إننا نخشى أن تكون هناك محاولة حقيقيّة لضرب مكاسب المرأة في تونس. ونخشى أن تتحول هذه الفرضية إلى حقيقة لأن الملاحظ يمكنه واستنادا إلى عدد من المؤشرات أن يصل إلى أن هناك رغبة ونية على الأقل لدى فئة من المجتمع في الإنقلاب على هذه المكاسب التي هي ثمار الحركة الإصلاحية التي بدأت منذ القرن التاسع عشر وتوّجت ببعث مجلة الأحوال الشخصية منذ فجر الإستقلال ببادرة وإرادة من الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة. ولعلّ التعامل مع "قضية" السيّدة زهرة الأدغم القائمة بالأعمال التونسية في دولة فنلندا والإعتماد على فيديو مسرّب على الإنترنيت يحاول أن يظهرها في حالة سكر واضح في شوارع العاصمة هلسنكي أحد المؤشرات الدّالة على ذلك. فهي تعبّر على الأقل من وجهة نظرنا عن نيّة في استهداف المرأة التونسيّة عموما من خلال محاولة تشويه سمعتها وإظهارها في مظهر المرأة المستهترة وغير المبالية وهي بالتالي غير جديرة بالإرتقاء إلى مناصب عليا في الدولة أو أن تمثل بلادها في محافل دولية. إننا وإن كنا نتوقع أن تأتينا الأيام بالجديد فإننا لا نستبعد فرضية أن تكون القضية غير بريئة. أولا هناك من كان يتتبع المرأة بنية القبض عليها متلبّسة لأجل ماذا وما هي دواعي ذلك ولفائدة من؟ كلها اسئلة تحتاج إلى إجابات ولعل التحقيق سيكشف ذلك خاصة وأن المعنية بالأمر قد رفعت المسألة إلى القضاء بعد أن نفت التهمة وشككت في صحة الفيديو. ثانيا لنفرض أن ما تم توجيهه من تهم للمرأة وخاصّة ما قيل من أنه قد حرّر بشأنها محضر شرطة بالعاصمة هلسنكي بعد أن تم ضبطها في حالة سكر واضح وهو ما نفته المعنية بالأمر في تدخلاتها بعدد من وسائل الإعلام التونسيّة بقوة جملة وتفصيلا, لنفرض أنه قد حدث فعلا هل يبيح ذلك الأسلوب الذي استعملته وزارة الخارجية ورأسا وزير الخارجية بحكومة تصريف الأعمال رفيق عبد السلام. أليس في ردة فعله ومسارعته بالإعلان عن قراره على المنابر الإعلامية محاولة استعراضية يراد منها ربّما أكثر من استعمال حق سلطة الإشراف في تأديب من خرج في عرفها عن آداب التعامل وقام بسلوك لا تقبله الأعراف الديبلوماسية. ألا تبدو طريقة معالجة القضية مثيرة أكثر حتى من التهمة في حد ذاتها وألا يبدو أسلوب وزير الخارجية وهو يأخذ قرارا على جناح السرعة ويعلنه على المنابر الإعلامية وكأنه ظفر بصيد أو غنيمة مثيرا. فمثل هذه المواقف عادة تتطلب من الوزير أن يأخذ وقته وأن يتريث وأن يمنح المتهمة فرصة للدفاع عن نفسها وأن يتثبت وأن يبادر بالدفاع عن المرأة الديبلوماسية إن لزم الأمر من باب الزمالة ومن باب الإحساس بالإنتماء لنفس القطاع حتى يثبت له عكس ذلك لأن في الأمر سمعة وزارته وسمعة تونس وفي الأمر كذلك سمعة الديبلوماسيّة التونسية التي لا نستطيع أن نقول أن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال قد قام بالكثير من أجلها وبشهادة أغلب الملاحظين والمحللين السياسييّن. وزير وحارس للأخلاق وإذ تثير قضية زهرة الأدغم الإهتمام فلأنها بالخصوص شقيقة وزير في نفس الحكومة ينتمي لحزب التكتل من أجل العمل والحريات وهو الحزب الذي يشكل الثلاثي الحاكم وهو الحزب الذي مازال يناقش مسألة الإنضمام إلى الحكومة الجديدة التي سيرأسها السيد علي العريض إلى جانب حزب حركة النهضة التي ينتمي إليها وزير الخارجية (وهو كما يعلم الجميع صهر رئيس الحركة) وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وهي بالتالي تفتح الباب على عدد من القراءات وخاصة حول علاقة الترويكا الحاكمة ومدى شفافية هذه العلاقة وهي تفتح الباب كذلك على مشكل الأخلاق في التعامل بين أطراف الحكم