مجلس عمداء المحامين يدعو رئيس الجمهورية إلى اتخاذ اجراءات    الترجي والإفريقي في نهائي بطولة تونس لكرة اليد    مندوبية التربية بقفصة تحصد 3 جوائز في الملتقى الوطني للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد الثانوية    الإعلان عن تركيبة الإدارة الوطنية للتحكيم    عاجل : منحرف خطير يروع المارة في قبضة أمن الملاسين    في ذكرى النكبة: تونس تجدّد دعمها اللامشروط للشعب الفلسطيني    عاجل : أحارب المرض الخبيث...كلمات توجهها نجمة'' أراب أيدول'' لمحبيها    أغنية صابر الرباعي الجديدة تحصد الملايين    بمناسبة عيد الأمهات..البريد التونسي يصدر طابعا جديدا    قابس : عدد أضاحي العيد غير كاف والحل في التوريد    الكشف عن شبكات إتّجار بالمواد المخدّرة تنشط بولايات تونس الكبرى    يشكّل تهديدا للنمّو.. الصين تسجّل فائضا قياسيّا بملايين المساكن    حاحب العيون: انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للمشمش    بسبب لقطة غير لائقة من الجمهور في مباراة الترجي والنجم: التلفزة التونسية تفتح تحقيق..    هام/ هذا عدد مطالب القروض التي تلقاها صندوق التقاعد والحيطية الاجتماعية..    مكثر: وفاة شاب واصابة 5 أشخاص في حادث مرور    نابل: الفلاحون المنتجون للطماطم يطالبون بتدخل السلط وجبر الأضرار جراء تضرر الصابة    رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو يتعرّض لإطلاق نار بعد اجتماع الحكومة    وزير السياحة يؤكد لمستثمرين كويتيين الاستعداد لتقديم الإحاطة اللازمة لتطوير استثماراتهم في تونس    القصر: وقفة احتجاجية على خلفيّة حادث وفاة تلميذتين    ميشيل مدرب جيرونا: إنهاء الموسم في المركز الثاني مهمة صعبة جدا    علي معلول: لاعبو الأهلي يمتلكون الخبرة الكافية من أجل العودة بنتيجة إيجابية    فاجعة: جريمة قتل شنيعة تهز هذه المنطقة..    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و2033    وزير الفلاحة يعرب عن إعجابه بصالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    وفاة عسكريين في حادث سقوط طائرة عسكرية في موريتانيا..#خبر_عاجل    على هامش الدورة 14 لصالون للفلاحة والصناعات الغذائية صفاقس تختار أفضل خباز    وزير الشؤون الدينية يؤكد الحرص على إنجاح موسم الحج    القلعة الخصبة: انطلاق فعاليات الدورة 25 لشهر التراث    الدورة ال3 لمهرجان جربة تونس للسينما العربية من 20 إلى 25 جوان 2024    ينتحل صفة موظف للداخلية و يجمع التبرعات لفائدة شهداء المؤسسة الأمنية ...ما القصة ؟    في هذه المنطقة: كلغ لحم ''العلّوش'' ب30 دينار    أكثر من 3 آلاف رخصة لترويج الأدوية الجنيسة في تونس    علاجات من الأمراض ...إليك ما يفعله حليب البقر    البنوك تستوعب 2.7 مليار دينار من الكاش المتداول    صورة/ أثار ضجة كبيرة: "زوكربيرغ" يرتدي قميصًا كُتب عليه "يجب تدمير قرطاج"..    من بينهم طفلان: قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 20 فلسطينيا من الضفة الغربية..#خبر_عاجل    وزارة المالية تكشف عن قائمة الحلويات الشعبية المستثناة من دفع اتاوة الدعم    الرابطة الأولى: تعيينات منافسات الجولة الخامسة إيابا من مرحلة تفادي النزول    ما حقيقة سرقة سيارة من مستشفى القصرين داخلها جثة..؟    