على إيقاعات أغاني عمرو دياب - فنان الأكثر انتشارا في مصر منذ عشرات السنين- تدور أحداث مسلسل "نيران صديقة" للمؤلف محمد أمين راضي والمخرج خالد مرعي.. عمرو دياب الحاضر في جلسات وأسمار أبطال العمل، كشف جانبا من حياة المصريين في سنوات الثمانينات والتسعينات وميولاتهم الفنية خصوصا الشباب منهم.. "نيران صديقة" لم يكتف باستعراض الأحداث الفنية ضمن سرده المشهدي بقدر غوصه في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمصريين انطلاقا من حكاية ستة أصدقاء جمعتهم الجامعة والحب والصداقة ثم فارقت بينهم الغيرة والحسد والكره والانتقام. مسلسل "نيران صديقة" احتال على المشاهد - ليعري حقيقة أبطاله- بالاستعانة بكتاب سحري يدون أسرار وخفايا الأصحاب الستة.. كتاب اعتبره الأصدقاء لعنة ويرى فيه أعداؤهم كنز لابتزازهم، حيث يرصد هذا الكتاب كل الحقائق المخفية كالخيانة والسرقة والقتل.. سيناريو "نيران صديقة " للمؤلف محمد أمين راضي هو منبع تماسك وقوة هذا العمل التشويقي الغامض، إذ تمكن السيناريست من سرد حكايتين مختلفتين من حيث الفترة الزمنية بتناسق كبير – في أولى تجاربه الدرامية - ولعّل حضور أحداث فارقة في تاريخ مصر والوطن العربي في مسلسل "نيران صديقة" زاده عمقا وواقعية رغم إطاره السردي الخيالي القائم على وجود كتاب سحري يدون جرائم الأبطال، حيث تناولت مشاهد مسلسل "نيران صديقة" الدائرة من بداية ثمانينات القرن الماضي إلى سنة 2009 أحداث مؤثرة في حياة المصريين والعرب وخصوصا على المستوى السياسي كسقوط جدار برلين (1989) وحرب العراق على الكويت بداية عام 1990 وجريمة الأنفال التي نقلت بسببها عشرات الفتيات الأكراد من العراق إلى مصر للعمل في الملاهي الليلية وزلزال سنة 1992 بمصر وما خلفه من ضحايا وتوتر اجتماعي وسياسي وأحداث الأقصر الإرهابية سنة 1997، التي أودت بحياة عدد من السياح والمصريين هذه الأحداث كان لها تأثير على مسار حياة الأبطال غير أن أكثرهم تأثرا بهذه المراحل التاريخية الفارقة كان "رأفت" ويجسد دوره النجم التونسي ظافر العابدين فرأفت الشاب الغني اليساري الانتماء كان يمّول الحراك الثوري في مصر ويساعد أصدقاءه ويتغاضى عن إهمال والديه وسفرهما الدائم ليكون مشهد انقلاب الحكم في تونس (سيطرة بن علي على الحكم سنة 1987) بداية تغيره وانهزامه فيخسر والده ماله ويضطر رأفت لسرقة قريبه والهرب خارج مصر ويعيد بناء صورة الشاب الغني ويحظى بأميرة زوجة له (تجسدها منة شلبي) اثر زلزال مصر ليفقد قدرته على المشي مجددا بعد أحداث الأقصر.. هذه الأحداث حولت رأفت من الشاب الغني الخدوم الحالم بالثورة لرجل أعمال انتهازي تلطخت يداه بدماء وزاده بحثه عن الكتاب السحري الضائع شرا وهوسا بالانتقام من الآخرين. ظافر العابدين في ظهوره المصري الثاني بعد "فرتيجو" في السنة الماضية حقق خطوة مميزة في الدراما المصرية كما استطاع بأدائه الحرفي منافسة نجوم مصر والتفوق كذلك ولم يجد صعوبة كبيرة على مستوى إتقان اللهجة المصرية مقارنة بالفنانة السورية كندة علوش، التي رغم تقديمها لعديد الأعمال المصرية في السنوات الماضية مازالت لم تتقن بعد لهجة بلاد النيل ومع ذلك قدمت كندة أداء عميقا لشخصية نهال وهو الأداء المميز كذلك للفنان عمرو يوسف في شخصية طارق يحيا الداعية فيما يعتبر "نيران صديقة" مرحلة جديدة في الدراما بالنسبة لبطلته الأولى منة شلبي حيث استطعت الممثلة المصرية التفوق على ذاتها وأضفت الكثير من الغموض والعمق لشخصية أميرة الفتاة الفقيرة ابنة العاهرة التي تحاول صعود سلم الثراء والنجاح بعيدا عن ماضي عائلتها المخجل. ومن الأدوار، التي جلبت انتباه النقاد والمشاهدين في مسلسل "نيران صديقة" شخصية الفنانة "نور توفيق"، التي تقمصتها بحرفية الفنانة رانيا يوسف فمن خلال هذه الشخصية تعرض مؤلف العمل للضغوط التي تفرض على بعض الفنانات على غرار الجوسسة لصالح المخابرات المصرية وتهديدهم بالفيديوهات الجنسية المصورة غصبا في صورة رفضهم للتعاون مع أمن الدولة كما تشابهت حكاية نور توفيق قي أحداث "نيران صديقة" مع قصة الفنانة شيرهان مع نجل حسني مبارك علاء ورفض العائلة لارتباطهم بمحاولة قتل شيريهان وإلقائها من الطابق السابع لمحل سكناها وهي أحداث عكسها مسلسل محمد أمين راضي لكنه نفى أن تكون شخصية نور توفيق هي شيريهان بقدر ماهي صورة واقعية يمكن أن نلتقيها على الساحة الفنية المصرية وهذه الصورة تعكس واقعية مختلف أبطال "نيران صديقة" الموجودين في مجتمعاتنا في ملامح عديدة ومختلفة. مسلسل "نيران صديقة"، يحظى بمتابعة جيدة على عدد من القنوات ومنها الوطنية الأولى التونسية بفضل سرده العميق وأحداثه المتماسكة وجمالية إخراج خالد المرعي القادم من عالم المونتاج، حيث برزت مواهبه في هذه التقنية من خلال عملية "فلاش باك" غير أن ما يعاب على صناع "نيران صديقة" هو بعض الأخطاء على مستوى الديكور والاستخدامات التكنولوجية والاكسسورات التي لم تتماشى والفترة التاريخية لتصور الأحداث.