نفس السلاح.. نفس السيناريو.. نفس العصابة الارهابية.. والنتيجة كانت تكرار الجريمة في غضون ستة أشهر هذا ملحض الندوة الصحفية المطولة لوزير الداخلية بالأمس والتي بمقتضاها يتأكد للرأي العام أن التردد والتباطؤ والتأخر في القبض على قتلة شكري بلعيد قبل ستة أشهر كان وراء تكرار الجريمة ودفع تونس بالتالي الى المجهول او التسونامي الذي بات يترصد البلاد حقيقة وليس على خشبة المسرح. وبقطع النظر عن بقية التفاصيل التي اجتهد الوزير في تقديمها للإعلاميين بالأمس وما تخللها من حرص على ابراز جهود مختلف الجهات الأمنية التي لا تقبل التشكيك في قدراتها وارادتها في كشف الحقيقة حول الجناة المتورطين في جريمة ول أمس التي استهدفت المعارض محمد البراهمي فان الخلاصة الأولى للندوة أنها تضمنت اعترافا صريحا ومعلنا عن وعي أو عن غير وعي بفشل الحكومة الذريع في جريمة اغتيال شكري بلعيد وهو ما أدى الى تكرار جريمة أول أمس وأما الخلاصة الثانية التي لا يمكن تجاهلها وهي إشارة الى أن العفو التشريعي الذي تمتع به البعض من المتورطين في أحداث سليمان ممن يتصفون بالخطورة على الامن والمجتمع لا سيما وأنه من المتوقع الإعلان عن المزيد من حالات العفو بالتزامن مع عيد الجمهورية وعيد الفطر وهو ما يستوجب التساؤل عمّن يتحمل مسؤولية الجرائم التي يتورط في اقترافها من أطلق سراحهم دون أدنى مراقبة أو إعادة تأهيل نفسي أو غيره ومن سيتحمل المسؤولية في حال ثبوت أن أحدا أو بعضا ممن تمتعوا بالعفو كان لهم دور مباشر أو غير مباشر في جريمة اغتيال البراهمي ومن قبله بلعي سلطة معزولة عن الشعب لا شك أن في تصريحات ومواقف رؤساء الترويكا يوم الجريمة ما كشف الكثير من الارتباك والانفصال عن الواقع وكانت الرسائل التي توجه بها الرئيس المؤقت كما رئيس المجلس التأسيسي ورئيس الحكومة بلا روح وفشلت فشلا ذريعا في الاستفادة من دروس جريمة اغتيال شكري بلعيد ولم تكن بالتالي كلماتهم الموجهة للرأي العام في حجم الحدث وكان الهدف الوحيد المشترك بينها وان اختلفت الكلمات والبيانات أن التونسي غير قادر على معرفة مصلحته وأنه لا مجال للوقوف لحظة صدق أو محاسبة النفس أواتخاذ قرارات جريئة أو الاستقالة على اعتبار أن جنرالا فاشلا لا يمكنه أن يعود لموقع القيادة لان الهزيمة ستلاحقه الواقع أنه سواء كانت ندوة الامس بهدف امتصاص غضب الشارع التونسي أو كذلك بسبب التخفيف من حدة الدعوات للعصيان المدني فانها أعادت للاذهان ندوة وزيرالداخلية السابق رئيس الحكومة الحالي بعد جريمة اغتيال شكري بلعيد والوعود والحماسة الضائعة بشأن الكشف عن الحقيقة خلال ساعات.. وبالعودة الى المتهم الأول أبو بكر الحكيم في جريمتي اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي فالواضح أن سجله الطويل في عالم الارهاب والسلاح ليس بغريب عن الاعلام الفرنسي وهو الذي صدر بشأنه حكم بالسجن لمدة ثماني سنوات في 2008 عندما تم القبض عليه بصدد محاولة اجتياز الحدود