بقلم: محمد الحمّار - في حديث أجرته معه قناة التلفزة الوطنية 1 في مساء يوم 12-4-2013 ، صرح د. سالم لبيض وزيرالتربية في حكومة على لعريّض، أنّ الإصلاح التربويّ يتطلب حكومة منتخبة لمدّة خمسة سنوات (بينما الحكومة التي ينتمي إليها وقتيّة). وقد ورد هذا التصريح في معرض تعليق الوزيرعلى الطلبات النقابية لسلك التعليم الثانوي والتي تتضمن مطلب إصلاح المنظومة التربويّة من بين مطالب أخرى. ولئن ننأى بأنفسنا عن الخوض مباشرة في مسألة المطلبيّة النقابيّة، وهي مشروعة لا محالة، فإنّنا نرغب في التعبيرعن نسبيّة الرأي القائل بعدم الحاجة لإصلاح تربويّ عاجل، وهورأي الوزير. فبقدرما يصحّ القول إنّ الإصلاح مسألة وقت وإمكانيات وحكومة منتخبة ما يصح القول أيضا إنّ الإصلاح شرط ملحٌّ إلى أقصى الحدود من بين الشروط الضرورية لإنقاذ البلاد من التأبيد الفوضوي. إذًن؛ فالحجة على أنّ موقف الوزيرمجانب للحقيقة هي من الصنف المنهجي: هل بإمكان أيٍّ كان أن يثبت لنا أنّ الإصلاح يتطلب فعلا عوامل مثل الزمن والمال والحكومات وأنّ العكس ليس هوالأصح؟ أي ما المانع في النظرإلى الإصلاح كمقدّمة للسيطرة على عامل الزمن ولتوفيرالإمكانيّات الماديّة المتناسبة معه ولاستدامة الحَوكمة الرشيدة بصرف النظرعن طبيعة الحكومة التي ستنقذ الإصلاح أو الأشخاص الذين سيشرفون عليه؟ لو كانت لوزيرالتربية فكرة شاملة للإصلاح ولو كان يعتقد أنها متناسبة مع انتظارات الشّعب فلا نرى ما عسى أن يكون المانع في إطلاقها وفي الشروع في عرضها وشرحها ثم البدء في تنفيذها من الآن. هكذا تكون الفكرة ضمانة للوزيرنفسه ولوزارة التربية وللفرق التي ستوكل لها مهمّة تنفيذها. ومن هنا سيتوفرالمال اللازم وسائر المكوّنات الإنسانية واللوجستية الضروريّة. والآن أمام وضع تعليمي متردٍّ ووضع تربوي أتعس منه، لا يسعنا إلا اقتراح ما تيسّرمن الإجراءات التي لو نفّذت الآن وقبل أي وقت آخر لأرجعت الطمأنينة إلى النفوس، نفوس التلاميذ والتلميذات، ونفوس أولياء أمورهم ونفوس المربّين أنفسهم: هيكليا: القطع مع الموازنة اليوميّة ذات الحصّتين، واحدة صباحية وأخرى مسائية، والاقتصارعلى حصّة واحدة ؛ حبذا لو تكون مندمجة (مشابهة للتوقيت الرّمضاني)؛ التقليص في عدد المواد المدرسية؛ التقصيرفي مدة الدرس الواحد من ساعتين اثنتين إلى ساعة واحدة بل وإلى 45د؛ مراجعة الضّوارب باتجاه التعديل وإيلاء تعلمّ اللغات الأولوية القصوى. المنهج والمضمون: التوقّف عن تدريس اللغة الفرنسية بصفة إجبارية وعرضها للمنافسة مع لغات أجنبية أخرى تُتعلم اختياريّا من جانب التلميذ، مع الإبقاء على إجبارية تعلم ما لا يقل عن لغة أجنبية واحدة إلى جانب العربية؛ تدريس العلوم الطبيعية والرياضيات والفيزياء والكيمياء والفلسفة وأية مادة أخرى بواسطة اللغة التي تأسّست بها المعارف والعلوم الضالعة في تكوينها، وذلك حفاظا على أصالة هذه الأخيرة وأصالة منابعها من جهة وحفاظا على استقلالية الناشئة المتعلمة وقدرتهم على توليد المعارف بواسطة اللغة العربية؛ إصلاح مادة التربية والتفكيرالإسلامي حسب منهجية تُشرح في ما بعد (وهي بحوزتنا)؛ توحيد تدريس العلوم حول مبدإ متّسق (وهو بحوزتنا)؛ العمل على الرّبط بين مختلف المواد، لا على النحوالمستورد الذي يطل علينا بين الفينة والأخرى وإنما طبقا لرؤى أصيلة ومتّسقة مع واقعنا (وهي بحوزتنا). إنّ تونس للجميع، والمدرسة للجميع، إذًن؛ فالإصلاح للأقدرمن التونسيّين. والأقدرهو من فكّر في الإصلاح وأعدّ له العُدة، ولمن آمن بإمكانية حدوثه عاجلا، وهم جُل التلاميذ والمدرسين والشعب. وليس هنالك مبررلأن يقع تأجيل إصلاح المدرسة طالما أنّ هذا الأخير قد يكون من البواعث الأساسية على انتقال الحياة في مجتمعنا من طور الفوضى والرداءة إلى طورالبناء والإبداع. *أستاذ بالمعهد النموذجي بأريانة