يبدو أن عهود الاستبداد وسيطرة الزعيم الواحد الملهم قد عششت في اللاوعي بالنسبة لكثيرمن الساسة والإعلاميين، فأصبح ارتباطهم بالأشخاص أكبربكثيرمن ارتباطهم بالأفكار والأطروحات. تونس بعد سنتين من الثورة وبعد أن ظننّا أن عهد المناشدات قد ولىّ بدون رجعة، وأن تغييرالأشخاص والتداول السلمي على السلطة قد أصبح من التحصيل الحاصل؛ نتفجأ اليوم كمواطنين بعودة المناشدات لشخص رئيس الحكومة المستقيل لمواصلة قيادة تونس. الغريب في الأمرأن هذه المناشدات لم تصدرهذه المرة عن أحزاب الموالاة بل عن أحزاب المعارضة والإعلام المعادي للحكومة. وللمفارقة فإن هذه الأحزاب وهؤلاء الإعلاميين الذين لم يدخروا جهدا في تأزيم الوضع السياسي وتعطيل مسارالتنمية ونشرالفوضى والذين ينتقدون الحكومة ولا يرون فيها سوى العيوب، أصبحوا بقدرة قادر وبين عشية وضحاها موالين لرئيس الحكومة ويناشدونه البقاء بل ويضغطون على حركة النهضة لإعادة ترشيحه. السيد حمادي الجبالي مع احترامنا له ولما قدمه خلال سنة من قيادة تونس، أصيب بإحباط شديد نتيجة إجهاض هذه الأطراف لكل خطوة يقوم بها في الاتجاه الصحيح من تنمية وتشغيل أو في اتجاه إصلاح ما تعفن من دواليب الدولة. ويعلم الجميع أن أحزاب المعارضة والإعلاميين يناشدونه اليوم مواصلة المشوارليس حبا فيه وثقة به بل خوفا من تعيين قائد جديد يغيّرقواعد اللعبة ويكون أكثرتصميما على أخذ قرارات صعبة وثورية في الإصلاح والمساءلة ومحاسبة المقصّرين. يدرك الجميع أن السيد الجبالي رجل دولة يتميزبالمرونة ولكنه يخضع أيضا بسهولة للضغوطات الإعلامية والسياسية وربما حتى للابتزاز السياسي مما جعل منه رجل سياسة أكثرمن رجل يقود البلاد نحو الإصلاح والمحاسبة وميله المفرطلتحقيق التوافق بين أطراف غير مرنة بالمرة ولا تؤمن بالحوار( بعضها رافض تماما لتولي الإسلاميين السلطة وبعضها الآخرلديه أجندة خارجية غيرقابلة للتفاوض) جعل منه هدف الانتقادات اللاذعة سواء من أحزاب الحكم أوالمعارضة؛ حيث ربما كان عليه أن يكون أكثرحرصا على تحقيق إنجازات على الأرض لفائدة المواطن منها سعيه لتحقيق التوافق السياسي الذي هو من المستحيلات في الوقت الراهن. نحن اليوم في تونس لا نحتاج إلى توافق بل نحتاج إلى قيادة قوية لا تأبه بفوضى الإعلام الذي يركزعلى الترّهات ويترك جوهرالإصلاح. هذه القيادة الجديدة يجب عليها أن تترك جانبا انتقادات المعارضة التي لا تنتهي والمزايدات الإعلامية، لأن كل عمل إنساني قابل للنقد ولا أحد يملك الحقيقة المطلقة، لكن يمكن أن يملك الإرادة القوية لتحقيق النجاح. الحل يكمن في وضع برنامج إصلاحي واضح المعالم يمس مختلف المجالات وأخذ قرارات جريئة بتغييررؤوس الفساد والفتنة والتقصير من مواقع القرارفي مختلف الإدارات والمؤسسات العمومية والإعلامية التابعة للدولة وعدم تهميش أواستعداء أي فئة من الشعب مهما بلغ الضغط الإعلامي أوالضغط الخارجي. تونس لكل التونسيين من السلفيين إلى الشيوعيين لا تقصي إلا من خان الأمانة زمن الاستبداد أو سعى لبث الفتنة بعد الثورة. وفي كل الأحوال فإن المعارضة لن تصمت وتسعى لتحقيق أهدافها الضيقة التي تختلف تماما عن جوهرمطالب المواطن والثورة .أما الإعلام المرتبط بأجندات خاصة فلن يكفّ عن إثارة الفتن والتعتيم على الإصلاح وتمييع القضايا الحقيقية للمجتمع التونسي. لذلك على الحكومة القادمة أن لا تتأثر بذلك بل عليها تنفيذ البرنامج الإصلاحي المتكامل للثورة، لأن هذا فقط الذي سيحسب في رصيدها ويبني تونس المستقبل. تونس المستقبل التي تكون على خطى دبي وماليزيا وكوريا الجنوبية، ليست حلما بعيد المنال إذا هدأت التجاذبات السياسية، والفوضى الإعلامية وانتهت عقلية التواكل ورمي المسؤولية على الآخرين. تونس المستقبل هي تونس العمل والمثابرة والخروج من عباءة الفرنكوفونية التي تمنعنا من التواصل الفعال مع العالم نحو الانفتاح الحقيقي. النجاح في تونس لن يأتي من الخارج بل من الداخل، من ثمار عمل التونسيين. لقد حان وقت الصمت والعمل، يكفينا كلاما وثرثرة، يكفينا احتقارا وإقصاء لبعضنا البعض يكفينا فتنا، لننصرف جميعا للعمل والتجديد والإبداع وسنرى بإذن الله تونس أفضل.