السورية الى العراق دون جواز سفر ولعل في هذا ما يدعو للتساؤل حول ظروف وملابسات عودة الحكيم الى تونس ومن يقف وراء تجنيده وتمويله ودفعه الى جريمة الاغتيال الأولى ثم الثانية أبو بكرالحكيم سجل مثقل في عالم الإرهاب.. أبو بكر الحكيم الذي عرفه الفرنسيون قبل التونسيين لأول مرة في 13 مارس 2003 عبر احدى الإذاعات وهو يعلن أن رفاقه في الجهاد بالعراق ينحدرون من الدائرة 19 بباريس وانهم اقتطعوا تذكرة ذهاب بلا عودة للقتال هناك، ولعل في ذلك ما يدعو للتساؤل حول ملابسات وظروف عودته الى بتونس وهو الذي صدر بشأنه حكم بالسجن ثماني سنوات في فرنسا منذ 2008 بتهمة تجنيد مقاتلين في العراق، ويبدو أن أبو بكر وهو من مواليد أوت 1983 بفرنسا ونشأ في عائلة متواضعة بالدائرة 19 بباريس بين شقيقيه وشقيقتيه لم يكن ناجحا في الدراسة وقد ارتبط اسمه بفريد بنيتيو أبو عبد الله أو الزعيم الروحي لتجنيد المقاتلين في العراق بعد الاجتياح الأمريكي في 2003 وقد قتل شقيقه رضوان في الفلوجة وهو في سن التاسعة في 17 جويلية سنة 2004 وتذكر صحيفة لو باريسيان أن والدته أقامت له عزاء خاصا تم خلاله توزيع تسجيلات حول الجهاد كفريضة، وفي اعترافات أبو بكر الحكيم للسلطات الفرنسية يقول أنه نفذ عدة عمليات استهدفت جنود أمريكيين وعراقيين وأنه عمل ضمن شبكة أبو مصعب الزرقاوي كما أقر بشرعية استهداف الإعلاميين والمدنيين الذين يتعاملون مع الأمريكيين والذين وصفهم بأعداء الإسلام وقد كان له دور أساسي في تجنيد شبان فرنسيين في العراق عبر دمشق وعرف عن أبو بكر تصريحه الذي فاجأ الفرنسيين بأنه مستعد لتفجير نفسه وقتل كل الأمريكيين، في 2003 عاد مجددا الى فرنسا وأصبح ملتحيا ويلبس الزي الافغاني وقد انتقل وهو في سن الثامنة عشرة الى سوريا لتعلم العربية والإسلام ودرس بمؤسسة فتح الإسلام وعاد بعد ذلك الى فرنسا بعد أن سجن في سوريا مدة سنة واحدة السؤال الذي لم يجب عنه وزير الداخلية بالامس ولن يجيب عنه أحد من المسؤولين في البلاد كم ل"أبو بكر الحكيم" في تونس وكم جهاديا استطونوا في البلاد واستقروا في مدننا وأحيائنا وكم من الأسلحة سربوا الى بلادنا وأين ينوون استعمالها وكم من العقول المخربة و"الجهاديين" انتدبوا لترهيب البلاد والعباد؟ تساؤلات لن تجد لها أجوبة مقنعة على الأقل في الظرف الراهن تماما كما هو الحال بالنسبة لكل من تساهل وشجع الى درجة التواطؤ على عدم مساءلة ومحاسبة ومحاكمة دعاة العنف أصحاب خطب التحريض الحاقدة والروابط المسلحة التي يراد لها أن تكون الامن الموازي في البلاد فضلا عن فتاوى كبار الشيوخ الذين نظروا لفضائل "أبنائهم السلفيين الجهاديين" ضمير الثورة وحصنها المنيع.. الخشية كل الخشية ألا يكون أبو بكر الحكيم العائد الى تونس من معسكرات التدريب التابعة للقاعدة في العراق سوى رقم في تركيبة طويلة ومعقدة من المقاتلين السريين الذين لا يريدون اليوم أن يكون للشعب التونسي موقع بين بقية الشعوب الراقية...