عاد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي إلى الحديث عن تأثيرات الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد منذ فترة على كيان الدولة وأجهزتها والتي باتت مهددة بالتفكك، وقال إن المرحلة التي تعيشها تونس اليوم صعبة ولم يكن لها مثيل، وأن كل المؤشرات اليوم تشير الى أن تونس تعيش حالة انجذاب قوي نحو الهاوية. وحذر الطبوبي بشدة خلال كلمة ألقاها أمس بمناسبة اليوم العالمي للعمال موجهة أساسا إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية، والرئاسات الثلاث (رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة، رئيس البرلمان)، من مغبة التأخر في انطلاق مبادرة الحوار الوطني وعدم تجسيدها على أرض الواقع والسعي الى التشكيك في جدواها من قبل ما أسماهم ب"بعض الأطراف الحاقدة". وأكد بأن المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي أصبحت عليه تونس اليوم وبات ينبئ بأسوأ المخاطر أصبح يملي عليهم البوح بالحقيقة، وتسمية الأشياء بأسمائها . وشدّد على ان الاتحاد على يقين تام بأن الحوار الوطني والمثابرة عليه سيساهم في فض الخلافات مشيرا الى ان الحوار فرصة تونس الوحيدة للخروج من مستنقع الصراعات المحكومة بحسابات حزبية أو شخصية ضيقة او أجنداتأجنبية تعمل على ارتهان القرار التونسي. ودعا الطبوبي رئيس الجمهورية إلى "تعزيز تفعيل دوره كضمان لاحترام الدستور وحام للوطن وأمنه القومي من التهديدات الداخلية والخارجية والتفاعل الايجابي للخروج من المرحلة العصيبة والحرص على تجميع الفرقاء والتأليف بينهم على قاعدة الولاء لتونس وحدها." كما طالب سعيد بتفعيل نداء الاتحاد "للدعوة لحوار وطني جامع قبل فوات الأوان ووضع مستلزمات إدارة الحوار متعدد الأبعاد على قاعدة القواسم المشتركة التي تشغلهم حسب مذكرة تقدم بها الاتحاد إلى رئاسة الجمهورية معتبرا أن أي تأجيل للحوار يفاقم إلى الانجذاب نحو الأسوأ." ابتزاز.. مناورات.. وأجندات ولاحظ أن ابتزاز الدولة قد كثر، وأنّ هناك مناورات من قبل من يدعون دعم رئيس الحكومة هشام مشيشي وذلك ليس حبا فيه وانما هي لعبة سياسية وفي الخفاء هناك اجندات أخرى تطبخ لتونس. ودعا الطبوبي في سياق متصل، الحكومة الى توخي الشفافية والوضوح في كل الملفات الاقتصادية وخاصة منها أثناء مفاوضاتها مع الدول والمؤسسات المالية العالمية وعدم اتخاذ أي قرار في هذا الشأن دون الرجوع الى الشركاء الاجتماعيين والشعب لتكون مصلحة البلاد وسيادتها فوق كل الاعتبارات. وشدد الطبوبي على أن العبث بالدولة انتهى ولا يمكن السماح بإضافة آلام أخرى للدولة خاصة مع انتشار فيروس كورونا. وتوجه لرئيس الحكومة قائلا: "اختلط الحابل بالنابل وكثر ابتزاز الدولة.. والناس موش محبة فيك قاعدة تناور وتقول ندعم هشام مشيشي وهي لعبة سياسية ولكن في الخفاء هناك أجندات تطبخ للدولة.." وتابع: "أرجو أن لا تكون في هذا المثل الذي باش يخدم بيه زيد وعمر للعبث بالدولة" . كما توجه الطبوبي برسائل إلى مجلس النواب وقال إن على البرلمان أن يخرج من "مستنقع المناكفات الغوغائية والممارسة الاستعراضية ويمنع نوابه من التذرع بالحصانة لاستباحة الأمن العام وآخرها التهجم المشين على رئيس الجمهورية و تشويه سمعته داخليا وخارجيا". وندد بما أتاه راشد الخياري ضد قيس سعيد معتبرا انه شخص احترف القدح في شخص رئيس الجمهورية، وطالب رئاسة البرلمان بالكف عن الكيل بمكايلين في التعامل مع النواب وعلى الأغلبية الكف عن اعتبار المجلس ملكية حصرية . ودعا البرلمان الى الترفع عن ممارسة الوصاية على الهيئات الدستورية لتوجيه أعمالها كما يحدث للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وطالب باستحداث ما تبقى من الهيئات وإرساء المحكمة الدستورية على أساس الكفاءة لا