عاجل - مطار قرطاج : العثور على سلاح ناري لدى مسافر    أنشيلوتي يتوقع أن يقدم ريال مدريد أفضل مستوياته في نهائي رابطة أبطال أوروبا    اخر مستجدات قضية سنية الدهماني    أصحاب المخابز يُطالبون بصرف مستحقّاتهم لدى الدولة    الأهلي يصل اليوم الى تونس .. «ويكلو» في التدريبات.. حظر اعلامي وكولر يحفّز اللاعبين    في يومها العالمي.. الشروع في اعداد استراتيجية وطنية جديدة للنهوض بالأسرة    ارتفاع عدد قتلى جنود الإحتلال إلى 621    عاجل/ مع انتهاء آجال الاحتفاظ: هذا ما كشفه محامي مراد الزغيدي..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أول أميركية تقاضي أسترازينيكا: لقاحها جعلني معاقة    تونس تصنع أكثر من 3 آلاف دواء جنيس و46 دواء من البدائل الحيوية    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    الكاف: حريق اندلع بمعمل الطماطم ماالقصة ؟    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا جسد بلا روح.. فقدت أنوثتي.. تمنيت حكم الإعدام.. وغلاء المعيشة يلاحقنا
صرخات من داخل سجن النساء بمنوبة
نشر في الصباح يوم 25 - 03 - 2013

349 - هو عدد السجينات بمنوبة، 349 هو عدد أسرار 349 عائلة تونسية وأجنبية.. أسرار اختفت بمجرد إغلاق باب السجن وسعي أصحابها إلى حفظها وراء أسوار السجن.
"الصباح الأسبوعي" تخطت أسوار سجن النساء بمنوبة وتحدثت إلى العديد من السجينات، وبمجرد انتهاء حديثك مع واحدة منهن وتجاذب أطراف الحوار مع ثانية حول التهمة الموجهة إليها أو الجريمة التي ارتكبتها حتى تنسى مشاكل السجينة الأخرى.
هذه "السجينة الأخرى" يطلق عليها عادة صفة "أخت" فالقاسم المشترك بين السجينات وبين أعوان السجن هو اعتمادهن كلمة "أختك فلانة"، وكأنك تتحدث إلى عائلة مجتمعة في مكان واحد.
عائلة تمثل جزءا من مجتمع يضمّ مختلف الشرائح. فهذا المكان ليس حكرا على المنحرفات أو الفقيرات أو الأميات وإنما تجد فيه المرأة المثقفة والمرأة الغنية كذلك. إنّ الجرائم المرتكبة من قبل سجينات منوبة عديدة حتى أنك تتساءل بينك وبين نفسك "كيف استطاعت تلك المرأة أن ترتكب جريمة كهذه"، لكن ما أن تبحث في الأسباب حتى تعي المعاناة التي عاشتها بعض النسوة وتستشعر الندم لدى معظمهن فهن لم يرتكبن جريمة في حق غيرهن فقط وإنما ارتكبن جريمة في حق أنفسهن أولا. "فما من أحد يرضى لنفسه البقاء خلف قضبان السجن لسنوات.. فالسجن يبقى سجنا مهما كانت نوعية الخدمات المقدمة فيه"، عبارات سمعناها على لسان أكثر من سجينة تحدّثنا إليها واحترمنا رغبتها في عدم كشف هويّتها.
وفي السجن عبر!
)ر. ر.) تبلغ من العمر 47 سنة تهمتها قتل ابنة صهرها البالغة من العمر 4 سنوات فحكم عليها بالإعدام، وفي جانفي الماضي صدر في حقها عفو فحوكمت لمدّة 30 سنة لم تقضّ منها سوى 11 سنة. (ر. ر.) لم تقتل ابنة صهرها "سوى بعد صراع طويل بينها وبين نفسها خلّف في داخلها نقمة على عائلة زوجها التي "لا تحسن التصرف معها"، على حدّ قولها. وبعد تفكير طويل فكرت في قتل تلك الطفلة فلربما "نشوشطلهم قلوبهم كيف ما شوشطوني"، عبارة تفوهّت بها (ر. ر.) وهي تؤكّد على أنها نادمة على فعلتها.
