سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأموال "المخفية" في البنوك السويسرية لا حصر لها.. واسترجاعها رهين دبلوماسية ذكية ومتعاونة محمد بن هندة رئيس جمعية التونسيات والتونسيين بسويسرا ل"الصباح":
- محمد بن هندة ناشط في الحقل الثقافي أدار منذ 1993 مركزا ثقافيا عربيا يسمى "الديوان" في مدينة جنيف يتضمن مكتبة وفضاء للأنشطة الفنية والفكرية والأدبية. وهو عضو مؤسس ورئيس لجمعية التونسيات والتونسيين التي تأسست منذ 1996 في سويسرا لتشتغل على قضايا المهاجرين، ودعم الحريات وحقوق الإنسان والحركات الاجتماعية والشبابية والنسوية داخل تونس. ولأن جمعية التونسيات والتونسيين في سويسرا هي التي قدمت يوم 15 جانفي 2011 طلب تجميد أموال الرئيس السابق وأصهاره للحكومة السويسرية بناء على الفصل 184 من الدستور السويسري وهي التي قامت بمختلف الضغوطات والتحركات ليكلل نضالها بصدور قرار التجميد يوم 19 جانفي 2011 وبأجل يدوم 3 سنوات . ولأننا دخلنا في سنة الثالثة او الحاسمة في موضوع الأموال المنهوبة ولمعرفة مدى تفاعل الحكومة التونسية الحالية وتنسيقها مع الجمعية في سويسرا التقت "الصباح" السيد محمد بن هندة رئيس جمعية التونسيات والتونسيين بسويسرا لتسأله عن آخر تطورات عملية التجميد واسترجاع الأموال التي تم نهبها من الشعب التونسي فكان اللقاء التالي: * تطالبون منذ هروب بن على بيوم واحد باسترجاع الأموال المنهوبة ما المقصود بها من نهبها وممن نهبت وما هي قيمتها بالدينار التونسي؟ - هي الأموال الفاسدة المكتسبة بطرق غير مشروعة. بن علي وبطانته استغلوا نفوذهم فنهبوا ووظفوا الإدارة وحولوا وجهة القروض المخصصة للتنمية وسطوا على أراضي الدولة وأملاك الغير وخلقوا التجارة الموازية التي دمرت نسيجنا الاقتصادي على ضعفه. كل ذلك من أجل ثرائهم الخاص. وهذه الأموال تعود للشعب التونسي. أما من حيث حجمها، فالمبالغ التي توجد في حسابات اسمية لدى البنوك لا تتجاوز المائة مليون دينار. أما الأموال المخفية فيبدو أن رقمها كبير جدا وإذا كانت "فوربس" المجلة المتخصصة دوليا في الشأن المالي قد قدرت المبالغ التي يمتلكها بن علي وعائلته فحسب ب 40 مليار دينار، فان سويسرا تحتضن نسبة هامة من هذه المبالغ والتي تبلغ حسب تقدير الأستاذ "مونفريني" المحامي الذي كلفته الدولة التونسية، ما يفوق 8 مليار دينار. *هل إن كل ما يملكه أعضاء حكومة ورموز النظام السابق يعتبر من الأموال المنهوية؟ -على القضاء -بمنظومته المستقلة التي لازلنا ننتظرها- أن يعطي الأهمية والسرعة المطلوبة لهذه الملفات ويحسم الأمر. المهم أنه هنالك قرائن قوية تدل على الثراء غير المشروع. بن علي ومقربيه قبل استلامه السلطة لم يكونوا في أغلبهم معروفين بثرائهم الفاحش بل كانوا من عائلات متواضعة ومن الطبقة المتوسطة والبعض الآخر كانوا أثرياء ولكن ليس بالصورة التي أصبحوا عليها فيما بعد. لما طلبت جمعيتنا من الحكومة السويسرية تجميد أموالهم، طالبنا أيضا بقلب عبء الإثبات نظرا لقوة القرائن المذكورة، أي بتطبيق مبدأ "من أين لك هذا" عوض مبدأ "الحجّة على من ادّعى". وان أراد هؤلاء الحفاظ على هذه الثروات لصالحهم وتبرئة ذمتهم فما عليهم إلا إثبات شرعيتها وفي الآجال القانونية المحددة. أرى وأنه في تونس أيضا، يجب العمل بهذه الطريقة. على المجلس التأسيسي أن يسن قانونا يعمل على كشف أملاك رموز نظام بن علي وأن يطبق عليهم مبدأ "من أين لك هذا" ولهم إثبات شرعية ملكيتهم في الآجال المحددة. وان كان بلد أجنبي قد قبل بمثل هذا المبدأ في قضية استرجاع الأموال التونسية فمن باب أولى وأحرى أن يطبق هذا المبدأ في بلدنا تونس. *المراحل التي مرت بها عملية المطالبة بهذه الأموال ومن هي الجهة الرسمية التي تطالب بها ومن هي البنوك المعنية ؟ - يوم 15 جانفي 2011 قدمت جمعيتنا طلب تجميد للحكومة السويسرية بناء على الفصل 184 من الدستور السويسري وقمنا بمختلف الضغوطات والتحركات فجاء قرار التجميد يوم 19 جانفي 2011 وبأجل يدوم 3 سنوات. وهذه هي المرحلة الأولى وهي سابقة حيث مطالب التجميد كانت تأخذ شهور أو قل حتى سنوات. المرحلة الثانية تتمثل في انطلاق التعاون القضائي مع سويسرا وهذا بصدد الانجاز من طرف اللجنة الوطنية لاسترجاع الأموال. ولكن هنالك عراقيل قانونية وإجرائية منها بالخصوص الطعونات التي تقدم بها بن علي وأقاربه وأمور شكلية أخرى تتعلق بمطلب التعاون القضائي. ولكن ذللت العديد من هذه الصعوبات بتسهيل سويسرا لبعض الإجراءات الشكلية وبقبول الدولة التونسية كطرف مدني لدى القضاء وخصوصا قلب عبء الإثبات. يبقى الأهم الآن هو معرفة الشركات والأشخاص التي تتخفى وراءها هذه الأموال. فهم بحكم تطور القوانين السويسرية وتضييق الخناق على البنوك، أجبروا على إخفائها بطرق ملتوية. ولهذا على السلطات التونسية أن تتعاون مع جمعيتنا ومع العارفين بتحركات هؤلاء وعلاقاتهم في سويسرا سابقا من أجل الحصول على المعلومات التي تخول فتح التحقيقات والتقدم في هذا الملف. العملية معقدة وتتطلب المثابرة والنفس الطويل. أما بخصوص ال 100 مليون دينار، فأتوقع وأن تونس ستسترجعها في وقت قريب نسبيا. هذا ومنذ أكثر من سنة تم استرجاع طائرة صخر الماطري التي كنا قد اكتشفنا وجودها في مطار جنيف وطالبنا السويسريين بمصادرتها فورا وكان ذلك يوم 20جانفي 2011. *عدد كبير من التونسيين لا يصدقون انه سيتم إرجاع الأموال لان ذلك قد يضر بأسماء البنوك الأجنبية ما هي آخر أخبار المفاوضات في خصوصها؟ - أتفهم ذلك ويمكن تفسيره بمبدأ السر البنكي الذي تتعامل به المؤسسات المالية السويسرية. ولكن المنظومة القانونية في هذا الشأن تطورت شيئا ما ولازالت تتطور. اليوم مثلا أصبح البنك مجبرا على طلب إذن مسبق من السلطات بشأن قبول أو رفض إيداعات مالية لأشخاص لهم علاقة بالحكومات في أي بلد كان. هنالك عاملا آخر لصالحنا وهو وجود عناصر جدية وذوي كفاءة عالية ضمن اللجنة الوطنية لاسترجاع الأموال. طبعا هذا لا يكفي ولكن علينا أن نعتمد على دبلوماسية ذكية ونشيطة ولها روح المبادرة حتى نصل إلى الهدف. السويسريون يتعرضون منذ بضع سنوات إلى حملات دولية كبيرة بخصوص تعاملهم المالي وسويسرا الآن لا تريد بأي شكل من الأشكال أن تطفو هذه المسألة على السطح من جديد. وهذا الوضع يمثل مدخلا مهما لدبلوماسيتنا من أجل المزيد من الضغط لتعاون السلطات السويسرية من أجل كشف الأموال المخفية. كما أنه بإمكانها أن تلعب ورقة التعاون الاقتصادي مع سويسرا لتشجيعها على مزيد من الجهد من أجل استرجاع الأموال. هنالك أيضا ورقة المجتمع المدني والإعلام الذي يمكن تفعيله لصالحنا من خلالنا أبناء تونس الناشطين في سويسرا وفي أوروبا والعارفين بمجمل الخارطة السويسرية والأوروبية وحتى الدولية. ولكن للأسف لم تفهم حكومتنا هذا الأمر وبرغم مطالباتنا المتكررة بأن تقع استشارتنا. على أية حال، أتمنى أن تتغير مجريات الأمور بأسرع وقت ويتحسن الآداء الحكومي وما ضاع حق وراءه طالب. هنالك دول استرجعت أموالها بعد 15 أو 20 سنة. *ما ذا يصلكم عن الوضع في تونس وبأي عين تنظرون هناك إلى مستقبل بلادنا في خضم كل هذه التجاذبات؟ - نحن على علم بكل شيء يحدث ونتابع لحظة بلحظة ونتردد على بلادنا عدة مرات بالسنة ونشعر بمعاناة المواطنين. أضف إلى ذلك أن المسافة التي تفصلنا عن بلدنا ومعايشتنا للعديد من الثقافات والجاليات من مختلف أنحاء العالم تجعلنا ننظر إلى تونس من زاوية أوسع وأشمل فنحن في نفس الوقت خارجها وهي تسكن فينا ونتردد عليها لنعيش فيها لوقت ما وهذا ما يمكننا من فهم حركتها. أنا شخصيا لي أمل كبير في أن يجتاز بلدنا هذه المرحلة الصعبة. هذا الشعب برغم فطنته وتمدنه وبرغم المكاسب التي حققها عبر التاريخ، يجد نفسه اليوم في مغامرة سياسية لم يتوقع تشعباتها منذ الوهلة الأولى لانطلاق المسار الثوري ولكنه بفضل فطنته وتمدنه استدرك نفسه وظل يتقدم بنسق سريع في عملية التأسيس لوعيه السياسي ولمشروعه المجتمعي الجديد. كما أن النخبة رجعت للاهتمام بالشأن العام وأتوقع أنها ستنجح في ارتباطها عضويا بمحيطها الشعبي. العائق الكبير لتونس هو العنف ونقص الأمن.