تونس الصباح: بفضاء مبنى دار الكتب الوطنية الجديد المنتصب فوق احدى هضاب ساحة القصبة التاريخية وبحضور عدد كبير من رجال الثقافة والسياسة والاعلام يتقدمهم الاستاذ عبد الرؤوف الباسطي وزير الثقافة والمحافظة على التراث وسفير دولة فلسطينبتونس انتظم مساء امس الاول موكب احياء اربعينية الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش. هذه الأمسية التي اجتمع على تنظيمها كل من وزارة الثقافة والمحافظة عل التراث وسفارة دولة فلسطينبتونس و«بيت الشعر» والمكتبة الوطنية استقطبت اعدادا كبيرة من المثقفين من أحباء الشعر الذين جاؤوا لا فقط لاحياء ذكرى شاعر فلسطيني كبير أثرى المدوّنة الشعرية العربية خاصة والعالمية عامة بخطاب شعري نضالي عالي الجودة لفظا وصورا ومعنى وانما ايضا للاستماع للشاعر الكبير سميح القاسم ابرز ضيوف الامسية بوصفه احد عمالقة الشعر العربي الحديث من جهة وبوصفه ايضا صديقا وأخا ورفيق درب للشاعر الراحل محمود درويش لم تستطع سنوات الترحيل والتهجير والابعاد أن تقطع صلة الرحم الشعري والنضالي والوطني التي تجمعهما.. والتي تلخّصها كلمة «فلسطين» المقدّسة التي هي عندهما بمثابة «كلمة السر».. بل والجهر أيضا.. كان هنا... السيدة سامية القمرتي مديرة المكتبة الوطنية تحدّثت في بداية الامسية واشارت الى مبنى المكتبة الوطنية الجديد الذي يحتضن موكب احياء أربعينية الشاعر محمود درويش قد سبق له ان تشرّف باستقبال محمود درويش جسدا وروحا وذلك بمناسبة تسلمه جائزة 7 نوفمبر للابداع التي منحه اياها رئيس الدولة تقديرا لعطاءاته في مجال الثقافة ولدوره النضالي في تاريخ حركة التحرير الوطني الفلسطيني. مديرة دار الكتب الوطنية اضافت ان روح الشاعر الكبير محمود درويش ستظل تبعا لذلك تسكن هذا الفضاء وستظل ترفرف دائما فيه مؤكدة بان المكتبة الوطنية ستحفظ الى الأبد آثار ومؤلفات هذا الشاعر الكبير سواء منها الشعرية او النثرية. المنصف المزغني.. حزين اما مدير «بيت الشعر» الشاعر المنصف المزغني فقد بدت على وجهه امارات الحزن وهو يقدم للأمسية ويسرد على مسامع الحاضرين بعض ذكريات فضاء «بيت الشعر» التونسي مع زيارات محمود درويش لهذا الفضاء غير المسبوق في تاريخ المؤسسات الثقافية في العالم العربي الشاعر المنصف المزغني لم يكن «ثرثارا» في هذه الامسية وذلك على غير عادته واكتف بدعوة الضيوف لالقاء كلماتهم. جميلة الماجري، أولاد أحمد والمنصف غشّام ثلاثة شعراء تونسيون تداولوا على منبر الامسية ليقرأوا كل على طريقته وبأسلوبه «نصوصا» بامضائهم مهداة لروح محمود درويش.. فمن الشاعرة جميلة الماجري مرورا بالشاعر المنصف غشام ووصولا الى الشاعر اولاد أحمد وصلت لروح الشاعر كلمات مختلفة في لغتها واسلوبها ولكنها صادقثة في معانيها ونبيلة في نواياها. طودا شامخا ونبعا متدفّقا الأستاذ عبد الرؤوف الباسطي وزير الثقافة والمحافظة على التراث تحدّث في كلمته التي القاها في الموكب من بين ما تحدّث عما اسماه «عبقرية الشاعر» محمود درويش مؤكدا أن في شعر هذا «الطود الشامخ والنبع المتدفّق والمنهل السخي تأصيلا للكيان وتقدير للذات وتوقا الى التجاوز وتطويعا للغة الضاد وتوليد للمعاني والصور.. الامر الذي ارتقى بفنه الشعري الى اعلى مراتب الجمالية والذوق والتأثير وجعله يبلغ العالمية والكونية..» لم يمت.. لم يمتْ! الموكب بلغ ذروة حركيته ومشهديته وعمقه مع اعتلاء الشاعر سميح القاسم للمنبر ليدلي بكلمته التي انتظرها الحاضرون بشوق.. سميح القاسم فاجأ الجميع بالنبرة المرحة لكلمته التي القاها والتي مهّد بها ومن خلالها لقراءاته الشعرية في الموكب.. «أنا لست هنا لرثاء محمود لانني لم أتعوّد على درويش الا حيا مفعما بالحياة.. وما موته الا مقلب من مقالبه الكثيرة.. فهو موجود في القضية وموجود في الذكريات..» بهذه الكلمات افتتح الشاعر الكبير سميح القاسم كلمته وذلك قبل ان يقرأ على مسامع الحضور قصيدة «تغريبة» التي تصوّر هول حصار بيروت قبل مغادرة الفلسطينيين الى تونس.. وهي قصيدة سبق لسميح ان قرأها على مسامع درويش في امسية شعرية مشهودة جمعت بينهما بتاريخ سنة 1994 احتضتها المسرح البلدي بتونس العاصمة. سميح القاسم وهو يعيد قراءة هذه القصيدة التي اطلق عليها اسم «تغريبة محمود درويش» كان من حين لاخر يدير ظهره للحضور لينظر في صورة عملاقة للشاعر الراحل محمود درويش كانت معلقة على جدار القاعة ويتوجه اليه بالخطاب تماما كما يتوجه احدنا بالخطاب لحي حاضر بيننا.. هذه القصيدة الخالدة التي يقول مطلعها: لبيروت وجهان.. وجه لحيفا ونحن صديقان.. سجنا ومنفى قطعنا بلادا وراء بلاد وها نحن في تعتعات الدوار نعود.. استمع اليها الحضور بانتباه وخشوع كما استمعت اليها روح محمود درويش التي كانت حاضرة في تلك الليلة.. علما بأن موكب أربعينية الشاعر الراحل محمود درويش بفضاء المكتبة الوطنية اشتمل ايضا على معرض وثائقي ضم آثار الراحل الشعرية والنثرية وعروض فيديو.