فاجأ حمادي الجبالي رئيس الحكومة المؤقتة بقراره تعيين حكومة كفاءات وطنية المتابعين للشأن العام خاصة أن قراره تعارض مع الانضباط الحزبي الذي عوّدنا عليه منتسبو حركة النهضة والذي يصل في الكثير من الأحيان الى تغليب الموقف الحزبي على المصلحة الوطنية.. فهل كسّر حمادي الجبالي ارتباطه "الدموي" مع الحركة وسجل أول قراراته الحازمة والتاريخية؟ ام هي مجرد سياسة أراد بها العودة الى الوراء؟ من المؤكد ان الرجل اراد من قراره النأي بنفسه قليلا عن حزبه ليصبح رجل مرحلة..ويتمايز به عن حركة النهضة ..لكن لا يمنع في اطار ما يخدم الحركة.. إذ يبدو أن الجبالي اكتسب من وجده في الحكم الكثير من النضج السياسي، والخبرة في التسيير وعرف استحقاقات الحكم وهو يعلم أن قراره يساوي خسارة مرحلية مع ربح مستقبلي.. فإذا ما اخذنا بعين الاعتبار ردود الفعل الأجنبية من حادثة اغتيال شكري بلعيد يتأكد حينها أن قرار الجبالي جاء مسنودا ومدعوما من أغلبية الأطراف الخارجية والحلفاء التاريخيين للدولة التونسية.. وبالتالي كان ضامنا لرضاء دولي.. واذا علمنا أن الانضباط داخل الحركة مبني على العلاقات الاسرية والدم المشترك.. يصبح من غير المنطقي ان يكسّر حمادي الجبالي الرابط بينه وبين "اخوانه".. ونجزم أن مقولة وجود شقين داخل مبنى منبليزير فرضية موجودة في اذهان السياسيين فقط..ونستثنى بالتالي مقولة وجود شقين داخل الحركة، شق معتدل وآخر اكثر تشددا.. وهي مسألة يمكن تأكيدها بمجرد العودة الى مواقف اعضاء الحركة الذين لم يتجرأ اي منهم طيلة الفترة السابقة والتي كانت غنية بالأحداث والتناقضات على اتخاذ قرار خارج الموقف العام الصادر عن قياداتهم.. بل بالعكس من ذلك وصل بهم الامر في العديد من المرات الى اعتماد ازدواجية في الخطاب والمواقف. وربما يؤكد ذلك مقولة "أن النهضة حركة عقائدية لا يوجد فيها معتدل ومتشدد." أما بالنسبة للخلاف الموجود الآن داخل الحركة فالمرجح انه لا يصنف من قبيل " خلاف بين معتدلين ومتشددين" وانما هو خلاف في الطرق والمناهج التي من المفروض اعتمادها لتجاوز الازمة وحفظ ما أمكن حفظه من ماء الوجه..وتبقى الغاية والهدف واحدة. فالجبالي مثلا باتخاذه قرار تكوين حكومة كفاءات وطنية يعلم انه تنازل على القليل وأن الحركة مازالت متواجدة في مفاصل الدولة..وأن المرحلة لا تحتمل تعنتا سياسيا أو سيرا ضد التيار و مواجهة الجماهير الغاضبة.. وفيما يخصّ موقف حركة النهضة او بعض قياديّيها الذين عبروا عن رفضهم لقرار رئيس الحكومة وتمسكهم بمواقع الحركة في الحكم وبحقائبها الوزارية..قد يعبّر ذلك عن موقف ثان للحركة، اتخذته على ما يبدو "صقورها" وهم عناصر لا تؤمن بتغيير المواقف.. فهم أنفسهم من لم يتمكنوا من الاعتراف بأخطائهم في مناسبات سابقة... لذلك هم غير قادرين على تبني موقف الجبالي الذي حيّد نفسه واعترف بفشله وفشل حكومته.