وزارة التربية تقرر تنظيم حركة استثنائية لتسديد شغورات إدارة المدارس الابتدائية بمقاييس تضمن الانصاف    عدد من المناطق التابعة لولاية بنزرت تشهد اضطرابا في امدادات المياه بداية من العاشرة من ليل الثلاثاء    في قضية رفعها ضده نقابي أمني..تأخير محاكمة الغنوشي    مشروع مصنع ثلاثي الفسفاط الرفيع المظيلة على طاولة الحكومة    وزير الداخلية الليبي لقيس سعيد : ''الاستعدادات جارية لإعادة فتح المعبر الحدودي''    أستاذ إقتصاد :'' وضعيتنا مع صندوق النقد غير مرضية ..''    أخبار المال والأعمال    معهد الإحصاء ..تواصل ارتفاع الأسعار.. وتراجع طفيف لنسبة التضخّم    «فكر أرحب من السماء» شي والثقافة الفرنسية    النادي الإفريقي: هيكل دخيل رئيسا جديدا للفريق خلفا ليوسف العلمي    ماذا يحدث بين محرز بوصيان ووزير الشباب و الرياضة ؟    في الصّميم ..«البقلاوة» تُعيد الترجي إلى الأرض    كرة اليد ..بن ثاير والزهاني يقودان الريان للتتويج بالبطولة    عاجل/ أمطار أحيانا غزيرة تصل الى 60 مم بهذه الولايات بعد الظهر..    حوادث: 13 حالة وفاة خلال يوم واحد فقط..    هطول كميات من الأمطار عشية اليوم ..التفاصيل    المتلوي: مروج مخدّرات خطير يقع في قبضة الأمن    يدرّب أفارقة في العامرة .. إيقاف مدرّب «كونغ فو» سوداني    أريانة: منحرف يهدّد رجلا وإمرأة ويفتكّ سيارتهما    الفنان بلقاسم بوقنّة في حوار ل«الشروق» قبل وفاته مشكلتنا تربوية بالأساس    الفنان بلقاسم بوقنّة في ذمة الله .. وداعا صوت الصحراء الصادق    رئيسة قسم أمراض صدرية: 10% من الأطفال في تونس مصابون بالربو    بعد إطلاق منصة مشتركة مع ليبيا وتونس.. وزير الداخلية الإيطالي يعلن تحرك عالمي لوقف تدفقات الهجرة غير النظامية    جبهة الخلاص تتضامن مع الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي    عاجل- قضية الافارقة غير النظاميين : سعيد يكشف عن مركز تحصل على أكثر من 20 مليار    إشارة جديدة من راصد الزلازل الهولندي.. التفاصيل    عاجل/ هجوم على مستشفى في الصين يخلف قتلى وجرحى..    سيدي حسين: مداهمة "كشك" ليلا والسطو عليه.. الجاني في قبضة الأمن    عاجل/ تقلبات جوية بداية من عشية اليوم وطقس شتوي بامتياز..    البطولة الانقليزية : كريستال بالاس يكتسح مانشستر يونايتد برباعية نظيفة    هزة أرضية بقوة 4.9 درجات تضرب هذه المنطقة..    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة "سينما تدور"    ورقة ضغط أم استكمال لحرب الإبادة؟ .. الاحتلال يدفع ب3 فرق لاجتياح رفح    تحقيق فلسطيني بسرقة 70 مليون دولار من البنوك في غزة    مشروع لإنتاج الكهرباء بالقيروان    أولا وأخيرا .. دود الأرض    أميركا تتغيب عن الحضور: روسيا تشهد اليوم تنصيب بوتين رئيسا    سعيد.. سيحال على العدالة كل من تم تعيينه لمحاربة الفساد فانخرط في شبكاته (فيديو)    في لقائه بخبراء من البنك الدولي: وزير الصحة يؤكد على أهمية التعاون المشترك لتحسين الخدمات    هل يساهم تراجع التضخم في انخفاض الأسعار؟.. خبير اقتصادي يوضّح    ارتفاع صادرات قطاع القوارص بنسبة 15,4 بالمائة    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة 'سينما تدور'    رياض دغفوس: لا يوجد خطر على الملقحين بهذا اللقاح    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    تصنيف اللاعبات المحترفات:أنس جابر تتقدم إلى المركز الثامن.    