من جديد تعالت الأصوات داخل أروقة المجلس التاسيسي وخارجه بالتسريع في عرض قانون التحصين السياسي على انظار المجلس والمصادقة عليه في أقرب الآجال. هذا القانون ما يزال يثير الجدل داخل أروقة المجلس التأسيسي وخارجه بين رافض له على اعتبار أن قانون تحصين الثورة مخالف لأبسط القواعد المتفق عليها دوليا ومناف للأخلاق واقصائي وبين مؤيّد لتمريره والمصادقة عليه بعد سلسلة التنقيحات والإضافات التى طالته. وقد لاح اختلاف المواقف حوله خاصّة بين رئيس حركة النهضة ورئيس حركة نداء تونس حيث ذكر راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في اجتماع شعبي بصفاقس تمسّك الحركة وحلفائها بتمرير مشروع قانون التحصين السياسي للثورة وتأكيده على ان القانون المذكور يسير على الدرب الصحيح مشدّدا على أنه لا يستهدف أية شخصية محدّدة ويسعى أساسا إلى عزل عموم التجمعيين الذين تورّطوا في قضايا فساد في العهد السابق. في حين وصف الباجي قائد السبسي رئيس حزب "حركة نداء تونس" قانون تحصين الثورة ، فى حال تمريره بالمجلس الوطنى التأسيسى ، بأنه "وصمة عار فى جبين التونسيين" مضيفا ان مشروع قانون "تحصين الثورة" سيكون بمثابة "شرخ فى تاريخ تونس وفى وجهها بالخارج". اختلاف المواقف بين الاحزاب السياسية والسياسيّين حول تمرير قانون التحصين السّياسي للثورة تبعه تباين حول قائمة المشمولين بالقانون بين من يرى التوسّع في القائمة وبين من يرى ضرورة التضييق رغم التوافق على تحديد المشمولين بالقانون طبقا لما جاء بالصيغة النهائية للقانون مع تضمين تعديل يرمي الى مزيد تحديد القائمة بالفصل الثاني بالإضافة الى الاتفاق ايضا على اعتماد تاريخ 7 نوفمبر 1987 عوضا عن 2 افريل 1989. فهل سيرى قانون التحصين السياسي للثورة أو قانون العزل السياسي النور أم أنه سيبقى محل مماطلة حزبية ورهين تجاذبات سياسية؟ شرط ضروري في هذا الاطار اشار رياض الشعيبي عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة ان الحركة ترى ان قانون التحصين السياسي للثورة "شرط من شروط الانتقال الديمقراطي وأحد الادوات الضرورية للقطع مع المنظومة والهدف منه يتمثل في تأمين الانتقال الديمقراطي وتطمأنة الشعب التونسي بعدم عودة الاستبداد من جديد." وتوقع الشعيبي عرض مشروع القانون على انظار المجلس التأسيسي خلال الاسبوع القادم بعد استيفاء كل الاجراءات القانونية المعمول بها. وبيّن ان الاختلاف في وجهات النظر داخل حركة النهضة بخصوص تمرير هذا القانون تم حسمها داخل مؤسسات الحزب من خلال تصويت على الخيار السياسي للحركة بتبنى قانون تحصين الثورة والمصادقة عليه داخل المجلس التأسيسي. لا استثناءات.. وبخصوص التباين حول مسالتي التضييق أو التوسّع في قائمة المشمولين في مشروع قانون التحصين السياسي للثورة أكّد الشعيبي ان الفصل 2 حدّد الفئات المعنية بالعزل السياسي وشملت كل من تحمل مسؤولية سياسية في النظام السابق وأنه بمقتضى تلك المسؤولية مدان وبالتالي ليست له الشرعية للعودة للحياة السياسية. ولم ينف الشعيبي في نفس السياق وجود اختلافات جزئية كتلك المتعلقة بمسألتى التضييق والتوسع بين المتبنين لمشروع تحصين الثورة واعتبر ان ماجاء في قانون التحصين يستجيب لتصور الحركة حول من يجب عزله في المرحلة القادمة مؤكدا عدم وجود حسابات حزبية وراء تحديد الفئات المعنية بالعزل ، وان المحدد فقط لهذه المجموعات هو مقدار المسؤولية السياسية