وتواصل (ر. ر.) كلامها قائلة: "أنا لست هنا لأتحدّث عن جريمتي، أنا أريد فقط أن يأخذ من هم موجودون خارج أسوار السجن العبرة من تجربتي، أنا نادمة شديدة الندم ووعيت بعد ارتكاب الجريمة أني قتلت طفلة بريئة بغير حق.. طفلة لا حول لها ولا قوة.. أريد أن أقول لمن يعيش تجربة مماثلة لتجربتي أن لا يترك الشيطان يتملك به وأن لا يضرّ بأحد فهناك حلول أفضل بكثير والطلاق أولها.. ويا ليت كل إنسان يعي معنى الندم"، هكذا نصحت (ر. ر.) غيرها فالسجن جعل منها حكيمة وجعلها امرأة متوازنة قادرة على التفكير بروية وقادرة على ضبط النفس، وذلك حسبما لاحظناه وحسبما أكدته لنا رئيسة مصلحة الشؤون العامة والرعاية والإصلاح بالسجن.
إنّ (ر. ر.) ليست السجينة الوحيدة التي ارتكبت جريمة قتل، فغيرها من السجينات كثيرات منهن من قتلت زوجها ومنهن من قتلت ابنها الرضيع ومنهن من قتلت مغتصبيها ومنهن من شاركت في القتل.
السجينة (ر. ط.) وجهت إليها تهمة قتل زوجها فأصدر حكم بعدم سماع الدعوى في حقها وبعد سنة كاملة، حوكمت ب 12 سنة لم يبق لها منها سوى عام وتسعة أشهر، وهي المدة التي تفصلها عن رؤية ابنها ذي ال12 ربيعا. وأمام إصرارها على أنها بريئة من قتل زوجها، تقول (ر. ط.): "كرهت الرجال وأمنيتي أن أربي ابني فقط، فأنا لم أعد أحس أني أنثى لأنّ سنوات السجن قضت على أنوثتي، وأرجو من الله أن يعوض لي خيرا في ابني".
قتلت مغتصبيْها فحوكمت بالمؤبد
لكنّ (ر. ط.) ليست السجينة الوحيدة التي اعترفت بأنها لا تشعر أنها أنثى، ف(ف. ع.) كذلك امرأة تبلغ من العمر 38 سنة تعرضت في سن ال23 سنة إلى عملية اغتصاب من قبل شابيْن، فقامت بقتلهما الاثنين وحوكمت بالمؤبد. وبعينين جفتا من الدموع لا ترى فيهما سوى حسرة ونقمة ومرارة في القلب، تقول (ر. ط.): "الأولاد قتلوني مرّة والحاكم قتلني مرّة".
سحاق في أروقة السجن!!
إن الحديث عن الأنوثة دفعنا إلى الحديث عن السجينة (ل. ن.) التي تبلغ من العمر 27 سنة، وهي أم ل3 أطفال، تهمتها جريمة قتل زوجها فحوكمت ب15 سنة، لم تقضّ منها سوى 4 سنوات ونصف. وبمجرّد سؤالنا لها عن علاقتها ببقية السجينات، تنهدّت (ل. ن.) تنهيدة من الأعماق وأبدت نظرة تخفي وراءها العديد من المعاناة والأسرار.. سكتت للحظات وبعد تردّد طويل تكلمت: "اتهمتني إحدى السجينات بأني سعيت لممارسة السحاق معها.. ولكن هذا ليس بالأمر الصحيح".
