افتتحت الدورة الثامنة والعشرون لمهرجان الجم الدولي موسم المهرجانات الصيفية لهذا العام ومع عرض"الأركاستر السمفوني دي روما" انطلقت سهرات صيف تونس.. وفي الجم سهر أكثر من ثلاثة آلاف متفرج مع ايقاعات عمالقة التأليف السيمفوني. قصر الجم أو الكاهنة كما كان يدعى في عهد الفتوحات الاسلامية لإفريقية مازال صامدا في وجه الزمن، شامخا في مدينة استقبلت زوارها بفلكلور تونسي امتزجت في صوره وألوانه المبهجة، ثقافات متعاقبة عرفتها بلادنا في مشهد يعيدنا لحضارة كانت من أثرى الحضارات، التي عرفتها البشرية، حيث كان الرومان يحكمون العالم وعلى مسارحهم دارت المعارك وصنعت البطولات وولدت الفنون والثقافات ولعّل قصر الجم من أهم هذه المعالم، التي تؤرخ لحضارة الامبراطورية الرومانية فهو رابع أكبر مسارحها وأجملها وللموسيقى بين أحضانه طعم آخر.. طعم ارقى وكثر عمقا وسحرا. مسرح الجَمّ واسمه الروماني "كُولُوسِّيُومْ تِيسْدْرُوسْ"، المدرج ضمن قائمة التراث العالمي منذ سنة 1979، يعد الخيار الأجمل والأنسب لعروض الموسيقى السمفونية في بلادنا وهذا ما تمتع به ليلة السبت 29 جوان المنقضي جمهور سهرة افتتاح الدورة 28 من مهرجان الجم الدولي بحضور وزير الثقافة مهدي مبروك ووزير السياحة جمال بن قمرة وعدد من سفراء الدول الاوروبية وتركيا إلى جانب عدد كبير من السياح وعشاق الموسيقى السمفونية من التونسيين، الذين لم تمنعهم المسافة الطويلة في اتجاه مدينة الجم من القدوم من العاصمة وصفاقس وغيرها من المدن الساحلية المحيطة بمدينة الجم. بعد استقبال حافل من ادارة المهرجان للجمهور والضيوف، أضاءت الشموع والشماريخ المكان وانسابت أنغام الاركستر السمفوني دي روما مؤدية في البداية النشيدين التونسي والايطالي، حاملة الحاضرين لعالم اخر بعيد عن فوضى راهننا.. عالم رغم حروبه ومآسيه وجهل أغلبيته شهد نبوغ ادبائه وفنانيه وترك لنا موسيقى مازالت إلى اليوم تعزف من قبل أبرز الفرق السمفونية في مختلف أنحاء العالم. عزف ليلة السبت قرابة الستين موسيقيا في "اركستر دي روما" الإيطالي أشهر المقاطع الموسيقية التي ألفها "لودفيج فان بيتهوفن" وهي السمفونية السادسة "la pastorale"، إلى جانب أعمال أخرى خالدة منها مقطوعات للموسيقي الايطالي جوسيبي فيردي صاحب "أوبرا عائدة" وذلك تزامنا مع الذكرى المائتين لمولده والسمفونية 9 لأنطونيو دقوراك بعنوان "العالم الجديد". قاد اركستر دي روما في افتتاح مهرجان الجم الدولي، الذي بثته مباشرة الوطنية الأولى المايسترو "فرانسيسكو فيتشي" وهو المدير الفني لمهرجان الجم الى سنة 2016 وذلك بفضل اتفاقية تعاون وشراكة تونسية ايطالية تسعى لتقديم صورة سياحية للجم تميزه عن غيره من المهرجانات العالمية المختصة في هذا النوع من الموسيقى خاصة وأن التأليف السمفوني الايطالي له أهمية كبرى عبر تاريخ هذا الفن وساهم في تطويره ومن أبرز عباقرة هذه الموسيقى في ايطاليا جوزيبي توريلي، الذي ألف مقطوعات نمط "ريبيينو كونشيرتو" كما تعد الافتتاحية الايطالية هي أسس السمفونيات في عصر الباروك نهاية القرن الثامن عشر. تجدر الاشارة إلى أن مستوى تنظيم مهرجان الجم الدولي في دورته 28 كان في مستوى رفيع وراق وأشرف أبناء الكشافة التونسية على مراسيم الترحيب بالجمهور بأزيائهم المميزة كما كان أهالي مدينة الجم الاكثر سعادة بعودة البهجة لمدينتهم ومع توفر الحماية والامن من خلال الحضور المكثف للشرطة مرت السهرة ممتعة وهادئة على أنغام أركستر دي روما ولم يعكر صفو الحفل سوى أصوات وإيقاعات الفلكلور القادمة من خارج المسرح والتي أثارت استياء المايسترو قائد الأركستر السمفوني فقام باختصار الفقرات المبرمجة وانتهت السهرة سريعا بعد أقل من ساعة ونصف من انطلاقها ممّا خلف حسرة في قلوب الحاضرين وغادروا آملين في العودة مجددا والتمتع بسحر المكان وموسيقاه.