المحاصصة. اقتصاد شارف على الانهيار وقال أمين عام المنظمة الشغيلة إن المنظمات الوطنية شركاء قولا وفعلا ويجب أن يترجم هذا على أرض الواقع ولا يبقى مجرد شعارات. وكشف أن في الخفاء هناك ضرب في الظهر للمنظمات الوطنية، كما شدد على ضرورة تحمل كل طرف مسؤوليته وأن يحترم حدوده ومكانته. وأوضح بأن الأوضاع تأزمت أكثر منذ التحوير الوزاري مرورا بمشكلة إرساء المحكمة الدستورية وصولا إلي التعيينات الأخيرة في مناصب حساسة في الدولة الأمر الذي عمّق القطيعة بين مكونات السلطتين التشريعية والتنفيذية والتي أصحبت تنذر بتفكك أجهزة الدولة وتصادمها. وشدد الطبوبي على أن الاقتصاد الوطني شارف على الانهيار وبات مهددا بالإفلاس أمام سلبية مختلف القطاعات وغلق عديد المؤسسات الصغرى والمتوسطة وإحالة آلاف العمال على البطالة بالإضافة لتراجع ترقيم تونس السيادي . وفي إشارة إلى خيار الذهاب إلى انتخابات مبكرة أو اللجوء إلى آلية الاستفتاء، قال إنه "لا مناص من إعادة العهدة الى الشعب اذا تواصل المأزق والتعنت ذلك حتى نجنب بلادنا التقاتل ودولتنا التفكك و مجتمعنا الانهيار." كما اعتبر ان تدهور المقدرة الشرائية اليوم غير مسبوق ولا تسمح بمواصلة الصمت وشكك في نسب التضخم المعلنة مضيفا ان المنتج متضرر والمستهلك متضرر اليوم لأنه لم يقع التصدي للتهريب والاحتكار وللاقتصاد الموازي. وفي نفس السياق، أشار الطبوبي إلى أن الاقتصاد الوطني شارف على الانهيار وبات مهددا جديا بالإفلاس وأصبحت مختلف المؤشرات تنذر بأسوأ العواقب منها تراجع ترتيب تونس السيادي وعجز اغلب الموازنات المالية والتجاري وسلبية نمو عدة قطاعات. وأشار إلى غلق عدة مؤسسات صغرى ومتوسطة لعدم قدرتها على الصمود أمام المنافسة غير متكافئة وتعرض بعضها إلى الحالة القانونية وإحالة آلاف عاملاتها وعمالها على البطالة وهي تداعيات تعود إلى هشاشة متواصلة في النموذج الاقتصادي التونسي وفي طبيعة المنوال التنموي الذي طالما نبه الاتحاد إلى مضاعفتاه الوخيمة والمدمرة. الحوار لتجاوز الأزمة بدوره، قال رئيس الحكومة هشام مشيشي، في كلمته، على أن الانشغال بمقاومة الوباء لا يجب أن يصرف أنظارنا عن أهميّة المضي قدما في إنجاز الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في إطار مقاربة تشاركية لإخراج بلادنا من أزمتها المالية والاقتصادية وليستعيد الاقتصاد الوطني عافيته. وأشار إلى أهمية التشاور والحوار الاجتماعي في تسخير كلّ الإمكانيات بالتوازي مع مكافحة فيروس كورونا لدعم المؤسسات وإحداث المزيد من مواطن العمل اللّائق ومقاومة الفقر والإقصاء. وشدد مشيشي على أهمية، الحوار بين كلّ مكوّنات الشعب من أحزاب ومنظمات وكفاءات وطنيّة اعتمادا على مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل من أجل صياغة توافقات وطنيّة حول مجمل قضايا الشعب وطموحاته في الأمن والتقدّم والاستقرار والعدالة الاجتماعية. كما دعا إلى تجاوز الصراعات والتطاحن السياسي في هذا الظرف وتغليب منطق الحوار ومصلحة الوطن الذي من شأنه أن "يوفّر لشعبنا فرصة التعويل على النفس وتثمين قدراته وكفاءاته الوطنية وحشد موارده لدعم نسيجنا الاقتصادي وكسب معركتنا ضد الفقر والإقصاء وضد كل مظاهر الفساد والاقتصاد الموازي والتهرّب الجبائي وكل أشكال الاحتكار". ونوّه مشيشي، في هذا المجال، بعلاقات الشراكة والثقة المتبادلة التي تربط الحكومة بالشركاء الاجتماعيين والذين كانت هنالك معهم لقاءات بنّاءة وقرارات مهمّة حول أمّهات القضايا التنموية وسبل الخروج من الأوضاع المتأزمة الحاليّة، ولاحظ أن هذه الحوارات تميزت بالصراحة والشفافية والموضوعيّة وأدّت إلى خطط عمل مشتركة لإيجاد الحلول الملائمة لمشاكلنا المتعدّدة والاستجابة لانتظارات شعبنا في التنمية والاستقرار والرفاه الاجتماعي..