أثار مشروع قانون تحصين الثورة وما يزال جدلا سياسيا وقانونيا سواء في المشهد السياسي أو داخل اروقة المجلس التأسيسي وتباينت حوله المواقف والاراء بين مؤيد لتمريره على اعتبار أنه ضروري ومطلب رئيسي من مطالب ثورة 14 جانفي لمنع ظهور القوى المضادة للثورة، وبين رافض له باعتباره قانونا اقصائيا يهدف الى اقصاء الخصوم السياسيين لحركة النهضة في الحياة السياسية. لكن التصريحات الاخيرة والمتواترة لبعض القياديين في حركة النهضة أشارت الى امكانية العدول أو تأجيل النظر في قانون تحصين الثورة الذي تقدمت به كتلة حركة النهضة وكتلة المؤتمر من أجل الجمهورية وكتلة الكرامة في المجلس الوطني التأسيسي ولو بصفة مؤقتة إلى حين المصادقة على قانون العدالة الانتقالية. فقد أكد رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في حوار له نشر مطلع الأسبوع في جريدة لا براس، على ضرورة المصادقة على قانون العدالة الانتقالية قبل قانون تحصين الثورة، اعتبارا لحالة الاحتقان السياسي والتطورات الاخيرة على الساحة السياسية التى شهدتها بلادنا وما تبعها من فشل لمبادرة الجبالي وتكليف العريض بتشكيل الحكومة الجديد والنسق المارطوني التى عرفتها المشاورات بين القوى السياسية واعلان بعض الاحزاب عدم مشاركتها في الائتلاف الحاكم. حمل تصريح الغنوشي في طياته فرضيات تبقى مطروحة على الساحة السياسية منها امكانية التخلي عن مشروع قانون تحصين الثورة في ظل الدعوات الصادرة من أحزاب المعارضة ومكونات المجتمع المدني من جهة أو ارجاء التصويت على القانون المذكور الى حين المصادقة على قانون العدالة الانتقالية وتمريره لاحقا. فبعد ان كان اولوية مطلقة في اشغال المجلس التأسيسي، هل يقصي قانون العدالة الانتقالية قانون تحصين الثورة أمن يتم ربطه بمسار العدالة الانتقالية والقوانين الخاصة بها؟ وفي هذا الاطار اعتبر سمير ديلو وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية ان مشروع قانون العدالة الانتقالية سيتصدر الأولوية القصوى على باقي القوانين الأخرى على غرار مشروع قانون تحصين الثورة ومشروع قانون تطهير القضاء. قانون تحصين الثورة لن يغير الأوضاع في حين حذّر نائب رئيس حركة النهضة عبد الفتاح مورو في أكثر من تصريح صحفي من سنّ قانون تحصين الثورة الذي تقدمت به كتل حركة النهضة، والمؤتمر، والكرامة، مشيرا أنه لا يحق لأي طرف سياسي إقصاء التجمعيين وأن إقصائهم لا يمكن أن يكون إلا عن طريق الشعب. كما اعتبر أن قانون تحصين الثورة لن يغير الأوضاع ولن يلغي الواقع موضحا أن معاقبة الدستوريين أو التجمعيين أو غيرههم ممن لهم مسؤولية جزائية في الفساد الحاصل في العهد السابق، يجب أن تكون عبر القضاء، وإن أثبت القضاء تورطهم عندها يتم إبعادهم عن الساحة السياسية. قانون الإقصاء السياسي جاء متأخرا جدا أما المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية المؤقت فقد عبّر عن رفضه لقانون تحصين الثورة. وقال في حوار لجريدة الخبر الجزائرية " أنا أعتبر أن قانون الإقصاء السياسي جاء متأخرا جدا، ومفعوله السلبي سيكون أكبر من مفعوله الإيجابي، وبالتالي أنا ضده“. يذكر ان احزاب المعارضة سبق أن طالبت في اطار مبادرة الجبالي اثناء المشاورات بضمانات للمشاركة في الحوار الوطني وتهيئة مناخ إيجابي للإستحقاقات الانتخابية القادمة باتخاذ اجراءات مثل تشريك كل الفرقاء السياسيين على طاولة الحوار الوطني والعدول عن تمرير قانون تحصين الثورة والعزل السياسي بالاضافة حل "روابط حماية الثورة". تمسك وفي المقابل وفي تصريح ل"الصباح" شدد الصحبي عتيق رئيس كتلة حركة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي على أن حزبه "لن يتخلى عن قانون تحصين الثورة"، ونفى نية العدول عن مشروع قانون تحصين الثورة، وشدّد في الوقت ذاته على أهمية هذا القانون على اعتبار ان هدفه تحصينها وحمايتها حسب تعبيره. وأشار الى تمسك حركة النهضة بالمشروع ومضيها نحو تمريره في المجلس التأسيسي. وبخصوص القيام بالتعديلات في المشروع ذكر ان المشروع موجود لدى لجنة التشريع ومضمونه محل نقاشات داخل اللجنة، وكل النقاط و الفصول فيه مطروحة للنقاش وسيتم بالتالي القيام بمراجعته. من جهته لاحظ ازاد بادي النائب في المجلس التأسيسي عن حركة وفاء ان مشروع قانون تحصين الثورة مكمل لمشروع قانون العدالة الانتقالية، فالأول يتناول الجانب السياسي في حين ان الثاني يهم الجانب المدني والجزائي. وأضاف بادي ان مشروعي القانونين يتكاملان في اطار منظومة كاملة لتحصين الثورة وحمايتها سياسيا وجزائيا بالاضافة الى مشروع قانون المحاسبة الذي انبثق عن المؤتمر الوطني للمحاسبة ومشروع كشف الارشيف والاطلاع عليه. وفي نفس السياق اوضح ان مشروع القانون محل متابعة داخل المجلس التأسيسي وكتلة حركة النهضة متمسكة وحركة وفاء مصرة على تمريره كأولوية وقد تم في هذا الاطار امضاء عريضة من اغلبية النواب في "التأسيسي" وقدمت الى مكتب المجلس لتمرير قانون تحصين الثورة وهو ما يعكس ارادة النواب في تمرير هذا المشروع. حسابات انتخابية..؟ وتعليقا على التصريحات الاخيرة الداعية الى التخلي عن قانون التحصين ذكر عضو حركة وفاء بالمجلس التأسيسي ان التصريحات الصادرة عن رئيس الجمهورية ومن بعض الساسة جاءت تمهيدا للمرور سريعا للمحطة الانتخابية، باعتبار ان الانتخابات أصبحت هدف النخبة السياسية على حساب استحقاقات الثورة ومتطلباتها، حسب رايه. وأشار إلى أن هذه الاطراف ساهمت وزكت مشروع القانون وتصريحاتهم لا تعدو أن تكون سوى حسابات انتخابية حزبية ضيقة لا ترتقي لمستوى من حمل أمال الثورة وسار في مسارها. وقال ان الاتفاق الحاصل حاليا يتمثل في تمرير المشروع لمواصلة مناقشته مباشرة بعد الانتهاء من مناقشة الهيئة الوقتية المستقلة للقضاء. ومن جهة اخرى أكد عبد اللطيف المكي القيادي في حركة النهضة في تصريح اعلامي أن مشروع تحصين النهضة موجود على أجندة المجلس الوطني التأسيسي ولا يمكنه ان ينتهى الا اذا تراجعت عنه الكتل التى قدمته او تم رفضه من قبل المجلس الوطني التأسيسي.