التى يتحملها كل طرف في النظام السابق. وأضاف ان قانون العزل السياسي "لن يكون استثناء لبعض السياسيين " مشيرا الى "وجود أسماء تنشط على الساحة السياسية من رؤساء أحزاب وقيادات حزبية ممن كانوا جزءا من المنظومة السابقة سيشملهم هذا القانون." عرض مشروع القانون الأسبوع القادم ومن جهته قال طارق الكحلاوي القيادي في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ان موقف حزب المؤتمر ثابت بخصوص التسريع في تمرير قانون التحصين السياسي للثورة على انظار المجلس التأسيسي والمصادقة عليه مؤكدا تمسّك حزبه بعرضه على التأسيسي خاصة ان الحزب سبق وان تقدم بهذا المشروع في نسخته الاولية في افريل 2012. واضاف الكحلاوي ان مشروع قانون تحصين الثورة اساسي لمرحلة الانتقال الديمقراطي التى تشهدها البلاد ويأتي في اطار محاسبة المتورطين في النظام السابق ومنعهم من محاولة استغلال هذه المرحلة الانتقالية والعودة للمشاركة في الحياة السياسية. وفي نفس السياق أشار ان من المنتظر عرض مشروع القانون بين18 أو 20 جوان الجاري على أقصى تقدير وذلك في صورة احترام النواب للنظام الداخلي للمجلس التأسيسي. وأبدى استغرابه من بعض النخب السياسية التى تراجعت عن دعم قانون تحصين الثورة معتبرا ان القانون لا يستهدف طرفا بعينه وليس من باب التشفي او الانتقام بل يأتي في اطار منع كل من تورّط في النظام السابق. الفصل 2 لا يفي بالغرض من جهته اعتبر ازاد بادي عضو حركة وفاء ان التحصين السياسي للثورة يعدّ من أولويات استحقاقات المرحلة القادمة بما يعني أنه وسيلة من عدة وسائل لتفكيك منظومة الاستبداد والفساد خاصة وان غالبية النواب يتبنون هذا المشروع الذي ستتمّ المصادقة عليه عند عرضه حسب قوله. وأكد بادي انه لا يمكن اليوم بناء مؤسسات الدولة القائمة على الديمقراطية والتدوال السلمي على السلطة دون محاسبة من ساهموا في تكميم الافواه ونهبوا الخيرات واستغلوا مناصبهم لخدمة مصالحهم السياسية الضيقة. واضاف ان قانون تحصين الثورة لا يتعارض مع قانون العدالة الانتقالية باعتبارها تشمل الجانب الجزائي والمدني في حين يتعلق مشروع التحصين بالجانب السياسي. وبخصوص النقاط الخلافية في قانون العزل السياسي اعتبر بادي ان الفصل 2 من مشروع القانون لا يفي بالغرض في ما يتعلق بمن شملهم القانون مشيرا الى ان كتلة حركة وفاء بالمجلس التأسيسي قدّمت مقترحات مكتوبة لتجاوز الخلل باضافة اعضاء مجلس المستشارين المنتمين للتجمع والسفراء والقناصل والولاة والمعتمدين والعمد ومحافظ البنك المركزي ونائبه. وأشار الى وجود أطراف تعمل على إفشال هذا المشروع وقال:" المطبعون مع بقايا النظام السابق لن يرتضوا تمرير هذا المشروع لأنهم يريدون استنساخ النظام القديم وإعادة رسكلته تحت مسمّيات جديدة وبأشكال جديدة." وذكر بادي ان حركة وفاء تقدّم مقاربتها في هذا الخصوص بما يتماهى مع الرؤية السياسية لهذه المرحلة مؤكّدا على ان يتحمل كل طرف مسؤوليته التاريخية والسياسية عند عرض القانون للمناقشة و المصادقة عليه. وفي نفس السياق بين ان الارادة السياسية غائبة عن رئاسة المجلس التأسيسي بخصوص تمريره والمماطلة في عرضه على الجلسة العامة والمصادقة عليه. مشيرا الى "تماهي الارادة السياسية لرئيس المجلس التاسيسي مع موقف حزبه الرافض لقانون التحصين السياسي للثورة وهو بذلك يخالف ارادة النواب ويتجاوز النظام الداخلي الذي حدّد صلاحياته وصلاحيات مكتبه."