علينا إلا أن نقارن موقف الحركة من موضوع السنة ومرجعية الحديث مع جرأة فكرالطاهر بن عاشور التي أوردها في كتابه "مقاصد الشريعة الإسلامية".
إن التعارض بين الفكر الدستوري الحديث والإسلام تعارض مفتعل ناتج عن مقاربة إيديولوجية للإسلام وناتج عن خلفيات سياسية. والحال أن القراءة التاريخية والمقاربة المعرفية المعتمدة على تاريخ الأديان المقارن وعلى علم اجتماع الأديان وعلى الأنثروبولوجيا الدينية تبين أن لا تعارض بين الإسلام والأنسنة والعقلانية والحرية وهي من بين أسس حداثة اليوم (راجع هشام جعيط، أزمة الثقافة الإسلامية).
لقد كان على أعضاء المجلس التأسيسي، ومثلما استأنس برأي خبراء في عديد المجالات ولو شكليا في بعض الأحيان، أن يستمع إلى متخصصين في الدراسات الإسلامية وفي التاريخ الإسلامي وفي علم اجتماع الأديان خاصة ولنا في تونس ثروة بأتم معنى الكلمة في هذا المجال تمكننا من الحديث عن مدرسة تونسية قائمة.
إن مقاربات هؤلاء حول الإسلام لضامنة لإدراج التجربة التونسية والثقافة العربية والإسلامية في الحداثة الإنسانية دون أي عقدة أوخوف ولكن على هؤلاء المتخصصين أن يخرجوا نسبيا من عزلتهم المعرفية الأكاديمية ويقدموا رؤيتهم في هذا المجال في شكل مشروع يسمح للرأي العام وللمواطن العادي أن يفهم طبيعة النقاش ويؤهله لنقد المقترحات.
مؤرخ وكاتب صحفي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.