بقلم: لطفي بن عبيد ساسي - كان لبس النقاب بالنسبة إلى حقبة بن علي وبورقيبة تعبيرا عن انتماء سياسي وعقائدي وقد تأصلت هذه الأفكارمن خلال استنكار"حزب التجمّع" وقبله الحزب الدستوري للنّقاب وكذلك للحجاب وشيئا فشيئا الساسة والإدارة التونسية بشقّيها المدني والأمني ؛ أضف إلى ذلك فئات هامة من الشعب... وأصبح هذا الاستنكار بمضيّ السنين كالنقش على الحجرلأن " الدّوام ينقب الرّخام" ، فكانت وزارة الداخلية بوزرائها وكوادرها تتابع المنقّبات وتقوم بحملات الاعتقالات مع الضّرب والتنكيل والتعذيب النفسي والجسدي داخل الزنزانات وخارجها ، ففرَقت وشرّدت الأزواج والعائلات والأقارب والأصدقاء فحتّى الذين يتعاملون مع المنقّبات بصفة عرضيّة كالعطا والخضّار وغيرهم يلاقون كافة أشكال التضييق في حياتهم المهنية والخاصة. وكانت من تلبس النقاب تعتبرإرهابية ، تحمل أفكارا هدّامة ، ينظرإليها وكأنها تخفي شبحا أوغولا تحت تلك العباءة ... وتتعرّض بذلك للقمع يوميا. خمس وخمسون سنة مرت، نقشت فيها أفكارالحزب الواحد في الزّمن والواحد مع الرجل الواحد، ثم جاءت الثورة تحمل أملا للحرية والانعتاق والمساواة ، تحمل بشرى لجسد يريد السلام وفكرا يرنو إلى الحرية والانعتاق ولكن لسوء الحظ، تداهمنا اليوم من وقت إلى آخر تصريحات مسؤولين كباربخصوص موقفهم من مسألة النقاب، وبدأ الأمرمع عميد كلية الآداب بمنوبة الذي اعتمد على منشور كان صدر في عهد الرئيس السابق وتلا ذلك تلكؤ بعض المسؤولين والوزراء في الحكومة الحالية واتخاذهم مواقف كانت بين الاعتباطية والسلبية بمقولة " فخّاريكسربعضه" والغريب هوأن المنشورالمحموم الذي يعتمده بعض المسؤولين يرجع إلى فترة الاستبداد ، فترة كان "التجمع" المنحل يحارب فيها كل ما له علاقة بالإسلام والإسلاميين حيث يتمّ تناول الحريات في اتجاه واحد هو مصالح الحزب لا غيروليس هناك من رأي سوي "منع النقاب" لأنه مؤشرانتماء ديني وسياسيّ تغذّي هذه النزعة الأفكارالغربية المضادة للدّين والمتخوّفة من تأثيرات المعتقد والتي تندرج أساسا في إطارالحروب الصليبيّة المتواصلة. اليوم نجد أن هذا الرفض متواصل يستمدّ جذوره من الممارسات السابقة مستندا إلى المنشور سيّء الذكر والحال أن ثورة الحريّة والكرامة من المفترض أن تكون قد جبت ما قبلها خاصّة في ما يخصّ الحريات كحريّة اللباس والتنقل والتملك والتعبيروغيرها من الحقوق المدنية والسياسية كذلك الاقتصادية والاجتماعية أوما يسمي بالجيل الثاني منها. إن الحريّة تقتضي إن يكون المرء حرّا بدون قيد أو شرط في ارتداء ما يشاء وبالطريقة التي يشاء والوقت الذي يريده؛ ولا تقف هذه الحريّة إلا عند حرية الغيروعدم المساس بالآداب العامة والأخلاق الحميدة. والملاحظ انه في كل تاريخ تونس لم نرصد أبدا حملة ممنهجة ضد ّ لباس "الميكروجيب" أوغيره من الألبسة "من غيرهدوم" وبالتالي في مجتمع يثو للحرية والكرامة من غيرالمعقول التعدّي علي الحريات بهذا الشكل؛ فالأنثى التي تريد لبس النقاب أوالحجاب لا تتعدّي على الآداب العامة والأخلاق العامة وبالتالي فالتعدّي على الحريات بالاعتماد على منشوريكرّس الطغيان هوأمرغير مقبول اليوم ويجب علي الدولة إن كانت صادقة أن تتصدّى له. وللتذكير فان الرأي عندنا هوأن النقاب مزايدة على الدّين ولكنّنا دعاة حرية في كل الاتجاهات لا غير. وان ادعاءات بعض عمداء الكليات ومديري المعاهد هو في غيرمحله وما هو إلا ميراث وتواصل فكري بين وزراء القمع والفساد السابقين ومريديهم من السياسيين والإداريين الذين مازالوا يعملون بنفس الأسلوب، فالثورة خلعت رؤوس الفساد والقمع وأعداء الحرية والكرامة والمساواة ، ولكن تركت الأذيال ترتع دون رادع ....وما تصريح بعض أساتذة التعليم من أن النقاب يفسد أو يمنع العملية البيداغوجية ويمنع التواصل بين الأستاذ والطالب وأن دخول الامتحان غيرممكن لأنه لا يمكن التعرف علي شخص المنقبة. وكل هذه التعلات المفتعلة لضرب الحريات تجد امتدادها الواعي وغير الواعي في الدمغجة التي كانت منهاج الحزب الواحد والرجل الواحد. نحن اليوم نتناول الموضوع من جانبه المتعلق بالحرية والمساواة لا غيرولسنا في معرض دفاع عن الدّين لأنه له رجالاته الذين يعرفون كيف يدافعون عنه وبقطع النظرعن الحلول التي تمارسها الدول التي تعرف ظاهرة المنقبات كدول الخليج العربي أوالجارة الجزائرأوغيرها ، فالحل هو من مشمولات الدولة وعليها إيجاده. وعدم توصلها إلى الحل لا يجب أن يؤدي إلى قمع الحرية والمساواة فتسمية مراقب من جنس الإناث بالمعاهد والكليات مهمّتها التعرف على المنقبات عند الدخول اليومي للمؤسسة أوعند الامتحانات هو أمرلا يكلف شيئا ، هذا على سبيل المثال لا غيرلأنه كما قلنا البحث عن الحلول هو من مشمولات الدولة. ومبدأ المساواة يقتضي معاملة الناس بالمثل مهما كان لباسهم أو انتماؤهم السياسي أو العقائدي والحرية هي الأصل والمنع هوالاستثناء ؛ لهذا يجب أن لا يقع التوسع فيه فلا يحدّه إلا حرّيات الآخرين والآداب العامة والأخلاق الحميدة وما تقليد ممارسات الديمقراطيات الغربية للحظرفي هذا الشأن إلا استعماء عن الخلفيات التاريخية والعقديّة لم يجد جذوره في الخوف من الإسلام والإسلاميين وفي إرادة تكريس الثقافة الأوروبية وتأصيلها في عقول مستعمراتها وعدم قبول الثقافات المغايرة لأنه آخرما ترغب به. إن حرية النقاب تضرب اليوم بمطرقة الحاضرحاضرالثورة وسندان الزمن الماضي زمن استعمرت فيه فرنسا الديمقراطية؟ البلاد ثم استعمرها الحزب الحر؟ الدستوري الديمقراطي؟ تلاه التجمع الدستوري؟ الديمقراطي؟ وبقيت تترنّح تحت كلاكلهم إلى يوم الناس هذا.