دون مقدمات لا يبدو أن الساعات القادمة ستشهد طيّ صفحة التوترالحاصل على الساحة السياسية والانصراف الى تحديد الأولويات في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية المصيرية المطروحة وذلك رغم الخطوة المهمة التي تحققت بعد اعلان زعيم حركة النهضة على الملإ "القبول بشكل واضح وجليّ بمقترح مبادرة الاتحاد لحل الازمة السياسية في البلاد كمنطلق للحوار" وهو الإعلان الذي كان يفترض أن يكون منطلقا للأفعال والإيفاء بالوعود بدل الأقوال قبل أن يعود المشهد الى النقطة الصفر أمام تعدد القراءات وتناقض الرسائل وتباين المواقف بشأن بيان حركة النهضة الذي والحق يقال لم يكن ليخلو من الازدواجية والغموض بشأن نقطة أساسية في مبادرة الاتحاد تتعلق بالاعتراف بفشل الحكومة الراهنة والقبول بتشكيل حكومة إنقاذ وطني في انتظاراستكمال المجلس التأسيسي الاستحقاقات المتبقية في آجال محدودة.. وقد جاء رفض تحالف المعارضة الدخول في مفاوضات قبل حل حكومة السيد علي لعريض كشرط للخروج من الأزمة ليعكس حجم وخطورة الاختبار الذي يخوضه الاتحاد العام التونسي للشغل صاحب المبادرة والوسيط في ذات الوقت في أعقد وأسوإ أزمة في البلاد منذ ثورة 14 جانفي لا سيما وهو المنظمة النقابية الوطنية العريقة التي طالما اضطلعت بدور ريادي في زمن المخاطر كما في الأزمات والصراعات السياسية والانقسامات والفتن أيام الاستعمار كما في مرحلة بناء الدولة والذي يتجدّد اليوم مع التاريخ حتى لا يسقط الحلم الذي وحّد التونسيين اليوم تدخل الأزمة السياسية الخانقة في البلاد شهرها الثاني منذ جريمة الاغتيال الجبانة التي استهدفت في ذكرى عيد الجمهورية النائب محمد البراهمي، وليس من المبالغة في شيء الإقرار بأن حل الأزمة التي طالت أكثر مما ينبغي لن يأتي من باريس ولا من برلين ولا من واشنطن أو الدوحة أو غيرها من العواصم.. وأن الحل والعقد يمرّ عبر ساحتي محمد علي وباردو، ومونبليزير من أجل تحقيق الخلاص وتجنب الخيبات المتكررة فليس سرّا أنه قبل ساعات على انطلاق حملة "أسبوع الرحيل" والتي تأتي بالتزامن مع إعلان الرئيس المؤقت عن تعيينات مفاجئة في قيادة الجيش بما يفتح المجال لأكثر من قراءة للمشهد الأمني والسياسي في البلاد يبقى الغموض والشك والترقب سيّد الموقف في ظل تراجع الإحساس بالتفاؤل الحذر والاعتقاد بقرب موعد الانفراج الذي ساد لبعض الوقت قبل أن يتلاشى مجددا في أعقاب اللقاء الثالث الذي جمع حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل بزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي في إطار اللقاءات الماراطونية المحمومة لإنقاذ البلاد من السقوط في فخ المواجهة الوشيكة سيحمّل البلاد ما لا يحتمل وسيكلف الأحزاب الحاكمة كما المعارضة الكثير في حال أصرّت على هذا السيناريو.. فقد لا يكون من المبالغة في شيء الإقرار بأن الحقيقة الوحيدة التي لا تقبل التشكيك في المشهد السياسي الراهن هي أن التمديد في أمد الأزمة والمضي قدما في لعبة الهروب الى الأمام وكسب الوقت من شأنه أن يزيد الوضع تعقيدا و يعمّق أزمة الثقة القائمة والشكوك في حقيقة نوايا ومدى إرادة الترويكا التي برعت حتى الآن في إضاعة الفرص كما في صفوف المعارضة التي قد تسقط في فخ الانقسامات والتآكل وفقدان اللحمة التي تميّزت بها منذ أول اغتيال استهدف الشهيد شكري بلعيد..