تتسارع الأحداث في تونس وتتلاحق منذ اغتيال الشهيد محمد البراهمي، الخميس الماضي..سباق ضد الساعة لإيجاد المخارج والبحث عن الحلول والتحاور في التوافقات الممكنة حتى لا يتكرر سيناريو مصر في بلادنا... خيوط الأزمة السياسية ازدادت تشابكا وتعقيدا مع اصرار طرفيها الأزمة وتمسكها بمواقفها ونعني بهما مساندي ما يمسى بجبهة الانقاذ الوطنية والنواب المنسحبين ومناصري اعتصام الرحيل، وبين مناصري الحكومة والمدافعين عن ما يسمى ب"الشرعية".. الخوف كل الخوف ان تحيد مظاهر الاحتجاج السلمي الذي تركز مسرحه اساسا ساحة باردو المقابلة للمجلس التاسيسي الى حالة من الفوضى وتبادل العنف بدات فعلا في البروز مع الاستخدام المفرط للقوة ضد للمعتصمين بساحة باردو من قبل قوات الأمن..(اصابة النائب نعمان الفهري، دهس احد المعتصمين بسيارة التدخل السريع..حالات إغماء جراء الاستعمال المفرط للغاز المسيل للدموع..تواصل الاعتداء على الإعلاميين..) وحتى في بعض الجهات الساخنة الأخرى (قفصة مثالا) لكن الأخطر من ذلك هو في تزايد حالة الانقسام لدى النخبة السياسية ولدى الراي العام الوطني، بين مؤيد لهذا وذاك، والخطير في الأمر وجود مؤشرات انقسام حتى داخل المؤسسة الأمنية..هذا دون الحديث عن تأثير كل ذلك على حالة الاقتصاد الوطني المهدد اصلا بالانهيار حسب خبراء في المجال لو تواصلت الأزمة دون حلول توافقية.. في الواقع لم يعد خافيا ان حالة الانقسام تتغذى من الاستقطاب الثنائي الحاد ومن تعنت النخب السياسية سواء من الفريق الحاكم او من فريق المعارضة على ايجاد حلول توافقية للخروج من الأزمة التي تعصف بالبلاد. لقد كشفت عملية اغتيال البراهمي عديد الهنات والثغرات والقصور على المستوى الأمني والاستخباراتي، وهو أمر نبه اليه خبراء في الأمن منذ وقوع جريمة اغتيال الشهيد شكري بلعيد. وتكرر الأمر بهذه البساطة قد يكون له دون شك تداعيات وخيمة على الأمن القومي وفقدان عنصر الثقة في اجهزتنا الأمنية. من نتائج الاغتيال طبعا تهديد المسار الانتقالي وحدوث حالة انقسام سياسي داخل الطبقة السياسية وتغذية حالة الاحتقان في الشارع التونسي، والأهم محاولة زرع حالة من الخوف والرعب ليس فقط لدى السياسيين المعارضين لحكم الترويكا، بل ايضا لدى المواطن التونسي البسيط. لقد ضاعف عجز المؤسسة الأمنية والقضائية على كشف ملابسات جريمة اغتيال بلعيد رغم مرور ستة أشهر تقريبا على وقوعها، والأداء الأمني المهزوز والغامض والمرتبك في التعامل مع القضية، من اصرار المعارضة على التصعيد عند وقوع جريمة الاغتيال الثانية في وضح النهار وبنفس السلاح وتمكن المشتبه بهم من الفرار والتخفي الى يوم الناس هذا. كما زاد في اصرار نواب المعارضة المنسحبين ومن ورائهم احزاب جبهة الانقاذ الوطني وعزمهم التصعيد من أجل تحقيق مطالبهم (حل الحكومة والمجلس التأسيس) هو عدم اعتراف الفريق الحاكم بمسؤوليته السياسية والأخلاقية في وقوع جريمتي الاغتيال، وبالتالي فشله في ادارة البلاد ومقاومة العنف والتوقي من الارهاب والارهاب السياسي.. وعلى عكس ردة فعل رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي الذي كان سريعا وحازما في قراره تشكيل حكومة كفاءات وطنية مباشرة بعد اغتيال بلعيد، اعترافا منه بوجود قصور في أداء حكومته آنذاك،..عاب العديدون من رجال السياسة والشخصيات الوطنية على رئيس الحكومة الحالي على العريض عدم تقدير الموقف الخطير مكتفيا بالإدانة ومركزا على اهداف عملية الاغتيال عوضا عن الاعتراف بوجود خلل ما والمبادرة بتحمل المسؤولية السياسية عمّا وقع..والحال ان جل الأحزاب السياسية بما فيها حزب التكتل احد اضلع حكومة الترويكا، وأحزاب ذات مرجعيات دينية سلفية،..حملت الحكومة الحالية المسؤولية السياسية لوقوع عملية الاغتيال ودعتها الى الاستقالة. مع ذلك تعددت المبادرات السياسية خلال فترة قصيرة جلها تعمل على اقتراح حلول لتجاوز الأزمة. لكن الملفت للانتباه ان معظم المبادرات تصب في خانة تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلةّ، تحظى بتوافق سياسي مع الإبقاء على المجلس التاسيسي على ان يستكمل ما تبقى من اعماله الأساسية باعداد دستور توافقي في ظرف اسابيع قليلة وإنهاء انتخاب الهيئة المستقلة للانتخابات والمصادقة على قانون انتخابي..على ان تنتهي اعماله يوم 23 أكتوبر المقبل.