اعقلوا، وتدبّروا، وتفقّهوا، بعد أن تتعلموا العلم الكافي يا أحفادي: اسكندر، وسليمة، ومحمد يونس، ومريم، وأحفاد بني وطني، وعقيدتي هذا الموقف الإنساني الحكيم لخاتم المرسلين صلّى الله عليه وسلّم إذ جاءه رجل يبايعه على القتال والجهاد في سبيل الله، وهو بادي الفرحة، مغشي البشر، فإذا بالرّسول صلوات الله عليه العليم بخفايا الأمور يسأل الرجل هل من والديك أحد حيّ؟ قال الرجل: كلاهما حيّ يا رسول الله، فقال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: ارجع إلى والديك وأحسن صحبتهما، فيرجع إلى أبويه يعيد إليهما البسمة التي جفت من قلبيهما ويمسح الدمعة التي فاضت من عيونهما بفراق ولدهما، هنا يبصر المرء مدى رأفة الرّسول صلوات الله عليه ورحمته إذ لم يندفع نحو مصلحة الجهاد الذي بصدده يسير الجيش وإنما استعمل الحكمة ليخبر الناس أن إكرام الوالدين جهاد وحجّ وعمرة، ولو شاء سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم أن يخرج الرجل إلى الجهاد لأخرجه، ولكنه آثر الوالدين على رغبة المجاهد، فأيهما أفضل عند الله موقف هذا الرّسول الكريم، الذي وصفه الله بأنه على خلق عظيم، أم موقف المتطفلين بأهوائهم الذين يشجعون شبابنا وأطفالنا على الجهاد، وهم لا يعلمون لجهلهم المدقع، أن الجهاد هو جهاد النفس عن ارتكاب المعاصي، وجهاد النفس عن الوقوع في التهلكة، بأي أسلوب من الأساليب المدمّرة؟ والأخطر أن المتطفلين على التربية والتعليم يجهلون الطريق الرشيد ويجهلون أنهم يجهلون ذلك، وهو شرّ لكونه جهلين، وقد ورد في بعض الأخبار «إن الجهل أقرب إلى الكفر من بياض العين إلى سوادها». كشفت لكم يا أحفادي عن هذا الواقع حتى تتعلموا ما تحتاجون إليه من العلم النافع، ومعرفة الحق والباطل، وكيف تحاججون كل المضللين ولا تقعون تحت أسرهم يستغلونكم لمصلحتهم الدنيوية ولا يخافون عقاب الله خالق الجميع. أتوسّل إلى خالقي أن يحفظ أحفادي وأحفاد بني وطني، وعقيدتي، وأمّتي من كيد الكائدين ويهديهم إلى سبيل الرّشد ويبعدهم عن سبيل الغيّ، وأنصح الذين يغالون في الدّين والدّين براء من الغلوّ كما نهى عنه القرآن «لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل» (المائدة آية 79). فهل يجوز الصّمت عن التحليل الصادر عن هؤلاء المضللين الجهلة بالانتحار، والاحتراق باسم الجهاد، والإسلام يحرّم هذا ويعتبره من الجرائم الكبيرة؟ فأين أنتم يا فقهاء الدّين الإسلامي، وشبابنا وأطفالنا يسقطون في التهلكة عن حسن نيّة والرّسول صلّى الله عليه وسلّم يقول «كبرت خيانة أن تحدّث أخاك هو لك مصدّق وأنت له كاذب»؟ روي عن أبي سفيان والنواس بن سمعان.