ضمن البرنامج الحواريّ الشّهير "قريب جدّا" الّذي ينشّطه مساء كلّ سبت الإعلاميّ اللّبنانيّ جوزيف عيساوي، استضافت قناة "الحرة" العالميّة في لبنان مؤخّرا الشاعر التّونسيّ يوسف رزوقة بصفته أمين عام شعراء العالم بأمريكا اللاّتينيّة و"باحثا في الشّعريّات" وفق ما أشار إليه، هو نفسه، في معرض اعتراضه على كونه "ليس شاعرا"، قاصدا بذلك إضفاء مدلول أوسع على الدّور الوظيفيّ الّذي قد يلعبه شاعر اليوم في الألفيّة الثّالثة..تناول الحوار قضايا تتعلق بالتجربة الشعرية الزّاخرة لرزوقة وعلاقته بالسلطة والحياة السياسية وموقفه من المرأة ومن التكنولوجيا وأثرها في حياته ونتاجه الإبداعي.على امتداد ساعتين، وبين ريبورتاج مصوّر وآخر حول ضيف اللّقاء، استمرّ الحوار، من الألف إلى الياء، في نسق تصاعديّ، ساخن شارك فيه من خارج الأستوديو، عبر الأقمار الصّناعيّة، الشاعر اللّبناني شوقي بزيع الّذي استهلّ حديثه حول الضّيف بقوله "تعتبر تجربة الصّديق يوسف رزوقة من أهمّ التجارب الشعرية العربية الحديثة لا سيّما في تونس فهو يقدم مقاربة جديدة للشعر وصورا مدهشة وغير مسبوقة خصوصا عندما يكون متطابقا مع ذاته حيث أنه شاعر غني وثري لكنني أؤاخذه على محاولته السير باتجاه العالم التكنولوجي وهذا يناقض روح الشعر الفطرية والبدائية والتي تستفيد من البراءة غير الموجودة بالتكنولوجيا".وأشار بزيع إلى أنّ أشعار رزوقة ذات منحيين: الأول داخلي ومنطلق من الذات بصورة تلقائية والثاني مبنيّ على فكرة مصممة مسبقا قائمة على علاقة الشاعر بالتكنولوجيا ليضيف: "وهذا المنحى الأخير بحاجة إلى إعادة نظر ودراسة لأنني أرفض الشعر المنطلق من نظريات مسبقة قصد تطبيقها على اللغة".وعن هذه المراوحة بين الشعر والتكنولوجيا، قال رزوقة: "نعم، أنا أزاوج بين الكلمة والمنتج التكنولوجي لأنني في النهاية جزء من هذا العالم الذي أصبح عبارة عن قرية كونية ولا أبالغ إذا قلت إننا نعيش جميعا في ظل جمهورية مايكروسوفت، لذا من حقي، بل من واجبي أن أسوّغ هذا المنتج التكنولوجي وأن أقرّبه من الشعر والأدب".وأكّد رزوقة أنّه لا يرغب في أن يكون شاعرا بل باحثا في الشعريات وأضاف "أحاول أن أكون الناطق الرّمزي باسم المرحلة وأن أعبّر عن كل التداعيات الإنسانيّة المختلفة ومنها ما هو مرتبط بالثورة التكنولوجية التي نعيش في ظل تأثيراتها وهكذا أخلق تواصلا بين العلوم والآداب بردم الهوّة بينهما". سياسة الشاعر، دولة الكلمات وعن علاقة رزوقة بالسياسة والسلطة، سأله عيساوي فأجاب "أنا أتعامل بودّ مع السياسة ولا يوجد عندي عقدة تجاه السلطة والدولة لأن الشاعر في النهاية جزء من النظام العالمي الجديد بكل تجلياته ولقد هاجمني الكثير من المثقفين في تونس كوني عضوا في حزب التجمع الدّستوريّ الديموقراطيّ لكنني رددت على كل هؤلاء بما مفاده أنني لست يساريا ولا يمينيا وإنما شاعر حرّ".وأكد رزوقه أنّه يسعى للاستفادة من عمله بالسياسة من أجل تحقيق مكاسب للمثقفين في بلاده، مشيرا إلى رضاه عن مستوى الحريات العامّة وحرية الرأي والتعبير والنشر في تونس."سيماؤنا على وجوهنا وعلينا أن نحلّل بالسيميولوجيا كلّ شيء فنحن إزاء أزمة أكسيولوجيا مزمنة، اختلطت فيها معايير القيم" قال رزوقة ليخلص إلى الإقرار بأريحيّة تامّة بأنّه لا يرى حرجا في الانتماء إلى حزب حاكم في إشارة صريحة إلى التّجمّع الدستوريّ الديمقراطيّ على خلفيّة أنّه حزب له مقولات فكريّة وبرنامج طموح يتناغم وتطلعاته، محتكما إلى ابن خلدون الّذي يرى أنّ "الخير أساس السّياسة" وإلى جدّه نيتشه (هكذا قال) في طرحه الاستشرافي بقوله "كفى! سيجيء يوم يصبح فيه للّسياسة معنى آخر" وهو ما فسّره رزوقة بلزوم المشاركة السّياسية تواصلا مع راهن المرحلة ليرى أنّ السّياسة، إلى جانب كونها فنّ التّعاطي مع الممكن، هي فنّ التّعاطي مع اللاّ متوقّع.. الثأر من السنوات العجاف أمّا لماذا اعتزل الشعر لعشرة أعوام كاملة فيوضح رزوقة أن ذلك جاء بسبب امرأة استكثرت عليه أن يكون له حضور في مجال ذي صبغة سياسية ليكون موقفها ذاك والذي اختزلته بقولها: "لم يعد ينقصنا إلاّ الشّعراء" بمثابة القشّة التي قصمت ظهر الشاعر فيه فتوقف عن كتابة الشعر من 1992 إلى حدود 2002 ليعود إلى سالف حبّه الأوّل ويثأر من تلك السنوات العشر العجاف. وسئل رزوقة عن "بيت الشّعر" التّونسيّ فأجاب: اغتبطت كثيرا لانبعاث هذا الفضاء بإشراف صديقنا أولاد أحمد، شاعر مقتدر، جميل وصعلوك في آن، ومصدر فرحتي هو تطلّعي وقتها إلى أفق ما، من خلال هذا الفضاء ثمّ آلت إدارة هذا البيت، بعدما اعتذرت أنا سنة 1996 عن أن أحلّ محلّ أولاد أحمد، إلى صديقنا المنصف المزغنّي الّذي يديره إلى الآن وعن رأيه في إدارة هذا البيت، أجاب: بقطع النّظر عن الجانب التّواصليّ والإنسانيّ مع مديره، فإنّي لا أرى في ما أرى أداء جيّدا كما أريد أنا وكما تريد المرحلة فقط جاد المنصف المزغنّي يما عنده. حسان الباهي (ناقد وجامعي جزائري)