النادي الصفاقسي يتقدم بإثارة ضد الترجي الرياضي.    مدنين: استعدادات حثيثة بالميناء التجاري بجرجيس لموسم عودة أبناء تونس المقيمين بالخارج    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    بطولة الرابطة المحترفة الثانية : برنامج مباريات الجولة الثانية و العشرين    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإفتاء وأصول الفقه (الضوابط والاختلافات)
كتاب الصباح المتسلسل
نشر في الصباح يوم 25 - 07 - 2013


تأليف: الأستاذ الشيخ محمّد البشير ابن جديدية
فضيلة الاجتهاد والتّجديد
إلى جانب تلك الفضائل العلمية والعملية التي تبيّنت من خلال تحديد مفهوم التّجديد عند شرّاح منظومة السيوطي، وعند السيوطي نفسه وعند السّبكي، فإنّ التجديد وهو من غايات الاجتهاد في مفهومه العام قد ساهم كثيرا في إذكاء ملكة التّفكير، والتّحليل المنطقي الموضوعي، ونباهة العقل في النقد والاستنباط، وكان من أثر ذلك إثراء التراث العلمي للعلوم الدّينية. قال الأستاذ فهمي عبد اللطيف "من مشايخ الأزهر المعاصرين" عن أثر التّجديد في إثراء البحث العلمي الديني: "هذه الحيوية العقلية، وهذه المرونة الفكرية في تعاليم الإسلام كانت قوة مساعدة للفقهاء والعلماء إلى توسيع مجال البحث في معالجة قضايا الحياة ومطالب الناس ومصالحهم وفقا لما تقضي به تعاليم هذا الدّين، ولذا اشتدّ تيار هذه الحركة الفكرية في القرن الثالث للهجرة بعد أن بلغت موجة الفتوحات الإسلامية مداها، واتّسعت مصالح الناس وتعدّدت، ووقف المسلمون على ما عند الأمم الأخرى من ثقافات وعلوم وأوهام أيضا، فاستمرّ الجدل بين علماء الكلام في التوفيق بين تكليف الدين وتعليل العقل، وانفتح باب الجدل على مصراعيه، وكثر التأويل، وتعدّدت المذاهب "الفكرية" حتى تفرّقت في ذلك "فرقا"، وراح كلّ فريق يتلمّس الوسائل للإقناع برأيه، والاستدلال بحجّته، ولقد وجد الكثير منهم في الفلسفة اليونانية موردا مستساغا ينهلون منه على هواهم، ويسعفهم في حرية التأويل وطول اللّجاج حتى نُوزِعَ بين هؤلاء المتكلّمين بين طرفي الرفض والتّسليم.
"وفي ناحية أخرى جلس علماء المذاهب الفقهية يحرّرون الأحكام، ويقدّرون الفروع، ويتحرّون نصوص الدين فيما يلائم مطالب الحياة الاجتماعية المتجدّدة، وفيما يَتَوَاصَلُ به الناس في أمور الدنيا ممّا يسمّونه بالمصالح المرسلة، ولقد وقع بينهم ما وقع من الاختلافات الشّكلية في تأويل النصوص، وتلمُّسِ وجوه التدليل على الأحكام، ولكنّهم كانوا جميعا يتّفقون على غاية واحدة هي تصفية العقائد الدينية، وتهذيب العادات من رثاثة التقليد، وغثاثة الأوهام، وزيغ الأفهام''.(1)
إذن، ليس يقصد من التجديد الديني أن نستبدل أحكاما باسم الدين قد لا تناسب جوهر المفهوم الديني وأهدافه، أو لا توافق فروع الأحكام الشّرعية العامّة، أو لا تناسب مقاصدها الكلية والحاجية والتّحسينية. كلاّ، ليس هذا ممّا يفعله المجتهدون الذين عرفوا عند عامّة الناس بحسن إسلامهم وصلاح عملهم، وورعهم وتقواهم، وعند خاصّتهم بأنهم أوسع معاصريهم علما، وأكثر دراية بوجوه الاستنباط، وأقواهم حجّة، وأسرعهم بداهة، وأبعدهم نظرا، وأكثرهم تحرّيا للحقّ والصواب خشية من الوقوع في الخطإ والزلّة.
