نجحت الزيارة التي أداها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى بلادنا يومي 4 و5 جويلية الجاري في فتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات التونسية الفرنسية رغم أنه صادف وأن جاء توقيت الزيارة في لحظة استحوذت فيها الأحداث في مصر على الأذهان. وإذ اعتبرنا أن الزيارة نجحت فليس فقط لأنه تم الإتفاق على مواصلة التعاون ودعمه في عدة مجالات على غرار الطاقة والمحيط والنقل والتعاون الفلاحي والمجال التربوي والثقافي وغيرها وليس كذلك لأن الرئيس الفرنسي أعلن عن الإبقاء على نفس مستوى قيمة الدعم المالي لبلادنا بمعدل 500 مليون يورو وليس لأنه أعلن عن رسكلة ديون البلاد في استثمارات -وإن كانت كلها مسائل مهمّة -وإنما لأن الطرفين استطاعا أن يذيبا الجليد الذي كان يحول دون عودة العلاقات إلى صفائها. لم تكن علاقة تونسوفرنسا مرتبطة بالتجارة والصفقات الإقتصادية فحسب وإنما كانت تجمعهما علاقات صداقة خاصة جدا جعلت من هذا البلد أبرز شركائنا الإقتصاديين وكذلك أبرز المدافعين عن المصالح التونسية في الساحة الأوروبية والدولية بعد تمكن الطرفين على امتداد الأعوام من الإفلات من منطق الضغينة ورواسب الماضي وتغليب منطق التعاون والتشارك وحوار الندّ للندّ. لكن العلاقات التونسيّة شهدت فتورا واضحا بعد الثورة بعد الموقف الفرنسي الرّسمي في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي لم يظهر حماسا للثّورة التونسيّة وقد اعترف الرئيس فرانسوا هولاند في زيارته إلى بلادنا بأن فرنسا لم تكن مع تونس في ثورتها سنة 2011 إلا أنه تعهد في نفس الوقت بالوقوف إلى جانب بلادنا حتى إنجاح ثورتها. تمكن إذن فرانسوا هولاند حتى وإن تأخّرت زيارته بعض الشيء -وقد جاءت بعد أشهر من زيارته إلى الجزائر والمغرب البلدين وبعد تأجيلها في أكثر من مناسبة- من أن يذيب الجليد بين البلدين. كان برنامج الرئيس الفرنسي مكثفا جدا خلال زيارته إلى بلادنا. التقى عددا من المسؤولين السياسييّن وممثلين عن المعارضة وعن المجتمع المدني وأدلى بعدّة تصريحات إضافة إلى خطابه أمام النواب بالمجلس الوطني التأسيسي رغبة منه في التواصل مع شريحة واسعة وممثلة حتى أنه اعتذر باسم الفرنسيين عن حادثة اغتيال الزعيم الوطني فرحات حشاد. صحيح ليس مطلوبا من الرئيس الفرنسي وكما قال هو بنفسه خلال زيارته إلى بلادنا أن يقوم بدور الحكم لكن من المهم ومن موقعه وبحكم ما يمثله كرئيس لدولة لها ثقلها في الساحة الدولية أن يشدد على ضرورة احترام حقوق الإنسان وعلى الإسراع بانهاء الفترة الإنتقالية وتحقيق مطالب الشعب في الحرية والكرامة والديمقراطية. وهو ما قال أنه ألح عليه بالمناسبة وما بعث برسائل مطمئنة إلى التونسيين الذي تخوّفوا من عودة ديبلوماسية ما قبل الثورة.