وبحديثنا مع مديرة السجن النقيبة أسماء التومي الهلالي حول هذا الموضوع، قالت: "سبق وأن تلقيت شكوى في الغرض من قبل إحدى السجينات، ولما كافحت (ل. ن.) مع السجينة المتضررة، اعترفت (ل. ن.) بخطئها وطلبت العفو. لكن لا يمكنني كمسؤولة داخل السجن أن أسكت عن موضوع كهذا، لذلك حوّلت الموضوع إلى الجهات المعنية وصدر في حق (ل. ن.) حكم إضافي ب6 أشهر سجنا".
سجينة تنجب مرتين داخل السجن
صحيح أنّ معظم السجينات اللاتي تحدّثنا إليهن ارتكبن جرائم قتل، ولكن من بينهنّ من كانت تهمتها السرقة والتي أدت إلى محاكمتها ب10 سنوات على غرار (ر. ه.) التي حرصت على لقائنا علنا نوصل صوتها.. وما إن قابلناها حتى وجدنا رضيعا بين يديها.. البسمة لا تفارق محياه.. تأمّلنا في وجهه الملائكي بتمعنّ فوجدنا طفلا يبحث عن لعبة لكنه لم يجد سوى قلم أحمر أمسك به وأمه تحاول إلهاءه كي تتمكن من الحديث معنا.
تقول (ر. ه.) ل"الصباح الأسبوعي": "دخلت السجن وأنا حامل فأنجبت ابني الأول في السجن.. وخلال الثورة هربت من السجن وابتعدت أنا وزوجي الفار هو الآخر من السجن.. وقابلت سمير ديلو والذي أحترمه كثيرا لأنه لم يلقي القبض عليّ بل تحدث معي كوزير حقوق إنسان ودعاني إلى تسليم نفسي.. وبعد مدّة تمّ القبض علي أنا وزوجي على إثر تعرّف شخص علينا اشتكى بنا.. وخلال عودتي إلى السجن أنجبت ابني الثاني الذي بين يديّ الآن.. أتمنى أن يصدر عفو في شأني فأملي الوحيد أن أصطحب ابني الأكبر، الذي تتولى أمي تربيته، إلى المدرسة في أول يوم له في الدراسة، كم أتمنى أن يعيش هو وأخوه معا".
"يئست وتحطّمت نفسيا"
) س. د.) التي تبلغ من العمر 44 سنة حوكمت بالإعدام ثمّ صدر في حقها حكم بالمؤبّد بسبب مشاركتها في جريمة قتل، لكنها لم تقضّ سوى 5 سنوات في السجن. إنّ (س. د.) أمّ لطفلين: البنت تبلغ من العمر 16 سنة والولد يبلغ من العمر 15 سنة. وكأي أمّ، فإنّها متشوّقة لرؤية ابنيها ولتربيتهما وطلبها الوحيد هو أن يقع إعادة فتح ملفها ل"أني مظلومة وقد تعذبت نفسيا، بتّ كجسد بلا روح"، على حدّ قولها.
إنّ ترويج واستهلاك الزطلة والمخدرات لقيا "حظهما" في السجن أيضا، ف(ن. ك.) حوكمت بالسجن لمدّة 20 سنة لتورطها في تكوين شبكة ترويج مخدرات، لكنها تقول عن نفسها إنها "بريئة ومظلومة"، تقول (ن. ك.) بنبرة مرتعشة: "دخلت شابة نشطة، فوجدت نفسي بعد أكثر من 10 سنوات مصابة بأمراض مزمنة.. اني يئست وتحطّمت نفسيا".
)طالبة من الغابون تنتظر إصدار الحكم منذ 11 شهرا!!
