خصصت مجلة أكاديميا عددها الممتاز الذي يغطي أشهر جويلية وأوت وسبتمبر من العام الجاري لتاريخ الحركة الطلابية في تونس. وقد عمدت المجلة التي تعنى بالحياة الجامعية والصادرة عن المنشورات الجامعية بمنوبة إلى النبش في تاريخ الحركة النّضالية الطلابيّة في بلادنا وانتقت لنا ورقات من هذا التاريخ نفت أن تكون هذه الورقات المدعومة بمجموعة من الصور كافية لتغطية جميع مراحل الحركة الطلابية مشيرة إلى أنها حاولت مقابل ذلك أن توضح من خلالها المفاصل الكبرى للحركة حتى وإن توقفت عند عتبة التسعينات. وإذ نرحب ببادرة المجلة فلأنها تنسجم مع حاجة القرّاء خاصة من الطلبة والجامعيين والتلاميذ في العطلة الصيفية لمواضيع تنشط الذاكرة وتسلط الضوء على فصول مهمة من تاريخ البلاد لأن تاريخ الحركة الطلابية هو جزء من تاريخ البلاد. البادرة جيدة كذلك لأننا نعيش فترة انتقالية في تونس فتحت فيها مختلف الملفات وتناقش فيه كل المواضيع بما فيها تلك التي كنا نعتبرها من المسلّمات ويقع التشكيك في كل شيء بقطع النظر عن اختلاف النوايا. فلا يغيب عنا في هذه المرحلة من تاريخنا أن هناك من يريد أن يمسح ذاكرتنا وأن يجعل التاريخ يبدأ من حيث يشاء أو من اللحظة التي تنسجم مع مصالحه. والمجلة وإذ تقلب صفحات التاريخ فهي تشير إلى ذلك الدور المهم الذي اضطلعت به الجامعة التونسية في تكوين الإطارات الفكرية والنخبة العلمية منبهة في افتتاحيتها إلى أن جزء مهما من الطبقة السياسية الناشطة اليوم من أبناء الجامعة التونسية. وأشارت المجلة في افتتاحيتها كذلك إلى أن استعراض فصول من تاريخ الحركة الطلابية بتونس لا يراد منه فقط الجانب الوصفي وإنما يمكن أن تيسّر قراءة تاريخ الحركة الطلابية لنا عملية فهم المشاكل التي يعاني منها المشهد السياسي والمجتمعي بتونس. واستشهدت المجلة في هذا السياق بوضعية العمل النقابي بالجامعة التونسية حيث نقرأ في هذا الخصوص ما يلي:" ليس أدل من هذا النوع من الإسترسال بين الماضي والحاضر وضعية العمل النقابي بالجامعة التونسية اليوم سواء من حيث التعددية النقابية في ارتباطها بالإصطفاف بين اليمين واليسار أو من حيث حالة التشرذم التي يعيشها الإتحاد العام لطلبة تونس." ساهمت في هذا العدد مجموعة من أساتذة جامعة منوبة وكتاب ومترجمون نذكر من بينهم محمد ضيف الله وعلي لطيف ومختار العياشي ومحمد فوزي المستغانمي ومصطفى التواتي وعبد القادر المهيري وفاطمة جراد وخالد كشير وروضة غربي. ونشرت المجلة في نفس العدد حديثا للمناضل اليساري المعروف الراحل نور الدين بن خذر كان قد حاوره فيه سنة 2002 كل من ميشال كامو وفانسون غايسي وترجمه الأستاذ بجامعة منّوبة فوزي السعداوي. الطلبة والشأن السياسي انطلقت المجلة بالبدايات وحاولت أن تحدد بداية اهتمام الطلبة بالشأن السياسي فقال الأستاذ عبد الجليل بوقرّة في مقاربته التاريخية حول الطلبة التونسيين والشأن السياسي أن بداية اهتمام طلبتنا بالسياسة يمكن تحديدها تارخيا ببداية ظهور ما أسماه بالعمل السياسي العصري أي- ودائما حسب نفس المصدر- الحزبي والجمعياتي والصحفي بتأثير من الحضور الفرنسي بعد فرض الحماية على تونس. ورصدت المجلة المراحل التي مر بها الحراك الطلابي منذ بداياته في بداية القرن العشرين مع ظهور جمعية الطلبة التونسيين ولجنة صوت الطالب الزيتوني ووصفت علاقات المد والجزر مع السلطة خاصة في العهد البورقيبي حيث كانت الدولة بأجهزتها تراقب التحركات الجامعية وتسعى لتوجيهها وفق خارطة طريق تخدم مصلحتها واتجاهها. وحاولت فهم الظروف التي نشأت فيها أبرز المنظمات الطلابية وعلى رأسها الإتحاد العام التونسي للطلبة (اليسار) ثم لاحقا الإتحاد العام التونسي للطلبة (الإسلاميين). وقد توقفت المجلة عند الصراعات والنجاحات والإخفاقات والأزمات التي عرفها الطلبة في مسيرتهم النضالية ورصدت أبرز المحطات في تاريخ الحراك الطلابي على غرار مؤتمر قربة 1971 للإتحاد العام لطلبة تونس والإضطرابات التي شهدتها الجامعة خاصة في بداية السبعينات من القرن الماضي. وقد اهتمت المجلة اهتماما خاصا بحركة "برسبكتيف" في الستينات معتبرة إياها إعلان عن نشأة حركة طلابية تقدمية وأضافت أنها بدأت حركة طلابية تسعى إلى توحيد اليسار الطّلابي ثم أصبحت تسعى إلى التحوّل إلى حركة سياسيّة عمّالية. ومن الطبيعي أن يكون هناك حضور وإشارة في هذا العدد من أكاديميا إلى عناوين إعلامية على غرار "العامل التونسي" و"الصباح" و"الشعب" لأن الإعلام كان من المشاركين الفاعلين في معركة تونس التحريرية ثم في أبرز مراحل البناء والتأسيس في دولة الإستقلال وكذلك إلى منظمات وطنية ونقابية على غرار الإتحاد العام التونسي للشغل الموجود في كل المعارك. ومن الطبيعي أن نجد صدى للحراك الطلابي على أعمدة الصحف الوطنية المنتمية أو المستقلة في ذلك الوقت. عدة شخصيات سياسية (منها وزراء ونواب بالمجلس الوطني التأسيسي) ونقابية ناشطة اليوم على الساحة أو غادرتنا موجودة بقوة في الورقات التي اقترحتها مجلة أكاديميا على قرائها. النصوص متنوعة في المضامين والشكل وهي تراوح بين الدراسات والمقاربات العلمية والمذكرات وهي أغلبها موشّحة بصور معبرة. مادة ثرية ومتنوعة يمكن أن تكون منطلقا لمن أراد أن يتعمق في البحث في نفس الموضوع.