تونس-الصباح الأسبوعي قد يتفق الجميع على أن ما يدور في سوريا هو حرب أهلية، يقاتل فيها أبناء الوطن الواحد بعضهم البعض.. وقد يطلق عليها البعض الآخر حربا بالوكالة حيث تتصارع القوى الإقليمية على أرض غير أرضها، ولكن السؤال الأهم يبقى من يحارب من في سوريا؟ بدأ الأمر أوضح مما أصبح عليه اليوم فالجيش السوري النظامي قام بشن حملات عسكرية على من أسماهم بالانقلابيين المسلحين، ليبدأ حلم ثورة سلمية سورية بالتبخر فسرعان ما دخل القتال المسلح على الخط وتشكل الجيش السوري الحر من ضباط منشقين أو معارضين.. القتال إلى حد تلك اللحظة كان بين جيش نظامي ومجموعة تطلق على نفسها اسم الجيش السوري الحر. ولكنّ المنعرج الحقيقي كان بالحديث عن تسليح المعارضة السورية وتوافد مسلحين من أنحاء العالم ل"الجهاد" في البلاد. فظهرت بعدها "جبهة النصرة" وغيرها من الجماعات المسلحة المحسوبة على القاعدة «جبهة النصرة» وغيرها من الجماعات المسلحة كانت تقاتل النظام جنبا إلى جنب مع المعارضة السورية التي توصف بالمعتدلة. ولكن إحد التحولات الإستراتيجية الأخيرة كانت اتخاذ المعارضة السورية موقفا واضحا من "جبهة النصرة " وممن يسمون بالإرهابيين عموما في سوريا. وحتى يمكننا فهم الوضع على الأرض يمكن أن نختصر هذه التطورات في ما يلي، النظام يقاتل المعارضين ..المعارضون (المعتدلين) يقاتلون النظام والإرهابيين ..الإرهابيون يقاتلون النظام والمعارضة... قد يبدو الأمر أكثر تعقيدا بذلك ولكنه في الحقيقة كذلك «أعنف قتال» والقتال بين الجيش الحر وجماعات تصنف إرهابية بدأ بالفعل، وقد صرح مسؤول كبير بوزارة الخارجية الامريكية الأسبوع الماضي إن "مقاتلين معتدلين" من المعارضة يخوضون "أعنف قتال لهم" حتى الآن ضد مقاتلين مرتبطين بالقاعدة على الحدود الشمالية والشرقية لسوريا. وهي المعارك التي جرت بين جماعة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المنضوية تحت مظلة القاعدة وبين الجيش السوري الحر. كما أن الاشتباكات بين هذه الجماعة وكتائب "جبهة النصرة" ضد قوات المعارضة تصاعدت في الآونة الأخيرة الحرب داخل الحرب يذكرنا هذا التطور الأخير بمقالة نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" في أفريل الماضي تشير فيها إلى أن الحرب بين "جبهة النصرة" و"الجيش الحر" لا مفر منها. فالنقطة الجوهرية التي أثارت تصدعات في صفوف المقاتلين باختلاف توجهاتهم بين من يعتبرون معارضين معتدلين ومن يوصفون بالإرهابيين هي الاختلافات حول الإيديولوجية وشكل الدولة السورية المستقبلية، ولعل أهم من ذلك هو سؤال آني، إذا سقط النظام من سيسيطر على سوريا هل هو الجيش الحر أم القاعدة؟ تبعات مثل هذه "الحرب" بين المقاتلين على مستقبل سوريا والمنطقة كثيرة، فعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن كل جماعة مقاتلة تحصل على دعم مباشر أي غير مباشر من الخارج فالجميع مدعومون من الخارج بدءا من النظام وصولا إلى أتباع القاعدة. ويعني ذلك أن كل جهة خارجية ستواصل دعم من يحمي مصالحها لآخر لحظة ولن تهتم بتبعات أي من ذلك التي لن يتحملها سوى السوريين ولا أحد غيرهم. والسؤال الأجدى بذلك، هو ما هي القوة الإقليمية التي ستحصد ثمار كل هذه الفوضى؟ وما هي تبعات هذه "الحرب الجديدة" على نظام الأسد؟ من الصعب القول إن الأسد سيسقط اليوم أو غدا، خاصة وأنه إلى حد الآن تمكن من تفادي ضربة أمريكية واثبت صمودا معنويا ظهر من خلال حواراته الأخيرة خاصة حواره على قناة "فوكس نيوز". ولكنّ منطق الحرب البسيط يفيد أنّ قتال المسلحين فيما بينهم نقطة ستخدم النظام بشكل أو بآخر. هذا على الأقل ما يقوله "سن تسو" الحكيم الصيني في كتابه "فن الحرب" عندما يختصر كل تلك التكتيكات من كلمات بسيطة، ف"فرصة تأمين أنفسنا ضد الهزيمة في أيدينا، لكن فرصة هزم العدو يقدمها العدو نفسه." وقد يجد النظام فرصة في هذه التصدعات ليحقق تقدما على الأرض. ولكن لا يبدو أن هناك نقطة يمكن أن تنهي الأزمة السورية مادامت الأطراف الخارجية مازالت لم تحسم أمرها بعد ومادامت كل الانشقاقات والضغوطات والعقوبات والتمويلات والأسلحة التي دخلت سوريا لم تسقط أحدا ولم تحسم الصراع لصالح أي طرف " الحرب لا تحدد من هو صاحب الحق، وإنما تحدد من تبقى"، هكذا يقول بيرتراند راسل، ومن سيتمكن من التأقلم مع المواقف الدولية والتحولات على الأرض هو من سيبقى ومن سيبقى هو من سيتنصر، وبغض النظر عن هوية هذا المنتصر، للحرب ثمنها الباهظ وقد دفعه السوريون مسبقا