تم الاختيار.. وكانت المفاجأة (وان لم تكن كذلك بالنسبة لعدد لابأس به من التونسيين) .. علي العريض على راس الحكومة خلفا لحمادي الجبالي المستقيل الذي غادر القصبة حاملا معه خطته لحكومة تكنوقراط التي تم رفضها من قبل حركة النهضة... تعيين خليفة الجبالي كان شبيها بالشريط الهيتشكوكي حيث تعددت الاسماء والتسريبات فبعد أن كان عبد اللطيف المكي وزير الصحة الحالي ماسكا بالزمام والمرشح الاول لخلافة الجبالي.. تراجع هذا الاسم ليفسح المجال الى ثلاثي "نهضاوي" جديد وهو محمد بن سالم وزير الفلاحة وعلي العريض وزير الداخلية وفتحي العيادي رئيس مجلس شورى النهضة... لكن سرعان ما صعد اسم جديد على السطح وهو نور الدين البحيري وزير العدل الذي قيل في البداية أنه وقع عليه الاختيار من قبل مجلس شورى الحركة ليكون خليفة لحمادي الجبالي ... ليكون في الاخير القرار الاخير بترشيح علي العريض وزير الداخلية ليكون على راس الحكومة... مسيرة علي العريض في وزارة الداخلية رافقتها بعض الهنات والصعوبات ولا نقول فشل باعتبار ان العريض وصف في بعض المناسبات حتى من قبل المعارضة بانه رجل الدولة الوحيد في الحكومة قبل ان تتغلب عليه الامور ويفقد السيطرة على وزارته وتتداخل هياكلها وينفلت العقال الامني. بعض المحطات وخاصة منها مسيرة 9 افريل وما حصل فيها والاعتداء بالعنف على الاتحاد العام التونسي للشغل يوم 5 ديسمبر والاعتداء على اضرحة الاولياء وانفلات بعض السلفيين كان لها الوقع السلبي على مسيرة الرجل السياسية حيث اضعفته امام الراي العام وتم اتهامه بتغليب الجانب الحزبي الضيق على مصلحة البلاد واستقرارها مما جعل اولى المطالب في الايام الاخيرة هو تحييد وزارة الداخلية مع وزارات السيادة الاخرى وسحبها من أي طرف سياسي وبالتالي سحبها من علي العريض. واليوم وعلي العريض مدعو لتشكيل الحكومة الجديدة بتصورات جديدة وموازنات أخرى، فان نجاح او فشل علي العريض في مهمته الجديدة سيكون رهينة الخيارات الحزبية بمعنى خيار حركة النهضة ورؤيتها للامور ونظرتها لواقع البلاد ومستقبلها وهذه الخيارات هي التي ادت بالجبالي الى تقديم استقالته بعد ما قيل عن "اختلاف في وجهات النظر والرؤى" مع صقور حركة النهضة.. فعلي العريض إن بقي مكبلا بإيديولوجيا الحركة لن يتمكن من النجاح في منصبه وستتكرر نفس التجربة وستفشل الحكومة ثانية بعد ما فشلت حكومة حمادي الجبالي وفشلت مبادرته. والمطلوب من حركة النهضة ان رغبت في نجاح ابنها وفي استقرار هذه البلاد وعودة الاستثمار والتنمية واصلاح الاقتصاد ان تساعد رئيس الحكومة المعين وتعدّل من خياراتها وأساليبها بعيدا عن كل التجاذبات الايديولوجية والسياسية وبعيدا عن بعض "التطرف" الواضح لدى عدد من صقورها. فالعريض اليوم يجب ان يكون رجل الدولة وليس رجل النهضة ويجب أن يتعض من الاخطاء التي ارتكبها في وزارة الداخلية عبر انحيازه لبعض المواقف والافكار والتوجهات الحزبية الضيقة. وان ظل العريض تحت ضغط واختيارات واملاءات قيادات حزبه فان ذلك سيعرقل خطواته منذ بدايتها وبالتالي يحكم على خططه بالفشل حتى قبل ان ينطلق في عمله وفي ذلك تعميق للازمة السياسية في البلاد ومواصلة جرها الى التناحر السياسي ومزيد تعكير الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي الاضرار بالبلاد... المطلوب اليوم من جميع الاطراف مد يد المساعدة لرئيس الحكومة الجديد ولحكومته والتعقل والنظر الى المصلحة العليا للوطن وخاصة الابتعاد عن مسالة ربح الوقت والاطالة في كل ملف يطرح لتتلقاه الاطراف السياسية بتجاذباتها ويدخل اروقة النقاشات والمفاوضات التي تطول دون فائدة..... اما عكس ذلك فهو مواصلة اللعب بمصلحة البلاد وتغليب المصالح الحزبية والشخصية الضيقة والتشبث بالكراسي وجر البلاد الى ما لا تحمد عقباه... وعلى العريض ان يكون رجل دولة وينظر الى مصلحة هذه البلاد أولا وقبل كل شيء.. وقتها فقط يمكن أن يلاقي الدعم وكل الدعم من الجميع مثلما لاقاه الجبالي في أيامه الاخيرة على راس الحكومة لأنه اختار أن يكون رجل الدولة وخادم هذا الشعب وكل الشعب.