رجعت الى تراث من سبقونا من أهل الكفاءة والخبرة والمعرفة العلمية الموسوعة واتبعوا اجتهادات عقولهم التي كسبت من العلم ما بلغه التقدم العلمي في عصرهم وسابقوا مسيرة الزمن في نظرتهم للمستقبل وانتصروا على مخادعة هواهم وتزييف أهوائهم لهم الحقائق التي لا تقبل الجدل، وكل من حاول الجدل فإنما "جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق" (غافر 5) "ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدي ولا كتاب منير" (الحج 8)، لهذا قال محمد اقبال "إنني لست خائفا من اعداء الاسلام قدر ما أخاف على المسلمين من أنفسهم" مضيفا "إن العالم الاسلامي وهو مزود بتفكير عميق نفّاذ وتجارب جديدة ينبغي عليه أن يقدم في شجاعة على اتمام التجديد الذي ينتظره" وخاتمة كلامه "فعلى المسلم اليوم أن يقدر موقفه وأن يعيد بناء حياته الاجتماعية على ضوء المبادئ النهائية وأن يستنبط من اهداف الاسلام التي لم تتكشف بعد الا تكشفا جزئيا تلك الديمقراطية الروحية التي هي منتهى الاسلام ومقصده" وقال قاسم أمين "معاقبة الشر بالشر اضافة شر الى شر" وقال الامام محمد عبده " من أكبر التقوى السعي الى مصلحة الامة ونفع الناس" وقال الحسن البصري "أفضل الجهاد جهاد الهوى" وقال علي بن أبي طالب "اياكم ومحتقرات الذنوب فإن الصغير فيها يدعو الى الكبير" وقال أبو حازم "اذا تتابعت عليك نعم ربك وأنت تعصيه فاحذره" وقال الأحنف بن قيس "ما أقبح القطيعة بعد الصلة والجفاء بعد اللطف والعداوة بعد الود" فهل يجوز للمسلم بعد وصية خالقه رب العالمين "وجادلهم بالتي هي أحسن" (النحل 125) أن يجادل بالباطل ليدحض به الحق؟ وهل يجوز له بعد وصية الله عز وجل "ولا تعاونوا على الاثم والعدوان" (المائدة 2) ووصيته سبحانه وتعالى "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" (فصلت 34) أن يخاصم ويقاتل ويفتن ليقطع الصلة بين الانسان وأخيه الانسان وهذا يتناقض مع قول خاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام "أحبب حبيبك هونا ما عسى ان يكون بغيضك يوما ما، وابغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما"؟ وهل يجوز للمسلم ايضا بعد التحذير الذي حذره منه خالقه تعالى "فمن يعمل مثقال ذرة شرا يره" (الزلزلة 8) أن يصل به الشر الى إلحاق الضرر بأخيه المسلم أو الالقاء به في التهلكة؟ وهل يجوز له ايضا بعد أن يفيدنا خالقنا رب العزة "إنما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم" (الحجرات 10) أن ينقلب الأمر الى اشعال نيران الفتنة والله يخبرنا أن "الفتنة أشد من القتل" (البقرة 191) و"الفتنة أكبر من القتل" (البقرة 217) وهل يجوز أن يتبع الانسان هواه والله خالقه ينهاه "ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة" (الانعام 150) "فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله" (ص 26) بل يصل البعض الى درجة تأليه هواه رغم قول خالقه "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم" (الجاثية 23). وهل يجوز ان يكون الخالق لطيفا بعباده "الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز" (الشورى 19) "لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير" الأنعام 104) وأن يكون حريصا حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيوصي باللطف بالنساء "انما النساء شقائق الرجال" ثم أوصى "عليكم باللطف والرفق بنسائكم لا تظلموهن ولا تضيقوا عليهن فإن الله يغضب للمرأة اذا ظلمت كما يغضب لليتيم" بينما مازالت المرأة رغم ما تتحمله من آلام الحمل والولادة كأم لم يعترف بعض الناس بإنسانيتها كاملة. وفي القرآن الكريم لفظ "زوج" يحمل معنيين: الذكر والأنثى وهو دليل على المساواة، قال تعالى "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليسكن اليها" (الاعراف 189) فلا فضل لقرين على آخر الا بالتقوى وحسن المعاشرة "ولهن مثل الذي عليهم بالمعروف" (البقرة 228) في الحقوق والواجبات. فكل من الذكر والأنثى انسان والانسان كرمه الله؟ "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (الحجرات 13) "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" (البقرة 197) "وأن تعفوا أقرب للتقوى" (البقرة 237) "إن المتقين في مقام أمين" (الدخان 51). اذا كان المسلمون لم يفهموا علم دينهم الحنيف فقد طلب منهم خالقهم "فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون" (النحل 43) و(الانبياء 7) وقال تعالى عن الذين يكتمون العلم "وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون" (البقرة 146) "يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون" (آل عمران 167). "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب.." (البقرة 159) هؤلاء كانوا سببا في رفع العلم ونشر الجهل والجهالة بين الناس "لا يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا" (البقرة 174) اذا نحن امام نصوص ثابتة منزلة لا جدال فيها نؤمن بها ايمانا يقينيا وامام تراث لا يحصى من اجتهادات الفكر البشري بعضها يقبلها عقل الحكيم والفقيه لأنها صدرت من علماء أجلاء يخشون الله وهؤلاء قال في حقهم رب العالمين "انما يخشى الله من عباده العلماء" (فاطر 28) فقد اجتهدوا وأصابوا منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى يومنا هذا. وهناك من اجتهدوا ولم يصيبوا وكانوا على نية، وهؤلاء قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد ولم يصب فله أجر واحد" وذلك لأن الاعمال بالنيات "ولكل امرئ ما نوى" أما الآخرون المتطفلون حبا في المال او حبا في الجاه والرياء وينحرفون عن العلم الصحيح والمعرفة الدقيقة وينقلب اليسر في الدين عندهم الى عسر فهؤلاء قد انحرفوا عن الدين والدين منهم براء "يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم" (آل عمران 167) "يقولون على الله الكذب وهم يعلمون" (آل عمران 75) بينما العلماء الصادقون المؤمنون بالله يعترفون بأن ما يعلمونه هو من عند الله "والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا" "آل عمران 7) فلنحذر الوقوع في الغفلة التي ينصبها خداعا الذين يفترون على الله الكذب ونلقي بأنفسنا في التهلكة والضرر، لأن عاقبة المفترين الخسران المبين، هؤلاء "يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الارض أولئك هم الخاسرون" (البقرة 27). ألم يقنعك قول خالقك الحليم الغفور الودود رب العالمين وتأكيده في تراث الذين يخشون الله من العلماء وأهل الذكر حتى ترشد وتكون من أهل الرشد وتبتعد كليا عن الغي وأضراره لحماية نفسك وغيرك يا من تقرأ او تسمع قولي هذا؟ إني أؤكد لك أن المسلم الحقيقي من سلم الناس جميعا من لسانه ويده، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت أخوته" ومن هجر المعاصي وحافظ على الفرائض ومن عقل في الامور وتدبر، ومن فقه في الدين ورفق، ومن يسّر ولم يعسر، ومن يبشر ولا ينفّر، ومن يأتلف ولا يتناكر ومن يعوذ بالله من علم لا ينفع وعمل لا يرفع ودعاء لا يسمع، ومن يكون لين القلب منشرح الصدر حكيم العقل وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه وألا يكون ايمانه بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل، وألا يسب ويشتم وأن تكون الاستقامة أساس ايمانه وأن يرحم الناس ليرحمه الله وأن يقتنع أن المعلم خير من المعنف، وأن يكون عمله ولو قليلا في سنّة خيرا من عمل، ولو كثيرا، في بدعة، وأن يهديه عقله بعد الايمان بالله الى التودد لكل الناس واصطناع الخير الى كل بر وفاجر، فشكرا لخاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم الذي أكد الله له "وما أرسلناك الا رحمة للعالمين" (الانبياء 107) على دعائه "رحم الله من حفظ لسانه وعرف زمانه واستقامت طريقته" (روي عن ابن عباس) ولهذا أيها المسلم المؤمن "فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم" (الشورى 15) "وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله" (يونس 37).