سجن النساء بمنوبة الذي يضمّ 394 سجينة فيه 6 أجنبيات بينهنّ جزائريّتان و4 أفارقة.. وفي لقاء جمعنا بالسجينة Marine من دولة الغابون Gabon، علمنا أنها جاءت إلى تونس لتدرس وهي موجودة في بلادنا منذ 4 سنوات بينها 11 شهرا قضتها في سجن النساء بمنوبة. تهمة Marine أنها استهلكت مادة "الزطلة" لكنها قابعة في السجن منذ 11 شهرا دون أن يصدر حكم في شأنها: "وهذا ما يغيظنى، لماذا تركوني إلى اليوم دون محاكمة، أرجو منهم الحسم في أمري فلا أريد خسارة عام آخر من حياتي". وذكرت السجينة Marine أنها تمكنت من إجراء امتحانها خلال السنة الماضية بفضل وساطة إدارة السجن، وقد تمكنت من النجاح رغم أنها مسلوبة الحرية.
نشرة الأخبار و«المسامح كريم».. أكبر نسب مشاهدة
معاناة السجينات كبيرة خاصة بعد شعورهن بالندم وبكونهن ارتكبن جريمة في حقّ الضحايا، في حقّ عائلتهن وفي حق أنفسهنّ أولا.. لكن رغم تلك المعاناة فهنّ واعيات بما يحدث خارج أسوار السجن، وذلك بفضل نشرة الأخبار و"المسامح كريم" اللذين يحظيان بأكبر نسب مشاهدة من قبل السجينات.. فخلال تجاذبنا أطراف الحديث مع بعضهنّ، ذكرن لنا أنّ شيئا لم يتغير في تونس، وقالت (ف. م.) إحدى اللواتي تحدّثنا إليهن "أتابع السياسة وما يحدث في تونس.. وأعلم أنّ وزير الداخلية السابق علي العريض هو الذي عيّن رئيسا للحكومة.. وأعلم أنّه تمّ تعيين قاض جديد مكان البحيري.. وأرجو منه أن ينصفني ويساعدني على تربية ابني وابنتي، فأنا حريصة على أن يكونا عنصرين فاعلين إيجابيا في المجتمع".
أما السجينة (س. ج.) فهي تبلغ من العمر 33 سنة لكن بمجرّد النظر إليها تشعر أنها في أواخر عقدها الرابع.. فالسجن سرق منها شبابها.. سرق منها حلمها وسرق منها بسمتها.. (س. ج.) هي أكثر السجينات التي لم تقدر على تمالك نفسها.. فعيناها اللتان لم تتوقفا عن البكاء وصوتها المرتعش كل ذلك يعكس المرارة والصراع اللذين تعيشهما بداخلها. جريمة (س. ج.) أنها حاولت قتل طفلة بسكين وشاركت في بغاء سري فحوكمت بالسجن لمدّة 20 سنة قضت منها 10 سنوات. تقول سامية: "لديّ ابنة تبلغ من العمر 16 سنة، لكنها لا تزورني لأن أختي التي تربيها ترفض ذلك" تصمت (س. ج.) ثمّ تقول بصوت متقطع بسبب عدم قدرتها عن التوقف على البكاء: "أمان هاتيلي بنتي جيبيلي بنتي ما تحرمنيش منها.. يزيني ما تعذبت في دنيتي.. عيش أختي راني ميتة راني جسد بلا روح هاتيلي بنتي نراها".
الدنيا تغيرت والأسعار اشتعلت
وتقول (س. ج.): "حتى والداي كانا يزوراني لكنهما كبرا في السن، وإذا زاراني يعتذران مني لأنهما لن يقدرا على جلب قفة مليئة لي بها كل ما أريد وذلك بسبب غلاء المعيشة، فالدنيا تغيرت والأسعار اشتعلت.. اليوم بتّ أرجو لقاءهما حتى دون قفة، لكنهما يخجلان من زيارتي دون قفة".
وما لاحظناه لدى بعض السجينات اللاتي تحدّثنا إليهن هو أنّ عدد زيارات أفراد عائلاتهنّ لهنّ تقلصت بسبب بعد المسافة عن السجن من جهة وبسبب غلاء المعيشة من جهة أخرى.
