صباح أول أمس الخميس توجهت إذاعة "شمس أف أم "في برنامج"لا ماتينال "-وهو حصة صباحية يؤثثها الثنائي سفيان بن فرحات وفارس بن صويلح مع استضافات يومية وقراءة لأهم الأحداث الوطنية والعالمية والأخبار في "شوفيان" وذلك من الساعة السادسة الى التاسعة صباحا من الاثنين إلى الجمعة- بنداء إلى سواق التاكسيات وطلبت ان يتوجه من يجد نفسه قريبا إلى حي العمران الأعلى ليقلّ ضيفها الذي لم يجد تاكسي ويكاد يتغيب عن الحصة المخصصة له كان النداء ظريفا ظرف الضيف الذي طال انتظاره خاصة وانه يمثل حديث الناس في هذه الأيام وكانت استجابة التاكسيات فورية حسب ما نقله لنا احدهم بل ان بعضهم تسابقوا من اجل ذلك فمن يقول لا.. ل"كورسة" يقضيها ضحكا مع نجم الكوميديا الذي ارتمى التونسيون هذه الأيام بين يديه ينشدون ابتسامة لكثرة ما نكده محللو السياسة والسياسيون وخبراء الاقتصاد والمختصون في علم الاجتماع وغيرهم من الذين لا يكفون عن بث التشاؤم والتخويف والتهويل. ولكن هذا النداء فاجأ بعض مستمعي"شمس اف ام" ممن لم يتصوروا ان جعفر القاسمي لا يمتلك سيارة طبعا لان جعفر كوميدي ناجح ومنشط محبوب متعدد المواهب ومسرحي حاصل على جوائز يعمل ويكد.. كانوا يتصورون ان"مصاريه" تعادل ما يبذله من جهد وعمل يقدمه لفنه وللمجموعة الوطنية كما تفاجأ البعض الآخر بانه مازال يسكن في حي شعبي فنانو تونس و"البرستيج وهؤلاء الذين تفاجأوا قارنوا ماديات الفنانين عندنا بوضعيات فناني مصر ولبنان هؤلاء الذين ينخرطون منذ أول ظهور لهم على الفضائيات وعلى صفحات الجرائد في منظومة "البرستيج" التي تجعلهم يرفضون الظهور في كل الأوقات وبدون ماكياج وملابس ماركاتها عالمية ولا يترجلون في الشوارع ولا يظهرون في الفضاءات العامة حتى ان اغلبهم يوظفون الحراس الشخصيين. ولا أظن ان فنانا مصريا كعادل إمام ومحمد هنيدي أو عمرو واكد أو غيرهم من الذين يحظون في بلادهم بشهرة كشهرة جعفر القاسمي يقبل أن يقف في الشمس ومع الناس منتظرا تاكسي أو حافلة ليلتحق بموعد في أهمية لقاء مباشر في إذاعة. من الصعب أيضا أن تجد في مصر أو لبنان أو سوريا -في وقت من الأوقات- مغنيا او ممثلا في الأسواق أو في نصبات الفريب باحثا عن لباس يليق بالحفلة التي سيقدمها أو عن ملابس لأفراد عائلته حتى انه يقال ان فنانات تونس يتسوغن ملابس الحفلات من الحلاقات مثلهن مثل كل الحريفات بين سهير البابلي وفاطمة بن سعيدان وزهيرة بن عمار وفرض الممثلين المصريين لاعتبارهم وهيبتهم حيث ما حلوا ليس كذلك بجديد ويكفي ان نذكر بان الممثلة سهير البابلي زارتنا في إحدى دورات مهرجان قرطاج السينمائي مرفوقة بكاميرمان يصور كل تحركاتها وحارس شخصي يسأل ان كانت تسمح بلقاء صحفي أو صورة مع محب أم لا في حين ان فنانتنا القديرة فاطمة سعيدان ومنى نور الدين وزهيرة بن عمار وغيرهن يناضلن من اجل الدخول إلى الكوليزي والحصول على مقعد اذكر أيضا مجيء عزت العلايلي وحسين فهمي ونور الشريف للمشاركة في أيام قرطاج المسرحية وغيرهم من الممثلين والفنانين الذين لا يتنازلون وهم ضيوف حتى على أفقر المهرجانات عن "برستيجهم" واعتبارهم والهيبة التي يمتعون بها أنفسهم وهذا الوضع ليس جديدا عن الفنانين التونسيين بجميع أصنافهم والمجالات التي ينتمون إليها بل ان الوضع قديم وهنا يكفي ان نذكر بان بعض الممثلين التونسيين ماتوا في بؤس وشقاء وعانوا من قلة ذات اليد بمجرد ان تغافل المخرجون عن تقديم فرص العمل لهم بتقدمهم في السن ومن بينهم من يعجز حتى عن توفير ثمن دواء ما يعانيه من أمراض مزمنة وهو الذي أثرى بصوته وأشعاره وأدواره السينمائية والتلفزيونية والمسرحية المدونة التونسية وخزينة التلفزة الوطنية الحفلات الخيرية والتنازل على الكاشي ولعل العلم بالوضع المادي المتردي لأغلب فنانينا من المنتمين لكل القطاعات تقريبا- باستثناء من استكرشوا واثروا من مال الدعم الذي تسنده وزارة الثقافة للمبدعين ولا يتم صرفه على الإبداع والذي إذا صرف يتم الاكتفاء بالقليل منه- هو الذي يجعل فنانا تونسيا شهرته عربية عالمية يساهم بالمليمات عوض الملايين من الدنانير في الحفلات الخيرية ويصر على ان تدفع الجهة المنظمة كاشي العازفين يعني انه يعرف ان غيره لا يمكنه حتى المساهمة ويرى ان ما سيتبرع به كاف وزيادة هذا إذا قبل أن يشارك في الحفلات التي يذهب ريعها للمشاريع الخيرية واليتامى وأصحاب الحاجات الخصوصية بعد الثورة. وأين هذه المواقف من الوقفة الإنسانية النبيلة التي وقفها الفنان راغب علامة مثلا مع الفنانة اللبنانية صباح عندما ضاع عقلها ومالها.. عندها اشترى لها هذا الفنان منزلا تأوي إليه وتعهد والبعض من زملائه بمصاريف علاجها وحياتها. وهذا الوضع الاجتماعي والمادي المتردي لأغلب الفنانين في بلادنا استفحل بعد الثورة التي أحالت هي الأخرى عددا كبيرا من الفنانين على البطالة لذلك نقول لمن تفاجأوا انه ليس من الغريب ان ينتظر أشهر فناني تونس التاكسي في الشمس وان ينافسوا المواطن العادي في أسواق الملابس القديمة والفريب ما دام فننا لا يروج عالميا ولا يباع إلا قليلا