وبين الثلاثي الحاكم بالذات وتسريبات الأخبار حول هذا الطرف وحول الطرف الآخر أبرز دليل على ذلك. لا تهمنا حقيقة الممارسات السياسية والمؤامرات الصغيرة ولكن من المهم أن ننزّل المسألة في سياقها. فزهرة الأدغم وهي كريمة الزعيم الوطني والوزير الأول الراحل الباهي الأدغم وهي المرأة التي لها تجربة طويلة في السلك الديبلوماسي لا يمكن التعامل مع القضية التي انفجرت حولها بدون أن يثير فينا ذلك الكثير من الأسئلة ولعل أبرزها ألا تكون المرأة بصفتها احدى التونسيات اللواتي تمكنّ من احتلال موقع في البلاد حتى وإن عبّر الكثيرون عن استغرابهم من ضعف نسبة تمثيل المرأة لديبلوماسية بلادها بالخارج, ألا تكون ضحية حملات تشويه ومحاولات تشهير؟ فإن كان شرف المهنة والتمسك بأخلاقيات العمل الديبلوماسي وسلوكياته المضبوطة مطلب الجميع وهو مطلب مقدس فإن وزارة الخارجية التونسية وتحديدا وزير الخارجية رفيق عبد السلام من الصعب أن يقنع الناس كثيرا بدوره الجديد كحارس للأخلاق بالوزارة خاصة وان شبهة لاحقته في هذا الخصوص وهو لم يتخذ في وقتها قرارا حاسما ولم يضع حدا لمهامه على رأس الوزارة بأن أعلن استقالته في حينها بل هو مازال في منصبه إلى اليوم يمارس صلاحياته ويأخذ القرارات بكل حزم. إن قضية زهرة الأدغم وإن كانت دالة فإنها ليست معزولة ونحن اليوم نتساءل وإذا ما استندنا إلى أقوالها وخاصة تصريحها صباح أمس إلى إذاعة كلمة بأنه وقعت إحاطتها بموظف(سائق) في البعثة الديبلوماسية التونسية بالعاصمة هلسنكي قالت أنه ينتمي لتيار ديني متشدد يرفض أن يلتزم بأوامرها لأنه على ما يبدو يرفض أن يخدم امرأة مهما كان موقعها, ألا يكون في ذلك محاصرة للمرأة التونسية وخلق مناخ يجعل المجتمع يعيد التفكير فيما حققته من مكاسب وخاصة منها مكسب الحرية والإستقلاليّة عن الرجل. ربّما هناك من يعتبر أنّ الحادثة معزولة لكن من الصّعب أن نقتنع بذلك لأن الإصرار على أن التهمة وجود المرأة مع غريب في حالة سكر ونشر الأمر بنيّة الفضح خلافا لما هو متعامل به في أخلاق المسلمين فيه رغبة في التشفي لا نعلم أسبابها لكن من الصعب أن لا نستشعر ذلك. ما لا يمكن أن ننفيه كذلك وخاصة منذ انتخابات 23 أكتوبر2011 هو محاولة البعض العودة عن مكاسب الحداثة في تونس واستهداف المرأة بالذات وذلك على العلن فالمخططات لإعادتها إلى نقطة الصفر واضحة والبرامج لإقصائها من الحياة العامة واضحة كذلك. لأن المرأة تعتبر المقياس الحراري الذي نقيس به درجة تحرّر المجتمعات من عقد الماضي ومن عقد القرون الوسطى والعصور الحجرية وهي في طليعة المعبرين عن النمط المجتمعي. يحدث كل ذلك رغم ما أعلنته أغلب الأحزاب بما في ذلك حزب حركة النهضة (الفائز بأغلبية المقاعد بالمجلس الوطني التأسيسي) ومنذ انتصار الثورة الشعبية عن التزامها بمكاسب هذا البلد وعدم النية في العودة عما حققته من تقدم خاصة في مجال تحرير المرأة والعمل على تحقيق المساواة الكاملة بينها وبين الرجل. إن قضية زهرة الأدغم لا تهمنا إلا من زاوية أنها ربما تم استغلالها كفرصة تضرب من خلالها مكاسب المرأة وخاصة مكاسب الحداثة في تونس فبدل من بحث كيفية دعم حضور المرأة في مراكز القرار نتعامل بهذا الأسلوب مع الموجودات منهن في أحد هذه المراكز وكأنها قاصر أو وكأنها قد أخلت بدورها فتكون مثلا قد أضرت بالعلاقات بين بلدها وبلد الإستقبال أو تسبّبت في حوادث ديبلوماسية بين البلدين. إن القضية وإن كنا لا نملك كل خيوطها تشي بأنها لا تقف عند حدود المعلن. لكن مقابل ذلك نتوقع من القضاء أن يقوم بدوره وأن ينصف الظالم ويعاقب المظلوم أي كان موقعه وسواء كان رجلا أو امرأة.