ونحن بصدد مغادرة أسوار السجن، أحسسنا بنوع من الأسف وذلك بسبب رغبة جميع السجينات تقريبا في الحديث إلينا فمنهنّ من بكين لذلك ومنهنّ من بدأن بالصراخ ومنهنّ من ظنن أنه وقع تمييز بقية السجينات عليهن، وبعضهنّ يردن الحديث إلينا لأننا نمثل شعاع أمل بالنسبة إليهن، والبعض الآخر يردن الحديث إلينا لاعتقادهن أنّ لدينا القدرة على إصدار قرار عفو في شأنهن لكننا لسنا في الحقيقة سوى قناة وصل بين هؤلاء السجينات وبين الجهات المعنية لإيصال أصواتهنّ التي نأمل بدورنا أن تجد صدى، كما نعتذر من كلّ من لم نستطع الحديث إليها بسبب ضيق الوقت من جهة وضيق المساحة من جهة أخرى، وحتى لو خصّصنا الصحيفة بأكملها لإيصال صرخات هؤلاء السجينات لامتلأت جميع الصفحات ولما انتهت حكايات السجينات، فوراء قضبان سجن النساء بمنوبة حكايات لا يمكن للعقل تصوّرها أو تصديقها أحيانا.

مديرة سجن النساء بمنوبة
"المرأة قادرة على ارتكاب أي نوع من الجرائم"
بحديثنا مع مديرة سجن النساء بمنوبة النقيبة أسماء التومي الهلالي عن علاقة أعوان الأمن بالسجينات وعن بعض الصعوبات التي يواجهها الأعوان في التعامل مع السجينات، قالت محدّثتنا: "الحرص على التمتع بالحقوق وعدم الالتزام بالواجبات هو من بين الصعوبات التي نواجهها مع السجينات، فبعد الثورة باتت السجينات حريصات على التمتع بحقوقهنّ وهذا مؤشر إيجابي على نمو ثقافة حقوق السجين بوعيهن، ولكن في المقابل عليهن الالتزام بواجباتهن".
حيث ذكرت النقيبة الهلالي أنّ هناك بعض السجينات اللاتي يعتقدن أنهنّ مسجونات ولا يجدر محاسبتهنّ عند ارتكاب خطإ و"لكن على العكس من ذلك فنحن حريصات على فرض النظام داخل المؤسسة السجنية واحترامها"، على حدّ قولها.
وتعليقا عن الجرائم التي ترتكبها المرأة، تقول مديرة سجن النساء بمنوبة: بحكم تجربتي، لم أجد أي فرق بين النساء والرجال على مستوى ارتكاب الجريمة، ففي سجن النساء تجد نفس الجرائم التي حوكم بسببها عدد من الرجال، واليوم اقتنعت شخصيا أنه لا يمكنني أن أتفاجأ من ارتكاب امرأة لجريمة معينة، فبمقدورها ارتكاب أي نوع من الجرائم".
ودعت النقيبة التومي إلى وجوب التفكير جديا في إرساء نظام "العقوبة البديلة" المعمول به في عدة دول، "فمن شأن ذلك أن يخفض في معدّل العود إلى الجريمة، ويجب تأهيل المجتمع لذلك، فللأسف لا يوجد في تونس سوى 3 مؤسسات تقبل بالعقوبة البديلة وتتمثل أساسا في الإدارة العامة للسجون والإصلاح والمحاكم والمستشفيات العمومية".

متهمة بالتورط في شبكة دعارة بدبي تتحدث إلى "الصباح الأسبوعي"
"مظلومة.. وأمي كادت تسجن معي"
لم لا تأهيل المجتمع لقبول السجين
راجت مؤخرا عدّة أخبار مفادها القبض في المطار على فتيات تونسيات ينشطن في شبكات دعارة بدول الخليج. "الصباح الأسبوعي" التقت بإحدى الفتيات الموقوفات بسجن منوبة على خلفية اتهامها بالتورط في شبكة دعارة بدبي، وقد حكم عليها بالسجن لمدّة 6 أشهر. إنّ علامات الرفاه بدت ظاهرة على هذه الشابة التي أكدت لنا أنّ عائلتها ميسورة الحال، ولم تقبل هذه السجينة الحديث إلينا إلا بعد إحساسها بالقهر وبكونها تعرّضت لمظلمة، قائلة: "أنا هنا لأحدّثكم عن المظلمة التي تعرّضت إليها ولا أريد أن تتعرضّ فتاة أخرى لمظلمتي".
