عادة ما يثير اقتران المشاريع الخيرية التي تقودها جمعيات محسوبة على اطراف حزبية معينة او جمعيات من خارج تونس بالحملات الانتخابية قلق المتابعين وحيرتهم خاصة وان بلادنا مقبلة على حدث سيكون مفصليا في تاريخ تونس بعد الثورة ان تم الاتفاق حول موعد نهائي بين جميع الفرقاء السياسيين. ولعل من ابرز الامثلة ما قدمته وتقدمه "جمعية قطر الخيرية" للشعب التونسي في العديد من المجالات الحياتية وفي اكثر من ولاية ومنطقة واتفاقيات مع عدة وزارات لتصبح بذلك المساند الرسمي للعمل الخيري في تونس ولدفع عمل الحكومة ومساندته حتى ان البعض قد وصف ذلك ب"العمل الجمعياتي بوكالة اجنبية"، لكن أين رجال الاعمال المحليون في هذا المجال لماذا فتحوا الباب على مصراعيه امام 'الأشقاء العرب' لخدمة المناطق المحرومة؟ وهل خفت نور العمل التضامني لدى التونسي؟ وما المانع من المساعدة القطرية وغيرها من الجنسيات الاخرى ان ثبت عدم دعمها لتوجه وعمل طرف سياسي معين؟ عند قيام قطر الخيرية بتوزيع المساكن على مستحقيها مؤخرا في حفل حضره محمد بن سالم وزير الفلاحة وعدنان منصر الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية كانت هتافات المنتفعين وقتها بشكر حزب النهضة ثم قطر وهي اعراض جعلت سياسيين ومسؤولين في عدد من الاحزاب يتحدثون عن التوظيف الحزبي لعمل جمعياتي معتبرين ذلك منافيا للقوانين والاعراف الدولية التي تحجر توظيف اي عمل خيري في اطار حزبي او حملات انتخابية قبل الاوان. في المقابل يرى شق اخر ان ما تقوم به هذه الجمعية او غيرها ممن يريدون تقديم المساعدة لتونس امر محمود لا يمكن الا الترحيب به وينفون ادراج هذا العمل في اي توجه سياسي او انتخابي. وبين هذا الراي وذاك فان تونس في حاجة الى المساعدة من قبل الجميع لكن دون توظيف حتى لا يفقد الرسالة الانسانية المراد ايصالها للراي العام. مآرب انتخابية .. لوضع حد لهذا النوع من العمل الجمعياتي ذي الوكالة الاجنبية سيكون على جميع الاطراف النأي بأي مشروع تقدم عليه الجمعية القطرية عن اي توظيف حزبي او سياسي خاصة وان تونس ستكون مقبلة على موعد انتخابي هام. ويعتقد كثيرون ممن ربطوا بين البرنامج التنموي الضخم للجمعية ان اكبر مستفيد من هذا التوظيف هو حركة النهضة التي تربطها علاقة متميزة بالجمعية القطرية عندما قام وفد من "قطر الخيرية" بزيارة للشيخ راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة التونسي حيث تناول الطرفان بحث سبل التعاون في المجالات الخيرية والإنسانية. (وهو ما تم نشره على موقع الجمعية بتاريخ 5 جوان 2012) وجاء في الموقع ان "راشد الغنوشي قد رحب أثناء زيارته للدوحة برغبة قطر الخيرية واهتمامها بإقامة مشاريع خيرية في تونس في الفترة المستقبلية، وشكر لها هذا الاهتمام، منوها بأهم الأولويات التي يمكن أن تركز عليها مثل هذه المشاريع. من جهته شكر الكواري للشيخ الغنوشي إتاحة الفرصة لقطر الخيرية من أجل بحث سبل التعاون في المجالات الخيرية التي تدرس قطر الخيرية إقامتها بتونس في الفترة القادمة في المجالات التي تسهم في تحقيق التنمية والرعاية الاجتماعية، مشيرا إلى أنها تأتي في إطار التعاون على الخير بين أبناء الأمة الواحدة، وضمن خطط المشاريع الخيرية الخارجية التي تقيمها الجمعية في العادة من خلال مكاتبها الميدانية وشركائها في عدد من دول العالم العربي والإسلامي ودول العالم الأخرى". ويذكر أن" قطر الخيرية" قد افتتحت مكتبا لها في تونس خلال شهر نوفمبر السنة الماضية رغبة في أن تسهم بدعم جهود التنمية بتونس من خلال بوابة العمل الخيري والاجتماعي. وماذا عن رجال الأعمال المحليين؟ في خضم الحديث عن العمل الخيري اين بصمة رجال الاعمال المحليين؟ هو سؤال توجهت به "الصباح الأسبوعي" الى محمد الزغل عن الاتحاد الوطني للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية الذي اجاب قائلا: "توجد مبادرات خيرية كثيرة من رجال الاعمال المحليين لا تنتظر التشهير بها والحديث عنها في الاعلام لانهم يتصرفون انطلاقا من احساسهم بالمسؤولية المجتمعية اذ هناك مدارس عديدة تمت اعادة تهئيتها من قبلهم واعمال ثقافية تمت مساندتها وغير ذلك من الاعمال. كما ان الاتحاد ورجال الاعمال عموما كانوا في الموعد وقت الازمات والكوراث من خلال القوافل الانسانية الى المناطق المنكوبة في فترة ما بعد الثورة، لذلك هم متواجدون وفاعلون بقوة لكنهم ليسوا في حاجة الى نشر ما يقومون به من واجب تجاه وطنهم في الاعلام وهنا يكمن الفرق". عمل خيري.. بالتوازي مع عمل الجمعيات الخيرية المحلية والاجنبية فان المواطن بدوره مطالب بالانخراط في النشاط الخيري مثلما برز ذلك في بدايات هروب الليبيين الى تونس بالاضافة الى جاليات اخرى خوفا من كتائب معمر القذافي او عند حدوث كوارث طبيعية كالفيضانات والثلوج، وهو تحرك ايجابي كان ينتظر تاطيره واستمراره. اما عن صندوق التضامن الاجتماعي فانه في حاجة الى اعادة هيكلة وتوظيف خدمة لمتطلبات المرحلة لانه آلية جيدة ان وظفت بشكل ممنهج وعقلاني خدمة للفئات المحرومة.