التجديد الديني أمر أباحه الشّرع في إطار الاجتهاد ليظلّ الإسلام قائما على الدوام ومهيمنا، ومحافظا على خاصيته في أنّه صالح لكلّ زمان ومكان، إذ لا يعرقل مسار حياة الناس ولا قضاء مصالحهم ولا تطوّر أساليبهم في العمل، ولا يعرقل مجال الإبداع والابتكار إذا كان في إطار ما يبيحه الشّرع ولا يمنعه.
أزمة الاجتهاد والتّجديد
مرّت على المسلمين سنون على عهدهم بالاجتهاد، وإعمال العقل، والتّعمّق في دراسة الأحكام الشّرعية وحكمة مشروعيتها، وأبعاد مقاصدها، فصاروا أهل علم، وصارت عواصمهم وجوامعهم ومجالسهم العلمية مقصد كلّ طالب للعلم والمعرفة في شتّى ميادينها. انتشرت بهذا الفضل علومهم وكتبهم ونُقِلَتْ للغات أخرى، وارتقت حضارتهم وتميّزت إلى أن عصفت بهم رياح الفتن. بعض هذه الفتن كان من داخل الأمّة بسبب الصراعات السياسية، أو الانتماءات المذهبية، أو العصبيات القبلية أو الجنسية من ذلك ما نشأ في عهد قيام الدولة الأموية، وكذلك زمن قيام الدولة العباسية. ومن هذه الفتن ما كان عن تدخّل عوامل خارجية حاربت المسلمين في عهد تفرّق عُصْبَتِهم، وفي عهد انحلالهم وضعفهم فتسلّط عليهم الطامعون في بسط نفوذهم على إمبراطوريتهم الواسعة كشأن حروب التتّار. ومن هذه الفتن ما كان ناشئا عن صراع ديني كالذي حدث زمن الحروب الصليبية؛ ثمّ كانت الطامّة الكبرى زمن ضعف الامبراطورية العثمانية- عندما نُعِتَتْ بالرجل المريض- فبسطت الدول الأوروبية نفوذها على الأقطار الإسلامية بعد أن قسّمتها، واستعمرتها وسلبتها سيادتها - سياسيا واقتصاديا وثقافيا -. عندما عصفت رياح الفتن بالأمّة الإسلامية كان من أوائل المُفْتَنِين العلماءُ، وكان من أول ما هدموا صوت العقل وتدبير الفكر. آذوا أساطين العلم والفقهاء الأجلاّء النّزهاء. آذوهم إلى حدّ الإذلال في غياهب السّجون، وهرب بعضهم من بلده خوفا على نفسه واختفى عن الأعين وأُخْرِسَ لسانه وطُمِسَ علمُه، وكان الخاسر الأكبر مجد العلم، وشأن العقل، ونور الفكر. وطبيعي أن تكون من نتائج هذه الخسارة أن ينتشر الجهل، وتكثر البدع، وأن تسيطر الأوهام على الأذهان، وأن يتحسّر العقلاء من النّاس على ماضيهم ويحنّوا إليه.
وكان من أهمّ آثار هذه الأزمات انتصار الدّعوة إلى التّقليد، وغُيِّبَ التَجديد، وانتصروا للنّقل وأهملوا العقل. وأقبل طلاّب العلم على دراسة الأثر بالشّرح وكتابة الحواشي على المتون والشّروح، ولم يضيفوا للتراث جديدا، وبهذا أُوصِدَ باب الاجتهاد وعُطِّلَ العقل....
(يتبع )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.