تقول محدّثتنا إنّه تمّ إيقافها في المطار على خلفية شكوى مجهولة المصدر تضمّنت أنها تشتغل في شبكة دعارة، وهنا تتساءل قائلة: "كيف يقع تحطيم مستقبل شخص انطلاقا من دعوى كيدية، أنا مثلا بإمكاني أن أقدّم في أي فتاة نفس الشكوى بسبب غيرتي منها".
وتقول محدّثتنا: "من بين المؤيّدات التي استعملت ضدّي مثلا عبارة "ShowRoom" التي وجدها المحقق في هاتفي إلا أنها كانت متعلقة بمعرض سيارات بدبي يسمى ب"ShowRoom"، وهو اعتقد أنها تتعلّق بشقة وأجواء حميمية..".
وتواصل محدثتنا قائلة: "أمي أيضا كانت متهمة في الشكوى المقدمة ضدي بكونها المشرفة على شبكة الدعارة بدبي وبكونها تسافر دائما لدبي لتنسيق عمل الفتيات، إلا أنّ والدتي لم تسافر يوما في حياتها، تصوروا مثلا لو قامت أمي بزيارتي ولو مرّة واحدة في دبي لثبتت التهمة عليها ولكانت معي هنا في السجن".
إنّ محدّثتنا كانت تحاورنا وفي قلبها لوعة، صحيح أننا لسنا في موضع الحكم عليها إن كانت بريئة أو متهمة ولكن حديثها معنا أوحى إلينا بقولة "يا ما في السجن مظاليم". وبمجرّد قولنا لها: "سواء كنت متهمة أو بريئة، فالمهم أن تواصلي حياتك ولا توقفيها على هذه الفترة"، نظرت إلينا بعينين تخفيان وراءهما عشرات الأسئلة، سكتت للحظات ثمّ قالت: "هل تعتقدين أن المجتمع سيصدّق أني بريئة؟ هل تعتقدين أنّ المجتمع سيتحدّث إليّ؟ هل تعتقدين أنه بإمكاني مواصلة حياتي بصفة عادية خاصة أني أحس بالقهر وخاصة أني مظلومة؟.." أسئلة عديدة كانت تبحث لها محدثتنا عن إجابة وكأننا المجتمع بأكمله أمامها، فخوفها من مواجهة هذا المجتمع الذي يكون قاسيا أحيانا كثيرة أثر في نفسيتها كثيرا.
إنّ هذه الشابة المتهمة بالتورّط في شبكة دعارة دفعتنا إلى التفكير حول وجوب تركيز هياكل المجتمع المدني عملها على تأهيل المجتمع لقبول السجين. صحيح أن هناك عديد الجمعيات التي تعمل على تأهيل السجين للانخراط في المجتمع، لكن، كيف لهذا السجين أن ينخرط من جديد في مجتمع يرفضه ويوجّه إليه أصابع الاتهام دائما ويدينه في أكثر من مناسبة، فذلك يلعب دورا كبيرا في ارتفاع معدّل العود إلى الجريمة.

الحقوقية بشرى بلحاج حميدة ل"الصباح الأسبوعي"
"السجن يرسكل الإجرام.. والمرأة تعاقب مرتين"
عن حقوق المرأة المجرمة في السجن ومدى تماشيها مع المنظومة الدولية، ذكرت الناشطة الحقوقية وعضو جمعية النساء الديمقراطيات بشرى بلحاج حميدة أنّ القانون الجنائي لا يميّز في العقوبات بين امرأة ورجل، قائلة: "لكن، إن تحدّثنا عن المعايير الدولية فالقانون الجنائي التونسي لا يزال بعيدا عن المنظومة الدولية خاصة المتعلقة بالمحاكمة العادلة والعقوبة البديلة".
