حرب باردة وصراعات خفية مناورات اقصائية وأوراق قد تحترق في الوقت الذي انطلق فيه العد التنازلي للانتخابات القادمة – رغم ان موعدها مازال في حكم المجهول – ازدادت معه الصراعات في الاحزاب والتحالفات داخل المعارضة على خلفية الزعاماتية والرغبة في التموقع والبروز مما ولد توترا وأجواء مشحونة طفت على سطح الاحداث أحيانا لكن سيناريوهاتها ظلت في كثير من الاحيان «خفية» وفي سرية تحاك سيناريوهاتها داخل الغرف المغلقة ووفقا لحسابات سياسية ضيقة . ورغم السيطرة على بعض الخلافات والصراعات التي نشبت حيث تم احتواؤها و»اطفاء لهيبها» الذي كاد ان يتوسع أكثر من مرة مازالت مخاطر التصدع تتهدد الاحزاب والتحالفات في ظل مؤشرات تؤكد ان جل التحالفات مازالت هشة بما يجعل اشتعال فتيل الصراعات احتمالا واردا في أي لحظة . «حرب» باردة ويبدو ان الصراع على الزعاماتية اصبح بمثابة الحرب الباردة بل انه طغى على البرامج داخل بعض الاحزاب والتحالفات اذ كثيرا ما أثارت بعض الخلافات جدلا واسعا وأسالت حبرا كثيرا لكنه لم يصلنا صدى برامج بديلة أو استراتيجيات تنبني عليها مشاريع حقيقية وهو ما نبه اليه عديد المختصين والمحللين الى حد اصبحت معه السلطة بمثابة الغنيمة التي تطاردها كل الاطراف وهو ما أثار استياء المواطن الذي ازدادت متاعبه وتعمقت متاعبه. ولم تبق اغلب الاحزاب والتحالفات طيلة الأشهر الماضية بعيدة عن الصراعات على الزعاماتية ففي نداء تونس نشب أكثر من خلاف ظاهره مجرد تباين في المواقف ووجهات النظر وباطنه «حرب» زعاماتية وتموقع في الصدارة لمطامع سياسية بحتة .ولئن نجح الباجي قائد السبسي في اطفاء أكثر من «حريق» داخل بيت حزب نداء تونس رغم ان الخلافات وصلت حد الحديث عن استقالات أو حتى عقوبات فان امكانية «الانفجار» تبقى ممكنة اذا لم تبادر الاطراف «المتناحرة» «خفيا» بالتفكير في تداعيات هذه الصراعات التي قد تعصف بكيان الحزب وحظوظه في الانتخابات المقبلة . أوراق قد «تحترق» واذا كان السيناريو يبدو أقل حدة داخل الحزب الجمهوري فان التباينات وبعض الصراعات لم تطف على سطح الاحداث ولو ان بعض التسريبات تشير الى استياء بعض الاطراف داخل الحزب من خيارات نجيب الشابي الذي يبدو انه لم يتعض من دروس الماضي ليلعب على أوراق قد «تحرق» ليحكم بذلك على مسيرته السياسية ب»الاعدام» . وبين نداء تونس والحزب الجمهوري يبدو ان الصراع على الزعاماتية سيشتد أكثر داخل الاتحاد من اجل تونس خاصة ان كل طرف أبدى تشبثه بتقديم مرشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة وفقا لما أكده لنا بوجمعة الرميلي من نداء تونس وعصام الشابي من الحزب الجمهوري في وقت سابق مما يدعو مختلف الاطراف الى التوجه نحو التوافق بعيدا عن «المطامع» واللهث خلف السلطة» اذا كانت ترنو الى تدعيم حظوظها في الاستحقاقات القادمة لان الانقسام قد يحطم امال مختلف الاطراف التي قد تستفيق وقتها على خيبة مريرة وصفعة جديدة مدوية . ورغم ان الجبهة الشعبية مازالت في الظاهر بعيدة عن التصدعات والصراعات فان سهام الانتقادات بدأت توجه لحمة الهمامي الذي «تآكلت» صورته بفعل ظهوره الاعلامي المستمر حيث لا يمر يوم واحد دون تتابع تصريحاته أواستضافاته في البلاتوهات التلفزية والبرامج الاذاعية كما ان تباين وجهات النظر بين بعض الشخصيات بدأ يزداد لكنه ظل بعيدا عن الاعلام مما يحتم على جميع الاطراف العمل على رأب أي صدع قد يؤثر على تماسك الجبهة الشعبية ويقضي على حظوظها في الانتخابات القادمة. تجنبا للمناورات الاقصائية ومن الطبيعي ان ينشأ تنافس وصراع أيضا داخل هذه الأحزاب من أجل الحصول على الموقع الأول وهذا لا يخلو منه أي حزب من الأحزاب سواء في تونس أو في البلدان الديمقراطية أو غير الديمقراطية وفقا لوجهة نظر الاعلامي والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي