في تشخيص لخفايا المجريات السياسية الحاصلة في تونس منذ مدة ومقارنتها بتفاصيل الدعاية المرادفة للموسم الانتخابي نجد بما لا يرتقي للشك حالة من ازدواجية في الخطاب سواء كان ذلك سياسيا او اعلاميا (إلاّ ما ندر). وخلق تناقض القول بالفعل فجوة كبيرة بين حقيقة الشعار المرفوع وواقع التطبيق الفعلي بما انعكس سلبا على نتيجة العلاقة بين الأحزاب الوطنية اولا والجماهير ثانيا ليدلل عن تراجع قيمة التجربة الديمقراطية في أذهان التونسيين. ولا شك أن نتائج الأداء السياسي والاداري وهشاشتهما بالاضافة الى علاقة التوتر المستمرة بين الحكومة من جهة والمعارضة من جهة اخرى جعل الجميع يقف على نفس خط "الخطيئة السياسية " بما يعنيه من الهاء لقضايا هامشية على حساب الاصل في الاداء من مكافحة للفقر والتهميش والبطالة والتنمية. مصطلحات غابت في الوقت الذي كانت فيه اصل "الثورة" لتتعوض التنمية والتشغيل بمكافحة الارهاب ونبذ كل اشكال العنف وضمان استقرار الوضع الامني في تونس. فهل وجدت ظاهرة التطرف الديني من الفقر والبطالة وغياب التنمية ثالوث حاضن لها؟ وهل تعيش تونس على وقع المواجهة بين التنمية والارهاب؟ النهضة والمؤتمر... يتفقان ارجع القيادي بحزب المؤتمر من اجل الجمهورية ظاهرة الارهاب والتطرف الى ما اعتبره "استفحال الفقر والبطالة. ودعا كريشان الى ضرورة اعتماد خيارات اقتصادية وطنية تقلص الفوارق الاجتماعية وتكرس تنمية شاملة وعادلة للجهات المحرومة. وكان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي قد اعتبر خلال ندوة صحفية بمنطقة حي التحرير"ان تونس لن ينجح فيها الارهاب وان الجهاد الحقيقي هو جهاد التنمية والديمقراطية "وكان ذلك على خلفية احداث جبل الشعانبي بالقصرين. تلازم الذاتي بالموضوعي ومن جهته اوضح امين عام اللقاء الوطني وعضو الجبهة الدستورية سامي شبراك ان مسالة الارهاب هي ليست بالظاهرة الوليدة بيننا اذ ان تعاظم الظاهرة مرتبط بجملة من العوامل الذاتية والموضوعية. واعتبر شبراك ان الارهاب مرتبط اشتراطا بعوامل موضوعية يمتزج فيها الاقتصادي بالاجتماعي في ظل غياب التنمية بالجهات التي باتت تفرخ هذه الظاهرة في ظل بيئة حاظنة لكل اشكال الفقر والتهميش والحرمان وغياب التنمية. وبين شبراك ان تداخل الذاتي بالموضوعي قد شكلا بدورهما عاملان أساسيان لتطور الظاهرة في بلادنا فغياب الجهدي التنموي اثر على عامل الذاتي وحول وجهة البحث عن سبل لحياة افضل دنياويا الى البحث عنها في الاخرة . الخطر ومن جهته بين رئيس مركز التفكير الاسترتيجي للشمال الغربي كمال العيادي ان الارهاب لا ينتعش الا في ظل الاوضاع الاجتماعية الهشة والمناطق التي تعيش تهميشا وليس لها القدرة على تحقيق اهدافها في الحياة وهو ما يجعلها الفئات الاكثر استهدافا و الاسهل استقطابا من غيرها وهو ما يولد شكلا من القطيعة بين الانسان والحياة." واضاف العيادي "انه بتحليل بسيط سنلاحظ ان الناس المقبلة على ظاهرة الارهاب قد تصل نحو85 بالمائة من الفئات التي تعيش اوضاع صعبة في ظل غياب التنمية في جهاتها." وقال العيادي"اعتقد انه الى جانب سلاح الدولة يمكن اعتماد شكل اخر من المقاومة لتفادي هذه الاشكاليات عبر ادماج مثل هؤلاء في الحياة النشيطة وتنمية المناطق التي يمكن ان تكون منطلقا خطرا لهذه الظاهرة". واضاف المتحدث"انه لا بد من جعل المناطق الجبلية والغابية والتي يعتبرها الارهابي ملجا له يجب ان تصبح بيئة طاردة ومنفرة له من خلال جعل مواطني الغابات والجبال عناصر مقاومة له عبر تنمية المناطق المذكورة التي تصل في كثير من الاحيان الى70 بالمائة من مجموع السكان بالجهة و3/4 الولايات."