وفي هذا الصدد، استنكرت الحقوقية بلحاج حميدة وجود من يرفض العفو التشريعي العام، قائلة: "من المؤسف صراحة أن نجد اليوم من يندّد بقرار العفو عن المساجين ويغضب لذلك، والمؤسف أكثر هو أن يكون من بين الرافضين لذلك القرار أشخاص يدركون جيدا أن قرار العفو لا يقتصر على تونس وإنما معمول به في سائر الدول".
وعن حقوق المرأة السجينة، ذكرت محدّثتنا أنّ السجن مدرسة في الإجرام وتنتهك فيه حقوق المرأة السجينة مشيرة إلى التمييز داخل السجن بين السجينة ميسورة الحال والسجينة الفقيرة. وأضافت عضو جمعية النساء الديمقراطيات، قائلة: "هناك إهمال لملف المرأة السجينة التي تعاني الأمرّين داخل السجن، فمعظم السجينات لا يتوقفن عن التفكير في العقاب الاجتماعي الذي سيسلطه عليها المجتمع".

في غياب المعطيات الإحصائية والدّراسات
إجرام المرأة في تونس ظاهرة مجهولة الهوية
إجرام المرأة ظاهرة لا يمكن التغافل عنها في مجتمعنا وبمجرد سعينا إلى الحصول على بعض المعطيات الإحصائيات المتعلقة هذه الظاهرة لم نجد أي معلومة إحصائية بما في ذلك نسبة ارتكاب المرأة للجريمة وأكثر أنواع الجرائم ارتكابا من قبل المرأة.
فبمجردّ بحثنا في موضوع إجرام المرأة، ذهلنا صراحة لتوفرّ هذه الإحصائيات مفصلّة في بعض الدول الأقل تطورا من تونس على غرار اليمن مثلا والتي تعتبر مجتمعا ريفيا أقل ثقافة ووعيا من المجتمع التونسي إلا أنها أولت اهتماما لإجرام المرأة. كما أنّك تجد في دولة الجزائر التي نتقاسم معها الحدود إحصائيات رسمية ودراسات متعلقة بإجرام المرأة. من المعروف عادة أنّ الإحصائيات تعكس واقعا وهي خطوة أولى نحو إصلاح هذا الواقع لأنها تمكّن من فهم ما يحدث داخل المجتمع وتحليل الظواهر السيئة وبالتالي إيجاد حلول لها، إلا أنّ الأمر مختلف في تونس لأنّ الدولة تناست واجبها الإصلاحي، فوزارة العدل مثلا لا تملك أي إحصائية حول إجرام المرأة.
وبرّر العديد غياب الدراسات المتعلّقة بإجرام المرأة بعدم السماح بزيارة السجون خلال العهد السابق.
نحن نوافقهم الرأي في ذلك، لكن ذلك المبرّر غير مسموح به الآن فقد مضت أكثر من سنتين على اندلاع الثورة، ولم نجد إلى حدّ اليوم أي بحث أو معطى إحصائيا حول المرأة المجرمة. وهنا نتساءل عن تحرك الباحثين الاجتماعيين ميدانيا ، فاليوم أبواب السجون مفتوحة للحقوقيين والباحثين ومن واجبهم تجاه المجتمع التحرك وإعداد هذا النوع من الدراسات.
حينما نتحدّث عن المرأة المجرمة التي تقبع في دهاليز السجن، فإننا نطرق باب العلاقات الاجتماعية في مجتمع سجن النساء ونطرق باب مؤسسات الدولة ومجتمعها المدني لإيلاء أهمية للمرأة المجرمة التي يمكن أن تكون أما أو زوجة أو ابنة، والأهمّ من ذلك أنّها يمكن أن تكون قدوة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.