- ما أجمل أن يستعيد الحرم الجامعي ذلك الصراع السياسي والاختلاف الايديولوجي الذي ينمي ملكة الفكر ولغة الحوار.. وما أجمل أيضا أن يستعيد هذا الفضاء الطلابي دوره التاريخي الذي عمد النظام البائد الى طمسه لكن ما لا يستحبّ هو أن تدخل وزارة الاشراف بعد الثورة في صراع مع طيف سياسي معين. فتاريخيا اليسار هو من صنع تاريخ النضال الجامعي ولا أحد بمقدوره أن يزايد على ذلك ولهذا من غير المعقول أن يقول وزير التعليم العالي الدكتور منصف بن سالم بأن اليسار الجامعي اليوم يتحرّك وفق أجندا سياسية.. وأن يقول أيضا في وقت سابق بأن عميد كلية الآداب بمنوبة يخدم بدوره أجندا سياسية معينة.. فالسياسة (والوزير أدرى من الجميع بذلك) من صميم الحياة الجامعية حيث ظلّت الحركة الطلابية بمختلف أطيافها السياسية محرار ثورات الشعوب ونبضها وأيضا نبراسها المضيء على درب الحرية والانعتاق من الاستبداد .. ولمن «نسي» التاريخ، نذكّره أن حركة «بريسبكتيف» هي التي صنعت النخبة السياسية المناوئة لبورقيبة المستبد. وإذ لا أحد يلوم الوزير على ما قاله لأنه من حقه التعبير عن رأيه فإنه وجب التذكير أيضا بأنه أصدع بمواقفه هذه لا كوزير مستقل بل حسب خلفية سياسية عقائدية معينة بالنظر الى انتمائه الى حركة النهضة أي أن اليمين الحاكم في صراع مع اليسار الطلابي.. وهذا حقه أيضا لكن ليس من حق وزيرنا ( الذي نحترم نضالاته وجرأته) بأن يتحدث عن أجندا سياسية وكأنها تهمة والحال أنه يخدم الأجندا السياسية للنهضة.. فبعد الثورة لا نريد أن نعود الى منطق «حلال علينا حرام عليكم» ولا أيضا الى هيمنة الحزب الحاكم مثلما حدث لاتحاد الطلبة مع الطلبة التجمعيين.. ومن المفترض على الاسلاميين الذين تقدموا لانتخابات المجالس العلمية أن يطهّروا المقاعد التي حصلوا عليها من الطلبة التجمعيين بعد أن أخذوا أماكنهم وليس تطهير الجامعة من الاتحاد العام لطلبة تونس أو من القوميين والمستقلين. «النهضة» في الحكم هذا أمر ثابت لكن لا يعني ذلك أنها ستستحوذ على المنظمات النقابية الطلابية وغيرها ومنظمات المجتمع المدني حتى نصبح في طريق باتجاه واحد ليس فيها يمين ويسار ووسط.. طريق واحدة يساق فيها الجميع وهذا لأكبر إساءة للثورة. إن الجامعة اليوم لا يمكن أن تستعيد دورها الطبيعي (لنهل العلم والخلاف الفكري والايديولوجي) إلا بتواجد كل الاطياف (مهما كانت أجنداتها) فكم نحنّ لصخرة سقراط ولذلك الصراع الحضاري بين الاتحاد العام لطلبة تونس والاتحاد العام التونسي للطلبة.. ومثلما تتسع تونس للجميع بعد إزاحة الاستبداد فإن الجامعة التي تمثل سقيفة السلطة ومزيجا من الحراك الاجتماعي والسياسي تتسع بدورها للجميع.. لليسار والقوميين والمستقليين والاسلاميين والسلفيين أيضا.. فهؤلاء لا يحق لأحد اقصاؤهم لكن شريطة تجنب العنف ودخول الصراع من بابه الفكري والايديولوجي لنرسي قاعدة البناء لا للهدم...