اغتيل المدافع عن «الزوالي» الشهيد شكري بلعيد في عملية دموية لم تشهد تونس مثيلا لها من قبل ،خرج الآلاف لتشييعه إلى مثواه الأخير بروضة الشهداء، وحّدتهم الراية الوطنية ولم تفرّقهم حيث غابت الألوان السياسية والحزبية، كان شعار الجماهير التي حضرت لحظة الوداع الأخير نبذ العنف والمناداة بمعرفة الحقيقة، في حين غاب الرؤساء الثلاثة عن موكب الدفن ولم يكلفوا أنفسهم حتى عناء مواساة زوجته وعائلته أو حتى إرسال اكليل ورد الى قبره مثلما فعل ممثل فلسطين، فحتى حزب الأغلبية حركة النهضة الذي وجهت إليه أصابع الاتهام في اغتيال بلعيد باعتبار مسؤوليته السياسية كحزب حاكم كان موقفه من الأحداث بالدعوة إلى مسيرة شعبية أول أمس بشارع الحبيب بورقيبة قادها كوادره وأثثها أنصاره . ودون الخوض في عدد الحاضرين فان الرسالة المستلهمة من المسيرة ومن الشعارات المرفوعة والكلمات التي اتاها الهاروني واللوز وزيتون وغيرهم تتمثل في ان التوقيت لم يكن مناسبا لان الرد على اكثر من مليون شخص نزلوا الى الشارع بعفوية رقم لا يمكن مقارنته ببضعة الاف تمت دعوتهم وجندت لهم كل الظروف الملائمة للحضور. الشعارات التي رفعت يوم الدفن كانت جامعة لكل التونسيين بمختلف اطيافهم واعمارهم وايديولوجياتهم، في حين ان مسيرة النهضة كانت مندّدة بالتدخل الفرنسي في الشؤون الداخلية واتهام السبسي بقتل بلعيد والدفاع عن شرعية الحكومة والمجلس التاسيسي ،بل ان المنظمين دعوا مناصريهم الى مسيرة مليونية الجمعة القادم. ولعل تصرف الحزب الحاكم على هذا النحو جعلنا نعود بذاكرتنا إلى الوراء إلى اشهر مضت حيث عقدت النهضة مؤتمرها التاسيسي التاسع والذي تساءلنا حينها عن سبب عدم فصلها بين الدعوي والسياسي، وها هي الاجابة تتجسد على الارض لان مسيرة اول امس بالعاصمة اثثتها النهضة مستعينة بتيارات اسلامية اخرى وهي ورقة من بين الورقات التي تعتمدها الحركة في حال غابت الحلول. لا يختلف عاقلان في حق كل طرف في النزول الى الشارع للتعبير عن مواقفه في إطار سلمي (لم يستشف أية دعوة إلى تجميع التونسيين) في مسيرة السبت، والتي غاب عنها ممثلو التيار المعتدل داخل حركة النهضة وعلى رأسهم رئيس الحكومة حمادي الجبالي وفي ذلك اكثر من معنى خاصة اذا علمنا ما تشهده العلاقة الحالية بين الجبالي وشق كبير من المكتب السياسي ومجلس شورى الحركة بعد تمسّك رئيس الحكومة بقراره بشان حكومة الكفاءات الذي رفضته النهضة. فالنهضة وعلى هذا النحو واجهة لعملتين تراها حركة تارة من خلال غلبة شقها المتشدّد فتكون اقرب الى التيارات الاسلامية في الافكار والنشاط ، فيما تكون حزبا سياسيا طورا اخر عندما تعهد المهمة الى الشق المعتدل لقيادة النهضة سياسيا. تحتاج تونس اليوم الى توافق حقيقي على مبادئ عامة وليس توافقا صوريا سياسويا كما اريد له من قبل احزاب سياسية، لاننا دفعنا اغلى ما لدينا فدم الامني لطفي الزار او شكري بلعيد غال لا يقدر بثمن لانهما خدما البلاد كل من موقعه، فمن العيب على اي طرف المتاجرة بهما مهما كانت الاسباب او الغايات. ختاما..رحم الله شهيدينا وكل الشهداء وآن الأوان للحفاظ على تونس لان دم ابنائها نفيس.