تونس-الصباح : تزامنا مع الحوار المفتوح حاليا مع الشباب حول مشاغله وتطلعاته أردنا في هذه الورقة أن نفتح مشغل علاقة الشاب اليوم بالثقافة والترفيه وذلك من حيث دراسة علاقته بالفضاءات التثقيفية والترفيهية المختلفة سواء صلب الفضاءات المدرسية والجامعات أو داخل الفضاءات العمومية الأخرى على غرار دور الثقافة والنوادي... الوجه العام لعلاقة الشاب التونسي بالحقل الثقافي والترفيهي اليوم تتسم بالعزوف وعدم الاكتراث من ناحية أو الاقتصار على مجال دون المجالات الأخرى من ناحية أخرى وذلك استنادا إلى الملاحظة والاستماع إلى تصريحات الشباب ضمن فضاءات الحوار وكذلك بالرجوع إلى نتائج مجموعة من الدراسات السابقة التي تناولت واقع الشاب التونسي. ملامح علاقة الشاب بالثقافة والترفيه فالمتأمل اليوم في أغلب دور الشباب والثقافة يلاحظ عزوف الشاب عن ارتياد هذه الفضاءات عزوفا يصل إلى حد عدم الاكتراث التام بوجود هذه الفضاءات وببرامجها .كما أن سلوك النشء والشباب اليوم يقتصر لديهم مفهوم الترفيه في مشاهدة الفضائيات (خاصة برامج الرياضة في صفوف الشباب وبرامج الفضائيات العربية في مجال المسلسلات والكليبات في صفوف الفتيات) وإضاعة الوقت في المقاهي(بالنسبة للفتيات والفتيان) وهو سلوك لم يتغير ولم تنجح المناشدات لتغييره والبرامج والتصورات المنجزة لتحويل وجهة الشباب بمعناه الإيجابي إلى الترفيه الهادف والاقبال على الأنشطة الثقافية والابداعية والفكرية والرياضية والجمعياتية... وتشير الاحصائيات في هذا المضمار أن الشاب في بلادنا يميل إلى المقاهي والفضائيات فنجدها في المرتبة الأولى ضمن وسائله الترفيهية والتثقيفية ولا يمارس مثلا الرياضة إلا بنسب ضعيفة ناهزت 20 بالمائة فقط وذلك استنادا إلى نتائج الاستشارة الشبابية الأخيرة. نتائج دراسة ميدانية أخرى أجريت سنة 1998 وشملت الشباب الجامعي كانت قد خلصت بدورها إلى نفس النتائج واثبتت أن نسبة اقبال الطلبة على الأنشطة الثقافية والرياضية لا تتجاوز ال20 بالمائة من المستجوبين...ولعل النتائج الخاصة بالشباب الجامعي أكبر دليل على حالة الفراغ الفكري إن صح التعبير التي يعيشها الشاب التونسي حتى ذو المستوى التعليمي العالي ... أسباب وتحديات وجود هذا الفراغ الثقافي والترفيهي في الوسط الطلابي كما في الوسط المعيشي العادي للشاب التونسي يعود إلى أسباب عديدة استنادا لما صرح به الشباب في مناسبات مختلفة.ونجد من بين هذه التحديات قلة امكانيات الطالب لممارسة فعل الترفيه الذي مازالت تكلفته مرتفعة مقارنة بامكانيات الشاب التونسي... تشمل التحديات كذلك محتويات البرامج الترفيهية التي لا ترقى إلى طموحات الشاب والطالب ولا تستطيع استمالته وشد انتباهه من ذلك أن أغلبها حافظ على طابع تقليدي فلم يواكب مثلا الاهتمامات الجديدة للشاب اليوم في علاقته بتكنولوجيات الاتصال ... كما أن لغة التواصل مع الشباب لم تصل بدورها إلى المستوى الذي يستميل الشاب ويضمن التواصل معه بشكل إيجابي. نجد من بين الأسباب أيضا أن دور المؤسسة التربوية في إثراء الفعل الثقافي الوطني بوجه عام ودورها في استقطاب المواهب للاقبال على الانشطة الترفيهية الهادفة صلب النوادي المدرسية والجامعية تقلص للأسف في السنوات الاخيرة رغم ازدياد الحاجة لتأطير الشباب والإحاطة بهم من سنة إلى أخرى مع تنامي الأخطار المحيطة بهذه الفئة وتنوع المجالات والفضاءات التي بامكانها استقطابهم طبعا على حساب الفضاء المدرسي والجامعي. كيف نغير هذا الواقع؟ مواجهة هذه التحديات وتغيير واقع علاقة الشاب بالثقافة والترفيه الهادف يتطلب دون شك التفكير في تغيير واصلاح جملة من المجالات على غرار العمل على تغيير البرامج الحالية لدور الشباب والثقافة والعناية أكثر بالمجالات الثقافية على غرار المسرح والتوجه إلى العناية أكثر بالشباب الطلابي عبر تدعيم شبكة المراكز الثقافية الجامعية لتقرب من جميع المدن الجامعية وبعث جامعة تعنى بالرياضة الجامعية مع العمل على توفير الفضاءات الترفيهية الأخرى وتدعيم الإطار التنشيطي والتسييري فيها والقيام بدراسات لمعرفة أنماط الترفيه المرغوب فيها من قبل الشباب. هذا إلى جانب بعث المزيد من الجمعيات العاملة في حقل الترفيه والتفكير في إحداث المزيد من الفضاءات الترفيهية سيما في المناطق الداخلية واستهداف مختلف الشرائح ومختلف الاختصاصات (الرياضية والفكرية والثقافية ...) بالإضافة إلى تطوير البرامج الترفيهية وتنويعها ومراعاة المقدرة الشرائية للشاب حتى يقبل على هذه الفضاءات...