الذي أضاف ان المشكل لا يكمن في مبدأ التنافس بين الزعامات الحزبية وانما يكمن في أسلوب ادارة الحوار والصراع هل سيكون هذا الاسلوب ديمقراطيا أم انه يجنح الى اسلوب التصفية والمناورات الاقصائية داخل الاحزاب . وشدد الجورشي على انه في المرحلة الدقيقة التي يمر بها الانتقال الديمقراطي فان هذا التنافس اذا خرج عن السيطرة وأصبح صراعا زعاماتيا بدون برامج أو رؤى فان ذلك سيضعف هذه الاحزاب وقد يعيد انتاج نفس المشهد الذي عاشته المعارضة في الانتخابات الماضية . وحول المطلوب من أحزاب المعارضة اذا ارادت ان تكون فاعلة في الانتخابات القادمة والأسلوب الذي يتعين عليها انتهاجه أشار الجورشي الى انه يتحتم عليها ان تقدم الأكفأ والأقدر على تحقيق التوافق وتوحيد صفوفها وان تعطي الاولوية لمصلحة هذه الاطراف على حساب مصلحة الافراد مهما بلغت قيمتهم السياسية وسيتجلى ذلك كلما اقتربت البلاد . صراع برامج وأفكار وتابع الجورشي قائلا» الان الاتحاد من أجل تونس لاشك انه من المسائل التي سيتطرق اليها بالضرورة كيفية تقديم المرشح للرئاسة حيث ان هنالك اكثر من طرف يمكن ان يلعب دورا في الانتخابات وفي غياب أي توافق قد يصبح الاتحاد مهددا او ان يكون للاتحاد اكثر من استراتيجيا انتخابية وهو ما من شأنه ان يقلص من حظوظ الاتحاد .» وأوضح الجورشي ان المحطة الانتخابية القادمة فرصة لصراع برامج وأفكاروكذلك فرصة لتمحيص ما اذا كانت الاحزاب السياسية قد نضجت وأصبحت أقدر على ادارة حوار حقيقي مع التونسيين واعادة الامل لديهم بامكانية حصول تغير نوعي في الخطاب والممارسة . ظاهرة طبيعية ومن جانبه اعتبر مصطفى التليلي ان ظاهرة المنافسة والزعاماتية لا تقتصر على المعارضة بل انها تشمل كذلك الاحزاب الحاكمة التي تشهد صراعا على البروز والتموقع وهي ظاهرة طبيعية لان المشهد السياسي التونسي مازال يبحث عن توازنه ويجب انتظار فترة زمنية لتشهد الاحزاب وضعا مستقرا نسبيا على حد تعبيره. وشدد التليلي على ان التباينات والصراعات لم تبلغ حدا يمكن معه ان تهدد الاحزاب والتحالفات وحتى بعض الاختلافات في وجهات النظر داخل الاتحاد من أجل تونس حول بعض المسائل اهمها الدستور تم احتواؤها وايجاد صيغة ترضي جميع الاطراف وهي تباينات لا تعكس بالضرورة صراعات الزعامة التي وان كان لا يمكن اخفاؤها فانها لا تهدد الاحزاب او التحالفات . ولئن أشارالتليلي الى ان الصراعات التي هدفها التموقع وذات بعد زعاماتي ستكون تداعياتها سلبية جدا على الاحزاب والتحالفات فانه شدد على ضرورة البحث عن الصيغ التوافقية حول الشخصيات التي تحظى بقبول اغلب الاطراف وتجنب التموقع الزعاماتي اعتمادا فقط على الاستراتيجيات الفردية التي تضر القواسم المشتركة ووحدة القوى السياسية على حد تعبيره. صراع خفي ومن جانبه اعتبر المحلل السياسي اسكندر الفقيه ان التنافس ظاهرة صحية داخل الاحزاب لانه من الطبيعي ان يكون هناك حراك وتفاعل حتى داخل التحالفات لكن الصراعات تصبح سلبية لما تخفي أزمة وتنافسا غير شريف وصراع غير معلن وخفي على الزعامات.واستطرد «صحيح انه عندما يكون ثمة اكثر من تيار داخل حزب فان ذلك يمكن ان يعطي ثباتا أكثر وفكرا أفضل لكن الصراعات يجب ان تكون في اطار النزاهة والمصداقية وبمجرد خروجها من هذه الدائرة تصبح مدمرة للأحزاب والتحالفات .» وشدد الفقيه على ان المطلوب من المعارضة ان تبتعد عن الذاتية واللهث وراء السلطة كغنيمة باعتبار ان من لا يكون صادقا مع الناخبين فمصيره الفشل والانتخابات القادمة ستكون مناسبة لمعاقبة من أعطوهم احلاما ووعودا كاذبة مع ضرورة الابتعاد عن تزييف الواقع والنقد غير البناء للطرف الاخر أي الخصم السياسي على حد تعبيره .واضاف «لا يمكن لطرف سياسي ان يستمد نجاحه من خلال نقد خصمه السياسي وانما يجب ان يستند على برامج بديلة وافكار ناجعة تقنع وتتماشى مع الواقع «